بات المشهد الفلسطيني المأزوم يتدحرج شيئا فشيئا نحو ولادات مشوهة تنذر بكارثة وطنية خطيرة سيدفع الجميع ثمنها إن لم تحدث معجزة ما، توقف حالة الانهيار المحتوم الذي ساهم به الأداء السيئ للقائمين على الأمور عن سابق إصرار أو جهل لما تخطط له الدوائر المتنفذه في العالم وعلى رأسها الإدارة الأمريكية المنحازة كليا لمخططات الاحتلال، إن هذه التداعيات ترتبط ارتباطا وثيقا بما يجري الآن على الساحة الفلسطينية بدأت بحراك مجموعة شبابية ضد زيارة الجنرال موفاز لمقر الرئاسة الفلسطينية وهو أمر ضروري ينبغي تقديره ليس فقط احتراما للقوانين المرعية التي نصت على حرية التعبير باعتباره حقا مكفولا، ولكن لأن زيارة نائب رئيس حكومة الاحتلال الذي يسعى إلى تسويق نفسه بعد فوزه برئاسة حزب كاديما لا تحمل أي جديد بعد التصريحات التي أطلقها عن القدس العاصمة الموحدة لكيانه الدخيل، كما اعتبر حق العودة ضربا من الخيال، بالإضافة إلى الترتيبات الأخرى المتعلقة بالكتل الاستيطانية والترتيبات الأمنية، ثم رمى جزرة القبول بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، التي استحسنها البعض لسماع ما عنده، بالرغم من القرارات السابقة التي تمنع التفاوض دون وقف الاستيطان وتحديد المرجعيات، هنالك من قال أنها ليست مفاوضات بل حوار، الأمر الآخر الأكثر أهمية يتعلق بشخص جنرال الحرب موفاز نفسه المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال بكونه كان يشغل منصب رئيس الأركان أثناء اقتحام جنين واجتياح مقر الرئيس أبو عمار الذي أدى إلى استشهاده جراء عملية تسميم جبانة بمادة البولونيوم ربما تكشف الأيام القادمة عن تفاصيلها، كما تؤكد المختبرات السويسرية من خلال تحقيق قامت به قناة الجزيرة الفضائية بعد ثماني سنوات من رحيله، بالتالي كان من الطبيعي بل يفرض الواجب التصدي لهذه الزيارة بأي شكل كان إذ لا يمكن أن يكون مطلوبا القبض عليه في العديد من دول العالم بينما نحن أصحاب القضية نستقبله في المكان الذي ارتكب فيه المجرم جريمته، الأمر الذي يستفز مشاعر شعبنا أينما كان، بالمحصلة منع الزيارة نتيجة الرفض الشعبي تشكل ورقة هامة في مواجهة الضغوط الدولية التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية، ما يثير الاستغراب هو الكيفية التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين حيث تم التصدي لهم باستخدام القوة، ويبدو أن هناك قلة استطاعت جر رجال الأمن لهذا المربع المرفوض وطنيا، وعلى كل حال حسنا فعلت القيادة الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق لبيان حقيقة ما جرى وإعلان نتائجها على الشعب الفلسطيني بعد أن ألغيت الزيارة المشؤومة، وفي اليوم التالي سيّرت مظاهرة أخرى تندد بما حصل أما الثالثة فكان لها أهدافا أخرى تطالب بإلغاء اتفاق أوسلو ووقف المفاوضات، لكنها سارت بسلام بعد أن أدت غرضها أمام مقر الرئاسة والحقيقة فإن فصائل العمل الوطني كانت بعيدة إلى حد ما عن هذا التحرك، ما عدا بيانات الشجب والاستنكار والإدانة لما حصل جراء قمع المظاهرات، الأمر الملفت للنظر تحريك مظاهرة من قبل حركة حماس شارك بها أعضاء المجلس التشريعي عن الحركة وأهالي المعتقلين عند السلطة تطالب بالإفراج الفوري عن أفراد حماس ولا نعلم حتى اللحظة الراهنة ماهيّة التحرك القادم لكن كل المؤشرات تدل على تصاعد وتائر الأزمة إلى الذروة في الوضع الفلسطيني، يترافق ذلك مع إعلان حركة حماس عن تعليق عمل لجنة الانتخابات المركزية بعبارة أخرى عودة الأمور إلى المربع الأول والتنصل من اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بحضور كافة فصائل العمل الوطني وكذلك إعلان الدوحة الذي وضع خارطة تنفيذية للاتفاق نحو تشكيل حكومة موحدة ، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني خلال سقف زمني محدد.
