إنه استهبالٌ إسرائيلي واستخفافٌ صهيوني ما أعلنته لجنةُ التحقيق الإسرائيلية الخاصة في جريمة قتل عائلة السموني في قطاع غزة، خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع نهاية العام 2008، فقد برأت لجنة التحقيق العسكرية الجيش الإسرائيلي من جريمة قتل أكثر من عشرين فلسطينياً من عائلة السموني، جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ممن لاذوا بأنفسهم إلى بيوتٍ ظنوها آمنة، ومساكن اعتقدوا أن الجيش الإسرائيلي سيحترم مدنيتها، وأنه لن يطلق النار على سكانها، خاصةً أنه كان يعلم يقيناً أن من فيها هم من الأطفال والشيوخ والنساء، ممن لا يبدو عليهم شبهة القتال، ولا ملامح المقاومة، وقد رصدهم جنودٌ من الجيش الإسرائيلي وهم يدخلون إلى بيوتهم، ولا يبدو عليهم أنهم يحملون بنادق أو آليات قتال، كما لا يظهر أنهم يتخفون أو يترصدون أو يكمنون.
الجريمة الإسرائيلية في حق عائلة السموني جريمةٌ عادية، لا غرابة فيها، ولا استثناء في وقوعها، ولا تميز في ارتكابها، إنها ككل الجرائم الإسرائيلية في حق أبناء شعبنا الفلسطيني، لا تختلف عن المذابح القديمة ولا عن المجازر الجديدة، ولن تختلف عن جرائمهم الموصوفة في المستقبل، إنها الطبيعة الإسرائيلية، والجبلة اليهودية، والعنصرية الصهيونية، تلك التي جبلت كلها ووضعت في نفس الجندي والمستوطن الإسرائيلي، الذي استمرأ القتل، واستعذب الدم، وهانت عليه أرواح البشر، فلا يميز في جرائمه بين أطفالٍ أبرياء، ونساءٍ ضعيفاتٍ، وشيوخٍ كبار، فالقتل في حياته عادة، وفي تاريخه سلوكٌ موروث، يشعرون بالأسى إن لم يقتلوا، وتصيبهم الكآبة إن لم يضروا، ولا تبش في وجوههم أمهاتهم إن عادوا وليس على أيديهم دمٌ من الأغيار، الذين خلقوا بزعمهم ليكونوا لهم عبيداً يخدمونهم، أو حميراً يركبونهم، فلا قيمة لحياتهم، ولا حزن على موتهم، ولا عقاب لمن بادر بقتلهم، أو ساهم في ذبحهم، فهم الذين قالوا إن العرب كالصراصير والجرذان، يجب وضعهم في قنينة لئلا يضروا شعب الله المختار، ويجب أن يرشوا بالمبيدات ليتخلص شعب إسرائيل منهم، إنهم يتفاخرون بقتلنا فلماذا ينكرون، وإنهم يتباهون باغتيالنا فلماذا يتخفون، وإنهم يتسابقون في قتل أكبر عددٍ منا فلماذا يتنازلون عن نصرهم، ويتخلون عن كسبهم مخافة الرأي العام، وحرصاً على سمعة الجيش وصيته، وحفظاً لأخلاقه ومناقبيته العسكرية الأخلاقية العالية.
ما الذي يميز عائلة السموني عن غيرها من آلاف العائلات الفلسطينية الأخرى، التي قتل منها الإسرائيليون العشرات، وذبح من رجالها ونسائها وأطفالها المئات، فهذه جريمةٌ إسرائيليةٌ متكررة تحدث كل يوم، وقد اكتوى بنارها مواطنون عرب، مصريون ولبنانيون وأردنيون، وإن كان الفلسطينيون هم الأكثر ألماً والأعمق جرحاً، والأغزر دماً، فما زال جرحهم غائراً، وألمهم مستمراً، ومعاناتهم قائمة، وعدوهم يتربص بهم الدوائر، يتآمر عليهم، ويتحالف ضدهم، ويتفنن في قتلهم، ويبتدع الوسائل في السيطرة على أرضهم، وتجريدهم من حقوقهم، وحرمانهم من حلمهم، ومنافستهم على تاريخهم ومقدساتهم.
