تعد بنية الأسرة Family Structure إحدى الخواص الأساسية للأسرة، والتي تؤثر بصورة واضحة على أفراد الأسرة بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، ويقصد ببنية الأسرة عدد الآباء في الأسرة، وعلاقتهم بالأبناء، فالأسرة الطبيعية في بنيتها Traditional Family Structure تنقسم إلى نوعين رئيسيين وهما الأسرة النووية Nuclear Family وهي الأسرة التي تتكون من الزوجين وأبنائهما، والأسرة الممتدة Extended Family وهي الأسرة التي يتشارك فيها الزوجان والأبناء مكان الإقامة مع أفراد آخرين من الأسرة؛ كالإقامة في نفس المنزل مع الأجداد أو الأعمام والأخوال.
ونظرا لما يشهده المجتمع من تغيرات سريعة في السنوات الأخيرة؛ مثل حدوث تغيرات اقتصادية ناتجة عن التحول من المجتمع الزراعي للمجتمع الصناعي، والتحول من الأسرة الكبيرة للأسرة الصغيرة، بالإضافة إلى التغيرات النفسية، والاجتماعية في المجتمع والناتجة عن اندماج المرأة في العمل خارج المنزل، وارتفاع معدلات الطلاق، فقد أدى هذا إلى حدوث تغيرات في بنية الأسرة وظهور ما يعرف بالأسر الشاذة في تكوينها Non-traditional Family Structure .
وتشمل الأسر الشاذة في تكوينها الأسر التي تحتوي على أحد الأبوين بمفرده دون الآخر Single-parent Families ، وهي الأسر التي يتولى فيها أحد الأبوين مسئولية تربية الأطفال، ورعايتهم، وتنشئتهم نظرا لغياب الطرف الآخر بسبب حدوث الانفصال سواء بالطلاق أو بالوفاة Lone-parent Families ، كما تشمل أيضا الأسر التي يتولى فيها الأب و زوجة الأب، أو الأم و زوج الأم مسئولية تربية الأطفال Step Families ، والأسر التي يتولى فيها أمر الأطفال أحد الأقرباء، أو المشرفين الاجتماعيين.
وقد لوحظ خلال الـ 35 عاما الأخيرة زيادة نسبة الأسر الشاذة في بنيتها، فعلى سبيل المثال انخفضت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع والديهم من 85% عام 1968 إلى أقل من 70 % في عام 2003، كما ارتفعت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع أحد الأبوين فقط دون الآخر إلى أكثر من الضعف حيث بلغت النسبة أكثر من 28% عام 2003 بعد أن كانت أقل من 12% عام 1968 . لذا فقد بات من الواضح أهمية أن نسلط الضوء على أثر بنية الأسرة على التطور الاجتماعي، والأكاديمي للأطفال في الأسر الشاذة في بنيتها.
وقد عزت العديد من الدراسات الأسباب التي أدت إلى تغير بنية الأسرة في السنوات الأخيرة إلى:
1- خروج المرأة للعمل خارج المنزل: فقد بدأ الدور التقليدي للأم كمربية للأطفال في البيت في الانحسار؛ حيث خرجت السيدات للعمل لتحسين أوضاعهن المادية، من ما قلل من اعتمادهن على الرجال، وأعطاهن فرصة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
2- خروج بعض السيدات للعمل نظرا لغياب الاستقرار في حياتهن الأسرية: وذلك بسبب اضطراب حياتهن الزوجية، أو بسبب كونهن مطلقات، وفي حاجة للإنفاق على أنفسهن، وعلى أبنائهن، من ما أعطاهن مساحة من الاستقرار المادي.
3- الأمان الاجتماعي وغياب التعقيدات القانونية في القوانين الخاصة بالمرأة: حيث أصبحت الإجراءات القانونية المتعلقة بالطلاق أسهل بكثير من ذي قبل، من ما أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق، ناهيك عن ما قد تحصل عليه الزوجات من تعويضات مادية ونفقات من الأزواج بعد الطلاق، من ما جعلهن يشعرن بالأمان الاجتماعي والاستقرار المادي.
4- تغير وجهة نظرة الفتيات فيما يتعلق بمسائل الحب والزواج: حيث تغيرت أولويات الفتيات عن ذي قبل، فلم يعد الزواج وتكوين أسرة في مقدمة أولوياتهن؛ إذ احتل التعليم والرغبة في تحقيق تفوق في مجالهن العلمي والعملي الصدارة، من ما أعطاهن مساحة أكثر من الحرية لتحديد الوقت المناسب الذي يقررن فيه الزواج وتكوين أسرة.
