أغلقت الهاتف للتو بعد مكالمة قصيرة مع ابنة مريض سوري أتابع حالته السيدة الفاضلة سألتني: كيف نتوصل إلى إرسال حلوى جلبتها والدتها من دمشق مؤخرا؟!
شكرتها على اللطف، وقلت لها تسعدني المجاملة، وستقلب المواجع!!!
يا رب متى يلتئم الجرح السوري في قلبي المثخن بالجراح؟!!
أول ندبة كانت مبكرة وأنا بعمر الرابعة عشر حين عدت من أجازتي في القاهرة إلى مدرستي الثانوية في الرياض مفتقدا صديقي الشامي الذي لم أجده يداوم في المدرسة، وبعد أسئلة وتقصي عرفت أنه قد قتل ضمن حملة على إخوان سورية في صدام نهايات السبعينات من القرن الماضي، وانتهت بمذبحة حماة عام 1982!! تلك المذبحة التي جمعت عنها كتبا وصورا، وتواصلت عبر معرض القاهرة الدولي للكتاب حينذاك مع بعض اللجان الحقوقية المهتمة بالانتهاكات في سورية لأعرف من وقتها بعض بشاعات نظام الإجرام البعثي بقيادة الهالك حافظ، وليتسع الجرح بشكل متدرج ومتزايد ثم يتعافى بعض الشيء حين صدقت توقعاتي بالإفراج عن زوج مريضة شامية بعد سجن طال، وقصة درامية مؤلمة استمرت لربع قرن، ويزيد!!!
حين أراد الله نزلت على الشام التي طالما حلمت بها، وأحببت أهلها، تأخر نزولي على الشام تجنبا للاحتكاك بنظام غبي متسلط وضع سورية كلها في زنزانة خارج التاريخ، وقمع كل محاولات الرفض والمقاومة بضراوة من يأمن المحاسبة، وبتواطؤ عربي ودولي استثمرته العصابات التي تحكم البلاد!!! زيادات قليلة وقصيرة كانت كافية لإشعال نار الغرام تجاه الوطن السوري، وأهلنا هناك!!!
هناك تشعر أنك في قاهرة السبعينات أو الثمانينات، ونأكل أشهى اللحم، وأطيب الفاكهة، وحلو الشام.
زيارتي الأولى للشام كانت برا من بيروت، ولم يكن للمصريين تأشيرة دخول إلى سورية حينذاك، وفي سيارة الأجرة التي ركبناها سألنا السائق عن غرض الزيارة مضيفا بلهجة الخبير: هذا البلد تأكل فيه أطيب الطعام، وتجد فيه أطيب النساء، وصدق!!
سمعة المرأة السورية عند المصريين، وحكايات المصريات عن زميلاتهن السوريات في الخليج وغيره... أشهر من أن تذكر. زياراتي القليلة والقصيرة لدمشق تضمنت طباعة كتابي الوحيد في دار عزيزة ومتميزة، وكانت تلك الزيارات كافية لإيقافها – فيما بعد- حين عرفت أن شبابا حضروا مؤتمرا عاديا ومعلنا – والتقيتهم هناك – تم توقيفهم بتهمة تنظيم حملة لنظافة الشوارع والأخلاقَ!!
واليوم يشغلني هم المصريين، وما يجري في مصر عما يحصل في سورية، بل ربما أتجنب حتى متابعة الأخبار... أخشى على جراح قلبي أن تتجدد!!! أخشى أن أسأل عن أحوال أعزائي هناك، أعتقد أنني لن أحتمل غياب أحدهم!!!
أشعر الآن بسكينة تملأ قلبي، ويقين يبرد فؤادي أن الله ناصرهم، وأننا كمصريين سندخل سورية إن شاء الله آمنين لا نخشى شيئا، وأن الدم المراق هو ثمن مستقبل باهر سنتشارك في بنائه كتفا بكتف مع أهلنا هناك!!!
هل ألتمس العذر للشباب المصري المنشغل عن سورية؟!!
هل يكفي جهد الزميل الجميل الذي صار يتردد على مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود مع تركيا معالجا وداعما ومتفاعلا؟!!
هل سيتسع ما تبقى من العمر لأرى سورية كما أحب وأحلم؟!!
هل يمهلني القدر لأجمع أجزاء قلبي المتناثرة قطعة في الشام، وقطعة في العراق، وقطعة في الجزائر، وقطعة في فلسطين؟
واقرأ أيضاً:
على باب الله: نحو الأمل: تأملات مسافر/ على باب الله: على الربابة بغني