المفردة اللغوية التي نسمعها وننطقها ونكتبها، هي ليست مجرد "كلمة"، لأنها ذات طاقة عاطفية ومعنى وآليات سلوكية، فهي رمز المحتوى وقوة الفعل. ولكل كلمة مخزون وقدرة وتأثير قد تشترك به أو تتفرد، ونوع الكلمة يحدد اتجاهات الاستجابة الفردية والجماعية للمنبهات المحيطية.
ومن الملاحظات المتكررة شيوع المفردات القاسية في خطاباتنا وكتاباتنا، وقلة المفردات الحميمة المحببة الغنية بالأمل والفرح والبهجة والألفة والتفاؤل.
كما أن السائد من المفردات يكون بصيغة الماضي، وهذا يدفع إلى توليد طاقة انحدار وتداعي ورجوع إلى الوراء وتورط في وحل السوالف والغاديات. وينجم عنه سلوك إحباطي وتعجيز للذات وتفريغها من قدرات العزم والتوثب والجد والاجتهاد، ويؤسس لحالة من الخمود الحضاري المرير.
وصيغة الماضي بقيادة "كان" لعبت دورها السلبي في هندسة آليات التفاعل الاجتماعي في المجتمع العربي.
والملاحظة الأخرى الجديرة بالنظر، هو الإمعان في تداول مفردات الأسى والإحباط وكل ما يشير إلى التفكير السلبي والمشاعر السلبية.
وهذا بدوره حقق عجزا كبيرا وتدميرا خطيرا لقدرات الذات وحرمها من التفاعل مع عصرها.
مما يؤكد على أننا قد استعملنا اللغة العربية كعائق حضاري، واستثمرنا في جعلها مصدرا للخسران والحرمان، وإثارة الذاكرة الحزينة المؤلمة والعناصر المساعدة على الضجر والمقت. وهذا بدوره دفع إلى النفور من اللغة لأنها لا تجلب إلا ما يعزز ذلك.
ولكي تتحول اللغة إلى وسيلة حضارية نافعة وفاعلة، عليها أن تكون متدفقة بالمفردات التي تحمينا وتطلق ما فينا من طاقات إيجابية حية.
فواقعنا الثقافي على مدى القرن العشرين وحتى الآن، يشير إلى أننا لا نستخدم كثيرا صيغة الفعل المضارع التي تدل على الحاضر والمستقبل وإنما تقيدنا بمفردات الماضي، مما يؤكد انقطاعنا عن الحاضر والمستقبل.
ولأول مرة في تاريخنا المعاصر، صرخ الشعب ودوت صيحته "الشعب يريد"، فتركزت طاقة الجماهير على الفعل المضارع أي على الحاضر والمستقبل. وهذا يعني أن اليقظة التي تعم أرجاء البلاد العربية إنما هي يقظة لغوية أيضا. لأن الأمم تنهض بكاملها وبكل ما فيها وما يشير إليها، ولكي نعيد الحيوية والسطوع للغة العربية، علينا أن ننتقي المفردات ذات الطاقات الإيجابية، حتى نطلق السلوك الطيب الصالح، ونبني النفوس القويمة المستبشرة بالأمل والثقة بالغد السعيد الأفضل.
فالكلمة الطيبة صدقة لأنها من المفترض أن تحقق تأثيرا إيجابيا وليس سلبيا.
واقرأ أيضاً:
كتاتونك شيزوفرينيا