(463)
عجايب الثورة
الثورة المصرية قادرة على الفرز بشكل تلقائي ومذهل لكل مدعيّ النبوة. فمنذ بداية الثورة ظهرت أسماء كثيرة وأخذت سريعاً مكانها المتفرد، ثم سرعان ما انهارت وسقطت من حسابات الثورة والثوار، وما زال هناك الكثيرون الذين سيسقطون إن عاجلاً أو آجلاً سواء كانوا من أنصار التيار الإسلامي أو غيره. بعض هؤلاء أحزنني سقوطهم إذ ظننت أنهم يستحقون الصعود، ولكن كشف مسار الثورة أنهم غير أهل لذاك. أكثر من أحزنني سقوطه، كما أراه قد سقط وهوى، هو الدكتور سليم العوا الذي كنت أظنه على غير ما كشفت عنه الأيام الأخيرة.
(464)
يا ثوار مصر اتحدوا
الثورة المصرية أشبه بمباراة الملاكمة التي حقق فيها الثوار فوزاً ساحقاً على الخصم في الجولة الأولى وسددوا عدداً هائلاً من اللكمات التي أوقعت الخصم على أرض الحلبة. انتشى اللاعبون الثوار وراح كل لاعب منهم يفرح بالنصر ويحلم بحمل درع الفوز والتفكير في الجوائز والألقاب التي سيحصدها. ولكن سرعان ما كشفت أحداث المباراة أن ما حققه اللاعبون الثوار من فوز لم يكن إلا في جولة واحدة وأن هناك الكثير من الجولات المتبقية.
اكتشف اللاعبون الثوار أن المباراة ليست للهواة مجرد جولات ثلاثة فقط. اكتشف الثوار أنها مباراة للمحترفين من ذوي الوزن فوق الثقيل والتي لا يملك فيها اللاعبون خوذة لتحمي رؤوسهم، وأن كثيرا من التجاوزات عادة ما تحدث ويتغاضى عنها الجميع. اكتشف الثوار أن الخصم قد وقف على قدميه من جديد وبدأ في تسديد اللكمات وكثير منها تحت الحزام؛ ليسقط الثوار على أرض الحلبة ولينقلب الموقف في غير صالحهم.
هنا بدأ بعض اللاعبون الثوار يكتشفون أن لياقتهم الثورية والمهارية لا تمكنهم من الاستمرار في الجولات القادمة والتي قد تستمر حتى يسقط أحد الخصمين على ارض الحلبة بالضربة القاضية، إذ لا وجود لفوز بالنقاط في هذه المباراة. لهذا شاهدنا لاعبين يتساقطون واحداَ بعد الآخر، فمن لا لياقة ثورية لديه لن يتمكن من الاستمرار في الحلبة وتسديد اللكمات للخصم. فمن لا يملك المهارة لتسديد اللكمات الموجعة سيتلقى هو ما فيه الكفاية من اللكمات التي ستأتي عليه فوراً ليخرج من الحلبة محمولا.
البعض من اللاعبين فزعته الهزيمة وصحوة الخصم فراح يسعى لإنهاء المباراة بأي ثمن سواء كانت نهاية بتعادل أو حتى بهزيمة غير ثقيلة من الخصم، البعض الآخر ألقى الفوطة معلناً انسحابه وخسارته. وهناك لاعبون آخرون رفضوا الهزيمة وأعلنوا أن لياقتهم البدنية تسمح لهم بالاستمرار، وأن لديهم المهارات والتكتيكات التي ستمكنهم من تسديد اللكمات للخصم حتى يسقط صريعاً بالضربة القاضية.
ومع طول الجولات راح بعض من المشجعين للثوار بالشعور بالملل فتركوا متابعة المباراة وانشغلوا بأمور أخرى، بل أن بعضهم صاح هاتفاَ "خلّصونا بقى أي حد يفوز وخلاص". المباراة ليست سهلة والخصم شرس يتواطأ مع الحكام لغض النظر عن ضرباته التي يكيلها للثوار من تحت الحزام، ولكن ما زال هناك أمل في النصر فهناك على الحلبة كثير من الثوار ممن لا يعرفون الهزيمة ويملكون اللياقة والتكتيك للفوز، كما أنهم من الأوزان فوق فوق الثقيلة التي تتحمل الضربات، بل ولديهم المناعة منها؛ فقد تلقوا الكثير والكثير طوال السنوات السابقة التي كانت أشبة بتدريب على هذه المباراة الفاصلة. يا ثوار مصر اتحدوا، فأمامكم جولات كثيرة وخصمكم يتألم كما تتألمون بل هو أضعف بكثير مما تظنون.