ليس بعيدا عن قتامة المشهد حيث تماهى مع إعلان قناة الجزيرة حول اكتشاف المادة السامة البولونيوم المشع التي وجدت بمقتنيات الرئيس أبو عمار بعد ثماني سنوات على رحيله، إذ تقتضي الحكمة أن يكون ذلك الإنجاز عملا مقّدرا وغاية في الأهمية لإدانة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني واستهداف رمز الوطنية الفلسطينية، إن كانت النوايا صادقة لا يشوبها أي أغراض توظيفية أخرى غير السبق الإعلامي المهني وكشف الحقيقة أمام الرأي العام، لما يمثله الرئيس الراحل من مكانة في وجدان الشعب الفلسطيني بكونه ظاهرة لن تتكرر قاد خلالها مسيرة الكفاح الوطني ما يقارب أربعة عقود باقتدار ندر مثيله.
|
ثمة ما يدعو إلى الحيرة تجاه ردود الأفعال الفصائلية التي كان لها موقف يصل إلى حد العداء مع الرئيس الراحل خلال حياته وبعد مماته آخرها بالأمس القريب حينما وصف أحد قادة حماس الرئيس الفلسطيني الحالي بأنه "سيئة من سيئات عرفات" ثم انقلبت الحالة التنظيمية فجأة مع ميول الريح حيث مالت وأضحت حريصة كل الحرص على تشكيل لجنة تحقيق دولية وعربية مترافقة مع فتوى أصدرها الشيخ القرضاوي المثير للجدل تجيز إخراج الجثمان من أجل فحصها، مع أن هذا المطلب مصلحة وطنية فلسطينية بالدرجة الأولى دعت إليه القيادة الفلسطينية فور الإعلان عن نتائج ما توصل إليه الخبراء السويسريون الأمر الذي يؤشر إلى ما وراء الأكمة نتمنى أن تكون محصورة في إطار تحسين صورة الجزيرة بعد ما أشابها من علامات استفهام إزاء المتغيرات الحاصلة في المنطقة، لا بهدف إغراق الساحة الفلسطينية المأزومة المزيد من الإرباك نحو الفوضى والفلتان الذي عبر عنه آخرون بقولهم "إن الربيع الفلسطيني يقترب من السلطة" بالإضافة إلى الأصوات المعروفة بعدائها للمنظمة المحسوبة على الإخوان المسلمين التي تحمل السلطة مسؤولية اغتيال الرئيس الراحل أبو عمار.
هكذا نستطيع أن نلامس بجلاء المحاولات العديدة لأحكام الطوق حول التوجه الفلسطيني الساعي إلى إنجازات تراكمية على أكثر من صعيد خاصة التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة للحصول على مقعد مراقب بعد أن أفشلت الإدارة الأمريكية المساعي الفلسطينية لنيل فلسطين دولة كاملة العضوية إضافة إلى معارضتها السافرة بالانضمام إلى المنظمات الدولية المتفرعة عن الأمم المتحدة، كما تمارس نفوذها على دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية لجعل الحالة الفلسطينية رهينة المساعدات المالية بما يجعل الإنسان الفلسطيني لا يرى أبعد من حصوله على الراتب وإغراقه بمتطلبات الحياة، الأمر الذي يدعو إلى الاستعجال بعقد مؤتمر وطني حقيقي دعت إليه القيادة الفلسطينية في اجتماعها الأخير للإجابة عن الأسئلة التي لم يستطع أحد الاقتراب منها تتجاوز السقف السياسي الراهن، خاصة ما يتعلق منها بانسداد الأفق السياسي لعملية التسوية العقيمة، بالإضافة إلى فشل عملية المصالحة التي مضى عليها خمس سنوات لم تثمر عن شيء بالتالي لابد من إعادة النظر بالطريقة التي سادت حتى الآن ولم تحصد سوى المزيد من التعطيل والمناورات المؤدية إلى الإحباط الشعبي العام، كما ينبغي البحث بعمق عن أسباب تجاهل الدعوات إلى تصعيد المقاومة الشعبية التي لم تلقي آذانا صاغية بما في ذلك فصائل العمل الوطني باستثناء بعض البؤر لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة المشاركين بها متضامنين أجانب وأبناء القرى المتضررة من جدار الفصل العنصري.
إن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني يتطلب خطوات متقدمة تتجاوز السياسات التقليدية الاستجدائية، نحو استنهاض عوامل القوة الكامنة لدى شعبنا حيثما تواجد من خلال بناء إستراتيجية وطنية ذات سقوف مرتفعة تضمن حقوق شعبنا الوطنية والتاريخية، دون إسقاط أي من عوامل الكفاح الوطني المكفولة للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال الاستعماري، حتى لو دام الصراع أمدا طويلا، تتعاقبه الأجيال جيلا بعد جيل ...
واقرأ أيضاً:
حكايات من غزة/ الطريق إلى غزة / حروب غزة التي بدأت/ نعم غزة: من الحاجة إلى سماح! / هنا غزة / هنا غزة... من يحتاج من؟ / هنا القدس...! / ذكرى النكبة: النكبة نكبات تتجدد يوميا / إسرائيل تبرئ نفسها