كنت قد أجريت نوعا من استطلاع الآراء بين الناس قبل الانتخابات عن رأيهم في انتخاب أحمد شفيق، واتهمت نفسي وغيري بالتقصير حين بدا أنه يحصل على أصوات أكثر بكثير من كل المتوقع بل وكل المنطقي، فقد كان من الواضح أن الثوار ومؤيديهم فشلوا في الوصول إلى قطاعات عريضة من الشعب كان واجبا أن يصلوا إليها..... وزاد الطين بلة أن صعد نجم مرشح الفلول فعلا، وقلت في نهاية تلك المدونة (أن شفيق تمكن بالفعل من إحداث اختراق للثورة)، ثم اختتمت قائلا: (هذه الجولة ربما كسبها الفلول.... لكنها بإذن الله آخر ما يكسبون فالثورة مستمرة وتبا للفلول أما المجانين فثوار لا تثنيهم عن الثورة عقول!).
إلا أنني اليوم أعترف أنني كنت أعمق اطمئنانا بكثير وقتها، مما أنا عليه الآن أو مما كان يجب أن أكون عليه...... في البداية لم تزعجني التصريحات المستفزة والافتراءات المتتالية على الثورة التي صدرت عن مرشح الفلول أو أحدهم... كنت ما أزال مطمئنا إلى وعي الناس أكثر مما أنا عليه الآن....
إنما المؤسف والمحزن انخداع الناس بأن كأن الاختيار الآن أو الصراع الدائر يتم بين الإخوان والسلطة المدنية (مثلما كان لعقود طويلة) بينما حقيقة الأمر أنه صراع بين الثورة والفلول... وهم يستخدمون فيه "فزاعة" الإخوان نفسها التي كان يستعملها النظام القديم لإرهاب الناس منهم، وما آلمني حقا كان نجاح تلك "الفزاعة" فعلا في تغييب الناس عن وعيهم فتراهم هربا من الإخوان مستعدين للتحالف مع الشيطان... ما أزعجني وألهب الدم في عروقي كان ردود واختيارات وحيثيات اختيار البسطاء وغير البسطاء خاصة من المسيحيين كلهم مغيبون مخدوعون، كلهم غير منتبهين إلى ما يفعلون بالثورة!
حين أتابع ما يحدث في إسرائيل وما يتوالى من تصريحات عن استبشار إسرائيل حكومة وسكانا بصعود نجم أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة المصرية كما نبهنا على مجانين في مقال: (هكذا احتفت إسرائيل بصعود شفيق؟) ومقال (لا تحرقوا أحمد شفيق)...... أشعر بالمرارة الشديدة وأتساءل ألا يفهم الناس هذا أم هم مغيبون؟ أيمكن أيها المصريون أن نكون أضحوكة إلى هذا الحد؟ ألا يعني شيئا تقدم مرشح الثورة على شفيق في جولة الإعادة في كل بلاد العالم التي فيها مصريون ما عدا إسرائيل؟ ألا يحق لنا أن نصف شفيق بأنه مرشح إسرائيل؟ أدعوكم جميعا إلى ملاحظة الصورة المرفقة والتي هي تحويرٌ لصورة كاريكاتيرية كنا نشرناها أيام الثورة في مدونة ساخن من مصر أيام الغضب: أحد الشهيد لتتذكروا موقفنا المخزي من غزة أيام الرئيس المخلوع، وقد وضعنا نتنياهو مكان أولمرت وشفيق مكان مبارك لتتخيلوا كيف سيكون شكلنا في العالم، وكيف أن غزة الصامدة ستبقى غزة الصامدة لكن مصر العزيزة الكريمة لن تبقى كذلك.
كم هو مؤلم ومزعج كذلك ما أسمعه يوميا على ألسنة المرضى ننتخب شفيق! أرحم من الإخوان! وكأنهم جربوا الإخوان من قبل! أقول شفيق سيعيد النظام القديم... شفيق يسانده كل أعضاء الحزب الوطني وأسرهم وربما عائلاتهم لماذا؟ لأنهم بصعود شفيق يستعيدون أمجادهم أو على الأقل مكانتهم في مجتمع الفساد الذي للأسف لم يتغير هو الآخر.... فيرد عليك الواحد منهم ليقول لا لا بعد الثورة الأمر اختلف... وكأن من الممكن أن تكون هناك حرية وقدرة على التعبير عن الرأي بشكل مؤثر مع وجود الفلول في السلطة! وهو أمر حقيقة مستحيل فلن يستقيم حال الفساد في مصر بالذات إلا وأهلها مغيبون أو مقموعون! فمن لا يقبل بأن يغيب يقمع!
إن مساندي الفريق شفيق ليسوا فقط أعضاء الحزب الوطني المنحل وإنما أيضًا أعضاء المؤسسات الأمنية المنحلة أي جهاز أمن الدولة ونفرا كثيرا من رجال الشرطة أي من المتهمين بأنهم افتروا وعذبوا وسفكوا دماء المصريين ظلما وعدوانا... لكن القضاء المصري اضطر إلى الحكم ببراءتهم! من عرضوا عليه ومن لم يعرضوا ببساطة لأنه لا توجد أدلة... ولعل فيما وصفته الكاتبة ريم والي في مدونتها على مجانين (أين أنت يا سيمبا؟) نموذجا على واحدٍ من هؤلاء....،
نفرٌ آخر من مؤيدي شفيق والمتحمسين له هكذا فجأة هم من يعتبرون أنفسهم ضحايا انتخابات مجلس الشعب والشورى التي اكتسحها الإسلاميون بشكل عام هؤلاء هم ولنا أن نتخيل أعداد هؤلاء وأعداد مسانديهم معظمهم من الذين أفقدتهم الهزيمة في الانتخابات رشدهم... لم يحاول نواب البرلمان للأسف الالتفات إلى هؤلاء لأجل إشراكهم في العمل من أجل مصر، فإذا هم الآن يؤيدون الرجوع إلى ما قبل الثورة!