(465)
ما أشبه اليوم بالبارحة
كان تحقيق النصر في الثمانية عشرة يوماً للثورة المصرية والتي انتهت بسقوط مبارك أشبه بغزوة بدر، التي حقق فيها المسلمون نصراً سريعاً غير متوقعاً على الكفار. راح الثوار بعدها يختالون بقوتهم ونسوا أن النصر إنما هو من عند الله وليس من عند أنفسهم، وظنوا أن ما حققوه يمكنهم تحقيقه مرات ومرات وبنفس السهولة رغم قلة العدد والعدة. انشغل الثوار فقط بما يمكن لهم أن يحصدوه من مناصب وكراسي، فكانت هذه الأيام أشبه بغزوة أحد التي خسر فيها المسلمون أمام الكفار بسبب تركهم لرسول الله وحيداً في الحرب، وتخلّيهم عن مواقعهم وانشغالهم بجمع الغنائم، فما كان من الكفار إلاّ أنْ هجموا عليهم فتحقق لهم النصر.
هل لنا أن نتعلم نحن في مصر من درس هاتين الغزوتين؟ هل لنا أن ننتبه فقد يكون فينا رسول إن تخلينا عنه هلكنا؟ هل لنا أن نتعلم أن النصر إنما هو من عند الله؟ هل لنا أن نصبر ونصابر ونلتزم بفنون وتكتيكات الحرب وعدم ترك المواقع والبقاء في الخنادق حتى تفتح لنا مصر كما فُتحت مكة للرسول؟
(466)
انسحاب البرادعي
انسحاب البرادعي من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية يعد في تصوري ضربة قاسمة لظهر المجلس العسكري وللمتصارعين على كعكة الرئاسة. فبعيداً عن مبررات شعوره بالإحباط أو أنه انسحابه من الترشح قد أحبط مؤيديه، فقد كشف انسحابه مسرحية الكذب والتهريج المنظم التي يلعبها المجلس العسكري وبعض من كومبارس المجلس الذين ترشحوا للعب دور المهرج الرئيس.
أهم ما في قرار البرادعي هو التوقيت الذي من شأنه شحذ الهمم لاستكمال الثورة في 25 يناير القادم ليسقط الثوار حكم العسكر وليصححوا مسار الثورة، على أن يكونوا يقظين هذه المرة فلا تسرق ثورتهم كما سرقها التيار الإسلامي المنافق للعسكر. بالطبع لست مع انسحاب باقي المرشحين المحترمين مثل أبو الفتوح وأيمن نور إن استطاع الترشح، وحمدين صباحي، فوجود هؤلاء لا يقل أهمية عن انسحاب البرادعي، فكلٌ له دور يلعبه في إنجاح الثورة وإحباط مخططات العسكر.
(467)
من غير حزب أفضل
لا أظن أن فكرة إنشاء البرادعي لحزب هي فكرة جيدة على الإطلاق، فذلك سيكون في تصوري أكبر خطأ إستراتيجي يرتكبه البرادعي منذ أن بدأ مسيرته للتغيير في مصر. أعتقد أنه بمجرد تحول البرادعي إلى حزب سيحدث الاختلاف عليه وقد ينضم إليه شخص دون آخر وسيدخل في صراعات حزبية مع باقي الأحزاب. فالبرادعي عليه أن يبقى قائداَ لحركة تسمح لجميع الأطياف من الشعب بما فيهم من ينتمون لحزب أو تيار سياسي أو ديني أن ينضموا إليه. على البرادعي أن يبقى كما هو فقط فكرة وفلسفة تتسع للجميع كما كان الحال مع الجمعية المصرية للتغيير.
18/1/2012
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (102)
واقرأ أيضاً:
الإخوان المسلمون بين الثابت والمتغير / تعري علياء وتستر عبد الماجد وتخنث الثورة / وجوه مصرية في التحرير / حكاوي القهاوي