مؤخرا ... ورشة العمل التى حضرتها ذكرتني بما بدٲت التعرف عليه عن عالم كنت أجهله، ولكن بدءا من 1994، وتحديدا من وقت انعقاد قمة الأمم المتحدة للسكان والتنمية ـ القاهرةـ سبتمبر 1994، أتيحت لي الفرصة أن أشاهد بنفسي خبرات كثيرة حول العالم تنبه أصحابها إلى الإفساد في اﻷرض، وتبديد وهدر ٳمكاناتها بما يهد حاضرها، ومستقبل أولادنا!!!
بعد ذلك بسنوات كان طبيعيا أن أصف نفسي لإعلامي وناشط بريطاني في كلمات ونعوت منها أنني ناشط بيئي راديكالي، ومن أنصار العولمة العادلة، حيث أعتبر نفسي جزءا من هذه الحركات العالمية التي تابعت مولدها، وكتبت عنها منذ النصف الثاني من التسعينات، وأسست مع أصدقاء آخرين مجموعة أسميناها ـ الجنوب ـ تتويجا ومواصلة للاهتمام بهذه الملفات، ثم تابعتا تغطية هذه القضابا ـ ما وسعنا الجهد ـ حين أتيحت لنا فرصة أن يكون لنا منبر هو موقع وشبكة إسلام اونلاين!!
سمعت عن قمة الأرض ـ ريو 1992- قبل أن أزور تلك المدينة الرائعة أواخر عام 1995 وسعدت أن شارك أحد الأصدقاء باسم مجموعة الجنوب في قمة المناخ ـ برلين 1995- وتابعت اجتماعات كيوتو ـ اليابان، وما زلت أرى في حركة الاهتمام بالقضايا المناخية والبيئية أفقا مهما، ومنطلقا قويا لتغييرات ثقافية واجتماعية جذرية طالما حلمت بها، ودعوت إليها، وما زلت أطمع أن تتعمق فيها روح ثوره 25 يناير لتصل إلى جذور التفكير والممارسات والرؤى والعادات والتصورات والمواقف من الحياة، والكون، والانسان، ﻷن في الجذور تكمن المشكلات، وهناك يمكن إطلاق الحلول أيضا ....!!!
ذكرتني الورشة بأن قضايا البيئة –وهي طيف واسع من العناوين، وحقول البحث، وساحات النقاش والتدافع –توفر لنا فرصة عظيمة لمعرفة ما حصل ويحصل في تبادل، وإنتاج وتوزيع الأشياء والسلع والأفكار، كما توفر فرصة هائلة للحركة من أجل خير الإنسان، والإنسانية، وعمران الأرض.... الذي هو هدف من أهداف خلق الله لبني آدم !!! وحركات الدفاع عن البيئة هي حركات محلية، عالمية، ورسالتها موجهة لكل إنسان لأنه عبر طريقة العيش التي يختارها سيكون مشاركا بنصيب في التعمير أو التخريب لأرضه وحياته، بل وحياة الآخرين من حوله !!!
والاهتمام بهذه القضايا بيدو طبيعا – إذا صادف الإحسان في تسويقه – لكل إنسان يعيش ويتنفس الهواء، ويشرب، ويستخدم الماء، ويزرع الأرض، ويستهلك المواد الضارة ﺃو الصديقة للبيئة !!!
أفكار واضحة ومحددة، وأرقام مفزعة، ومحفزة، وأنشطة متنوعة وجذابة للناس من كل الأعمار، والأقطار، ومرافعة رابحة تحتاج إلى مدافعين يجيدون عرض معلوماتهم وتسويق بضاعتهم لاجتذاب الأنصار والمتطوعين للعمل فورا في مساحات خاوية من أي رقابة أو إشراف من أصحاب الشأن ... ملفات مثل سلامة الغذاء، وتوافر الدواء، وعافية التربة، وصحة الماشية، والأسماك، وجودة ونوعية الحياة كلها ... أي نفس النواحي التي أدت إلى الإهمال والفساد والإفساد فيها إلى أن تقفز مصر لتكون في قاع الأمم من حيث الإصابة بالأمراض الخبيثة، والتلوث بأنواعه !!!