5- الهجرة الداخلية من القرى للمدن (التمدين) Internal Migration and Urbanization: فقد لجأت العديد من الأسر في الريف للهجرة إلى المدينة طلبا للرزق وسعيا وراء تحسين أوضاعها المادية. وفي مثل هذه الأسر غالبا ما يعمل الزوج والزوجة خارج المنزل لفترات طويلة من ما يحرم الأطفال فرصة اكتساب الخبرات من ذويهم والتي كانوا يتمتعون بها قبل الهجرة إلى المدينة نظرا لاختلاف طبيعة الحياة في الريف عن المدينة.
6- تعرض بعض الفتيات لمشكلات أخلاقية: مثل تعرض بعضهن لحوادث اغتصابSexual abuse ، أو اندفاع بعض الفتيات في علاقاتهن العاطفية والتي قد تتطور لإقامة علاقة جنسية غير شرعية قبل الزواج. وفي كلتا الحالتين قد يؤدي الأمر إلى وجود أطفال لوالدين لا يجمع بينهما الزواج، ويحيون مع أحد والديهم دون الآخر.
7- ظهور أنواع أخرى من الزواج غير الزواج الشرعي: مثل الزواج العرفي الذي قد يلجأ إليه بعض الأفراد هروبا من مسئوليات الزواج الشرعي وما قد ينتج عنه من أطفال غالبا ما يكونوا فاقدين لحقوقهم الشرعية فيما بعد، بالإضافة إلى كونهم يفتقدون لتنشئة السوية مع كلا والديهم.
وقد أوضحت الدراسات أنه نظرا لعدم نشأة الأطفال في الأسر الشاذة بين والديهم، وغياب دور أحد الوالدين فإن هذا يؤثر جليا على هؤلاء الأطفال حيث يؤثر على كفاءتهم الاجتماعية، كما يؤثر على حصيلتهم العلمية، فنشأة الطفل في أسرة شاذة في بنيتها يؤثر على كفاءة الطفل الاجتماعية من خلال تأثيرها على صحة الطفل حيث أثبتت الدراسات أن الأطفال الأصحاء هم الذين ينشئون في أسر سوية بين والديهم، كما تؤثر على قدرة الأبوين على الاندماج في النشاطات الخاصة بالطفل، أو المشاركة فيها نظرا لغياب أحد الطرفين وانشغال الطرف الآخر بتأمين متطلبات وضروريات الحياة.
بالإضافة إلى تأثيرها على سلوك الطفل، وتصرفاته، حيث أثبتت الدراسات أن الأطفال في الأسر الشاذة يكونون أكثر عرضة للوقوع في براثن التدخين، أو المخدرات، أو تعاطي المشروبات الكحولية، كما أنهم يكونون أكثر عرضة للوقوع في علاقات جنسية محرمة أو الحمل المبكر في سن المراهقة، كما أنهم يقدمون على عمل أفعال مخالفة للقانون مما يؤدي إلى زيادة احتمالات القبض عليهم، وإيداعهم في الإصلاحيات، والسجون وذلك لغياب دور الأب، وافتقادهم لسلطة الأب في الأسرة، ودوره الفعال في تقويم سلوك الأبناء، وحمايتهم من الانحراف، علاوة على ذلك فإن هؤلاء الأطفال يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية كالقلق، والاكتئاب، ونقص الثقة بالنفس.
أما فيما يتعلق بأثر الأسر الشاذة على الحصيلة العلمية للطفل فهي تؤثر عليها تأثيرا سلبيا من خلال تأثيرها على قدرات الطفل في التكيف مع المدرسة، وأداء الواجبات المدرسية، كما أنها تؤدي إلى انخفاض مستوى تحصيله الدراسي خاصة في مادتي الرياضيات والقراءة، بالإضافة إلى أنها تؤثر على قدرته على إكمال دراسته، والتخرج من المدرسة، حيث تزيد من معدلات الرسوب في المدرسة من ما يؤثر على قدرته على الالتحاق بالجامعة. بالإضافة إلى هذا فقد تبين أيضا أن بنية الأسرة تلعب دورا هاما في تحديد الوقت الذي يقرر فيه الأطفال الزواج عندما يكبرون، حيث أن الأبناء في الأسر الطبيعية يصر آباؤهم على أن يكملوا تعليمهم أولا قبل أن ينخرطوا في أعباء الزواج ومسئولياته.
هذا وقد أكدت العديد من الدراسات أن البنية الشاذة للأسرة لا تؤثر على الأطفال في الأسرة فحسب بل يمتد أثرها للكبار أيضا خاصة الأمهات حيث يتحملن أعباء مادية، ومعنوية أكثر من الأمهات في الأسر العادية مما يؤثر بالسلب على سلوكهن تجاه الأطفال، وعلى قدرتهن على إعطاء أطفالهن ما يحتاجونه من الرعاية.
ويتبع >>>>>: دور الآباء في تطور شخصية الأبناء
واقرأ أيضاً:
مفهوم الأسرة وفلسفتها / أبناؤنا والأسر المعتلة / شخصية الطفل