كذلك نجد فيما وصفه الأستاذ فهمي هويدي في مدونته ونشرناه على مجانين: (الفلول تحييكم) نموذجا لمستوى آخر من مؤيدي شفيق من البلطجية وعائلاتهم كبار موظفي الداخلية وعائلاتهم وكثيرون ربما من مؤيدي المجلس العسكري ومن أسر أعضائه وأسر القيادات الكبيرة في الجيش، وربما كثيرين من الأثرياء والتجار وعائلاتهم.
يبدو لي أن سبب ارتباك معظم الناس هو مفاضلتهم بين شخصين (مرسي وشفيق) أو نظامين (سلطة المجلس العسكري مقابل سلطة الإخوان) والحقيقة أنها مفاضلة بين أن نستكمل ما بدأناه على طريق التغيير وأن نعود إلى الوراء بحجة أننا نختار من أجل الاستقرار وكأننا نختار الحل السهل.... فأكثر البسطاء يختارون شفيق لأنه متمرس ومتمكن وهي الصورة التي يشيعها عن نفسه ويشيعها عنه الآخرون....
لكننا فيما يبدو نسينا مبارك وسنواته السوداء نسينا ما كنا وصلنا إليه من احتقار لذواتنا فضلا عن انحطاطنا في نظر العالم.... السؤال الآن هل مصر ستكمل ما بدأته من 25 يناير أم لا؟ اختيار مرشح الفلول يعني باباي 25 يناير.... بلا لعب عيال.... فماذا نحن فاعلون؟
ما الذي أصاب هذا الشعب؟ أو عن أي شيء يعبر هذا الانحياز لدى كثيرين لاختيار مرشح الفلول الذي يتهدد ويتوعد ويتعالى ولا يبالي؟ هل المسألة فعلا هي مجرد "متلازمة ستوكهولم" إذ يتعاطف الضحايا مع جلادهم؟ هل هو فقدان الثقة في الثورة؟ هل هو فقط احتياج الناس إلى الاستقرار؟ أم أننا نستطيع الكلام عن مازوخية المصريين حيث هم يستعذبون الإهانة والذل والقمع والتحقير؟
يبدو أننا في عيون العالم أكبر مما نحن عليه حقيقة كشعب، إذ كان يجب بعد الـ 25 من يناير أن يكون خيارنا واضحا فنكون مع مرشح الثورة وليس مرشح الفلول، مع مرشح مصر وليس مرشح إسرائيل مع مرشح حماس وليس مرشح المخابرات المصرية العميلة لأننا مع رفع الحصار المصري عن غزة وليس استعادة مشروع الجدار الفولاذي تحت الأرض لنقتل أهلنا في غزة...... لا أستطيع حقيقة تخيل ما يمكن أن يحدث لو انتخب الناس أحمد شفيق... لا يمكن ولا يصح ولن يكون أن تجهض ثورة مصر ويعود الدور المصري القذر في المنطقة.... ألا هل بلغنا اللهم فاشهد.....
واقرأ أيضًا:
ثورة أونطه؟!؟ أم الثورة مستمرة... / مرشحو الرئاسة والبيئة / عمر سليمان.. السيناريو الأسود
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله
لا تغيبون عن بالي منذ الجولة الأولى يا أهل مصر!
من المؤكد أن أعصابكم متوترة جدًا.... يا دكتور، الحاكم ممثل عن الشعب، وهذا هو الشعب الذي عندكم...
ناس يخافون من تطبيق الإسلام، وهذا أغلب تعليل خوفهم من الأخوان...، ويا ليتهم قالوا إننا نريد الإسلام، لكن لا نريد الأخوان...، لكن قالوا: هم يخشون فرض الحجاب، ويخشون تدهور الاقتصاد والسياحة (بسبب الرقابة الإسلامية)...الخ... وما أخطر هذا الكلام!!
بالمختصر: هم يريدون رئيسًا يتركهم يعصون الله كيف شاؤوا، ويتركهم بلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، وبعبارة أخرى: يتركهم بلا إصلاح!!!
الحرية: أن تفعل ما تشاء دون "لماذا؟"
والديموقراطية: أن تختار من يعبر عن فكرك هذا، ليدير شؤونك...، ولا أنسب ممن كانوا، وما زالوا يسعون للبقاء....، ألم يكونوا يفعلون بمصر وشعبها ما شاؤوا دون أن يقول أحد لهم: "لماذا؟"
الخليفة الراشد الخامس: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه -الذي نتمنى دائمًا أن يحكمنا- قتله أهله المقربون!! لماذا؟ لأنه أراد أن يحكمهم بالعدل ويعاملهم كسائر الناس....، لكن هذا لم يرق لنفوسهم الخبيثة!!
من سورية لكن القلب مع مصر