يمكن فورا عرض هذه الحقائق المفزعة، والإحصاءات الكارثية على المستوى المحلي، والأبعاد العالمية ليكتشف السامعون أن الهموم واحدة، وكذلك العصابات ... حول العالم، وأن الحلول كثيرة، وأن أنصار الحياة الصحية الطبية، هم بالملايين هنا وهناك، وحان الوقت أن يتواصلوا ويتفاعلوا أكثر !!!
وإنها ساعة الصفر لتحرز مصر قصب السبق في وسط المحيط الربيعي، ولتصبح مصر رأس الحرية، وقاطرة الانطلاق إلى مستقبل أكثر عدلا وحرية وكرامة إنسانية، ولن يكون كذلك إلا بسياسات خضراء تتحرك وتضغط ﻹقرارها، ونشرها .... حركة خضراء بطول البلاد وعرضها !!!
فورا يمكننا الاستفادة من لحظة زخم وطاقة هائلة منبعثة مع ثورة عظمى يبحث أنصارها عن خارطة طريق بأفعال محددة، وأهداف واضحة، وبرامج متنوعة لاستكمال وتجذير التغيير الذي يسعون إليه !!! وأفكار، ومبادئ، ومفاهيم، وممارسات حركات البيئة توفر هذا
لقد كان طبيعا ومفهوما أن تتحول حركات الدفاع عن البيئة التي نشأت في أوروبا ستينات وسبعينات القرن الماضي إلى حركات تغيير شامل بعد أن اكتشف القائمون عليها أن نمط الزراعة لا ينفصل عن توزيع الثروة، وسياسات وأولويات التشغيل، والسياحة، وأسلوب الحكم، والعلاقة بين السلطة والناس، وربما يكون طبيعيا الآن أن تتجه طاقة الثورة المصرية إلى نفس المسار التغيير لسياسات وعقول وأساليب وأهداف خضراء تستفيد من تراكم خبرة عقود في هذا المجال من النشاط المجتمعي، وهذه الخبرات جاهزة ومتطلعة لدعمنا محليا، وفورا .... وهو تعاون محمود بين الداخل والخارج !!!
يظل التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الطموحات في كيفية تحويل الأفكار والحركات الخضراء إلى تيارات شعبوية، وليس فقط بؤرٍ نخبوية تضم أفرادا نالوا حظا من التعليم العالي، واللغات الأجنبية لأن التحدي والقضية تخص الجميع، والأفقر يتضرر أكثر، كما هو معروف !!!
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف ربما نحتاج إلى حزمة من التدابير في صياغات الخطاب، والتركيز أكثر على الشائع، والأرقام، والأوضاع المحلية، وكذلك استخدام نقول واستشهادات من ثراء نبع الثقافة المحلية العربية، ويلعب الدين دورا مهما في شكيلها، وأحسب أننا سنجد الكثير من النصوص المحفزة والمهتمة التي تحض على الاهتمام بالبيئة ورعايتها، وعمران الأرض، والخفاظ على التوازن في إدارة مواردها مقابل سياسات الاستهلاك الأحمق التي تغلب على العالم محليا ودوليا !!!
هذا التطوير في الخطاب من شأنه ضم عناصر جديدة، والانتشار وسط طبقات نحتاجها وتحتاجنا في بناء أكبر جماعة ضغط شعبية يمكن أن تؤثر فورا في صياغة مصر القادمة !!! مطلوب خطاب جديد، ودوائر جديدة للحركة إذن !!
فليكن هذا هو صيف الاستعداد والتجهيز، وبالتالي فورا مع بدء العام الدارسي القادم سنكون في كل مدرسة وجامعة نتحاور مع الطلاب والشباب والفتيات، وتصل رسالتنا إلى كل بيت وعقل ومؤسسة وحي ومدينة وقرية إنها ساعة الصفر التي كنا ننتظرها، ونتطلع إليها، وينبغي أن نتحرك بسرعة لأن من يسبق الآن ليس كمن يلحق !!!
بدون أية مبالغات ... أقول لكم أنه فورا والآن يمكن أن نبني أكبر حركة مجتمعية جذرية في أطروحاتها لتكون أكبر دعامة للمستفبل الأخضر الذي يمكن أن تتحرك مصر إليه!!! الموارد كثيرة، وزخم الرغبة في التغيير هائل، ويبقى فقط أن نربط القاطرة في العربات، وننطلق فورا.
التعليق: أوحشتنا كتاباتك على هذا الموقع د. أحمد
وحقيقة أحييك على هذا الطرح والاقتراح الذي نتمنى أن يلقى قبولا من الناس.