من قال إن عائلة السموني كانت تنتظر العدالة الإسرائيلية، وكانت تتوقع أن ينصفها المحققون الإسرائيليون، ويعيدوا إليها حقها الذي ضاع، ودم أبنائها الذي سفك، ويبعث الروح في أجساد أحبابها الذين قتلوا، فآل السموني لا يتوقعون من العدو الإسرائيلي أن ينتصر لهم، أو أن يعوض عليهم، وأن يعترف بخطأه في حقهم، أو أن يعاقب جنوده الذين أطلقوا النار على الأبرياء المساكين، أو يحيل ضباطه وقادته الميدانيين إلى محاكم تأديبية، وأن ينزع عنهم رتبهم العسكرية، وأن يقدم باعترافه وإدانة جنوده إلى العالم دليلاً جديداً على أخلاقية جيشه، ومناقبية جنوده العالية.
آل السموني لا يرون فرقاً بينهم وبين أي فلسطيني آخر سبق وقدم روحه من أجل الوطن، وضحى بحياته من أجل الشعب، فهم وكل أبناء فلسطين فدىً لهذا الشعب المعنى المكافح، الذي قدم زهرة شبابه على مذبح الحرية، وما زال يبدي استعداداً وحماسة لأن يقدم المزيد، ويضحي بالأغلى والأعز، حتى يغدو هذا الوطن حراً، ويعود الأهل إليه أسراباً، ويتجمع فيه الأصحاب والأحبة والخلان كطيورٍ عادت من مهاجرها، على أفنان الشجر تقف، وعلى دوحها تغرد.
نحمد الله سبحانه وتعالى أن لجنة التحقيق الإسرائيلية قد خرجت بهذه النتيجة، وأعلنت تبرئة جنود الجيش الإسرائيلي من هذه المذبحة، ولم يكن قرارها إدانة للجنود، وتوبيخ للضباط وتحميل المسؤولية للقادة العسكريين، ليعرف العالم كله حقيقة الإجرام الإسرائيلي، إذ ماذا كنا سنستفيد لو أن الجيش الإسرائيلي اعترف بخطأه مع آل السموني، فهذا يعني أنه لم يرتكب خطأً مع أكثر من ألف وخمسمائة شهيدٍ آخرين في عدوانه الهمجي على قطاع غزة، فالإسرائيليون يساوون بين الفلسطينيين جميعاً، فهم في كرههم لهم سواء، لا يحبون أحداً منهم، ويتمنون الموت لهم جميعاً، ولا يميزون في الموت الذي يوزعونه والقتل الذي يفرقونه بين فلسطيني وآخر، فكلهم لهم هدف، وطردهم أو قتلهم له غاية.
الكيان الإسرائيلي، حكومةً وجيشاً وأجهزةً أمنية ومستوطنين ومتدينين متشددين ويمينيين متطرفين، جميعهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن قتل الشعب الفلسطيني، وطرده من أرضه، وحرمانه من حقوقه، والذي قتل آل السموني هو الذي قتل جيرانهم وأحبابهم، وهو الذي ذبح أهلهم وشعبهم، فالجريمة واحدة والمجرم هو ذاته، ومهما حاول أن يبرئ نفسه من هذه الجرائم فلن يستطيع، ومهما ظن بأن الشعب الفلسطيني سينسى جرائمه فهو موهوم، وأنه سيسكت عن ظلمه ويستكين فهو مخطئ، فالشعب الفلسطيني لا يستكين على الظلم، ولا ينام على الضيم، ولا يخدع باعتراف، ولا يغش بمحاولات تزيين، ولا بمساعي تزيفٍ، فالحقيقة الساطعة أننا أصحاب الأرض وأهل الحق، وأن العدو الإسرائيلي يحاربنا على حقنا، ويحاول استئصالنا من أرضنا، وطردنا من ديارنا، ولكن هيهات له أن ينجح، فهذا شعبٌ أقسم أن يكون باراً بشهدائه، صادقاً مع أجداده، ساعياً بيقين لاستعادة حقوقه، فهنيئاً لكم آل السموني إنكم شهداء، وإن جزاءكم هو الأوفى عند الله، فلا ينقصه اعتراف عدو، ولا يحد منه أسف قاتل.
واقرأ أيضاً:
حروب غزة التي بدأت/ نعم غزة: من الحاجة إلى سماح!/ هنا غزة/ هنا غزة... من يحتاج من؟/ 1.2 إطلاق النار (على المدنيين) من مسافة قريبة/ تقرير منظمة العفو الدولية عن غزة 2009مقدمة