لكي تحقق الثورة دورها وتأثيرها الإيجابي في الحياة، لا بد لها أن تكون ملتزمة برؤية حضارية ذات آفاق مستقبلية وتفاعلات يومية، تمضي في مسيرتها نحو الوصول إلى إنجاز مشروعها الحضاري الذي ثارت طاقات الأجيال للإسهام بتحقيقه ونمائه.
ولا يمكن للثورة أن تكون معبّرة عن تطلعات الأجيال وآمالها، إذااإفتقدت عناصر ومكونات الرؤية الحية الواضحة اللازمة لتطورها وتقدمها وإرتقائها نحو آفاق الصيرورة الصائبة.
وخلال مسيرات القرن العشرين تعلم العرب، أن الثورة الفاقدة لرؤيتها لا تكون إلا نوعا من الهيجان الصاخب والإضطراب اللاهب والتفاعل الزوبعي (من الزوبعة) المدمر مع المواقف والتطورات والأحداث، وينتهي بها الأمر إلى أن تكون رهينة للفردية والتحزبية والفئوية.
ولكي تكون الثورات العربية ناجحة وموفقة ، يلزمها التمسك برؤية حضارية معاصرة، والتي من أهم عناصرها التربية والتعليم والثقافة وحرية الصحافة والاقتصاد.
والثورة التي لا تهتم بالعقل وتنمية القدرات المعرفية للإنسان لا يجوز تسميتها بالثورة ، فجوهر الثورة هو التنمية الثقافية والمعرفية اللازمة لتوفير المهارات والقدرات ، الكفيلة بإطلاق الطاقات وإستثمارها في البناء الوطني.
ولهذا فأن التعليم يكون من أهم مرتكزات الثورة التي تريد النجاح والنماء الظافر.
أما حرية الصحافة، فأنها الرقيب والعين الساهرة الواعية الحارسة المتأهبة للإشارة إلى أي خلل أو انحراف في مسيرة الثورة وسلوكها. ولا بد من هذه الحرية الصحفية المصانة دستوريا لكي يتمكن الشعب من تقييم وتهذيب نظام حكمه وإدارة مسيرة ثورته بعدل ونزاهة، والوصول بها إلى حيث يجب أن تكون الرحلة الحضارية المعبّرة عن قدرات الناس المشاركين فيها.
ويأتي العامل الاقتصادي في مقدمة عناصر الرؤية الثورية، لأنه العمود الفقري للوجود الثوري القوي الفعال في الحياة الإنسانية، وبدون التطور الاقتصادي تبقى الثورات عاجزة عن الوصول إلى طموحاتها وتلبية حاجات الإنسان الذي أسهم فيها.
ويبدو أن من أولويات الثورات العربية تحقيق التقدم والرفاه الاقتصادي، لكي يطمئن الإنسان لحاضره ومستقبله.
أما إذا تكررت سلوكيات الدوران حول اسطوانة الشعارات والخطابات الحماسية والهتافات، بعيدا عن البيانات العملية والخطط الخمسية الناضجة المتنامية، لرفع المستوى المعاشي وتحقيق الرفاه الاقتصادي والمعيشي للإنسان وتلبية جميع حاجاته الأساسية، فأن الثورات ستتحول إلى كارثة ومأزق ومأساة.
فهل ستدرك القيادات التي أوجدتها الثورات، أهمية الثقافة والعلم والحرية الصحفية والاقتصاد في مسيرة وجودها وبقائها وفقا لبيئتها وحركتها التاريخية، أم أنها ستغرق في الكراسي وتكون ضحية للسلطة وأدواتها وآلاتها الصاعقة؟!
ثار شعبٌ واستجابتْ أمّةٌ
وتنامتْ في رباها ثورةٌ
إنْ أصابَتْ واستعادتْ دورها
سَوفَ تحدوها لمَجدٍ، رؤيةٌ
2\7\2012
اقرأ أيضا:
ديناميكية انهيار الطغاة..! / نظـرة في الطغيـان / الثورات العربية بين التعدد والوفاق / عقل الثورات العربية المفقود...!