لم يكن ناجي علوش مثقفا فلسطينيا وعربيا، ينتمي للنخب الفكرية والسياسية في بلاد تعج بأصحاب فكر ووجهات نظر، من سياسيين ومثقفين وأشباههم ومدعيهم، بل كان مثقفاً وطنياً ومفكراً سياسياً بامتياز ينتمي لعموم الناس، الذين كانوا على الدوام العنوان الحاضر في مشواره الإبداعي في الكتابة السياسية والفكرية، وفي التنظّير لمشروع حمله على أكتافه منطلقاً من بيئة وطنية وقومية عاش بها منذ صباه، انطلاقاً من المدرسة القومية التي ترعرع فيها، انتقالاً لحركة فتح.
ناجي علوش مثقف الناس، ولم يكن مثقف السلطة أو السلطان، فدفع أثمان انحيازاته للشارع والناس، باستمرار وفي أكثر من محطة من محطات عمره وحياته السياسية والفكرية، التي كانت مليئة وغنية بالتجارب، وبالإحباطات والانتكاسات، وقد تعرض خلالها لمحن كثيرة كان منها محاولة أو محاولتين للتصفية والاغتيال نهاية سبعينيات القرن الماضي.
كان على الدوام، حالة استقطابية للمثقفين الفلسطينيين والعرب في بيروت وغير بيروت. كما كان حالة استقطابية لكل صاحب فكر أو رأي حتى وإن كانت التباينات كبيرة بينه وبين أي منهم. هذا هو دوره المشهود عندما تولى الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في وقت كانت فيه حركة المقاومة الفلسطينية في أوج تألقها وصعودها ... وسطوتها وقوتها سبعينيات القرن الماضي.
تختلف معه، وميدان الاختلاف قد يكون رحباً وواسعاً، لكن ثقافة الاختلاف كانت عنده ممتعة وليست كارثية، فلديه متعة الاستماع، ومتعة النقاش، ومتعة الحوار، وفضيلة الاستماع المفقود في عالم يضج بالصوت الواحد ويرفض الرأي الآخر.
كان ناجي علوش، سياسياً، ومفكراً، كما كان قائداً ميدانياً في صفوف حركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة منذ بواكير انطلاقتها المسلحة فجر الفاتح من كانون الثاني/يناير 1965، حين انضوى في صفوف حركة فتح، والتي لعب فيها دوراً هاماً في إيقاظ وإشعال البعد القومي في الصراع مع "إسرائيل"، باعتباره صراع وجود وليس صراع حدود أو تسويات هنا وهناك.
اتخذ موقفاً قد يصفه البعض بأنه موقف "محافظ" وفق المصطلحات الراهنة إبان حدوث التحولات السياسية الفلسطينية المشهودة في الساحة الفلسطينية منذ عام 1974، لكن حتى وإن اختلفت معه تحترم وجهة نظره، كما تحترم تقديراته وحيثياته، فلكل صاحب رأي سديد أو نصف سديد أو ربع سديد أو صاحب اجتهاد موقعاً من التبجيل يجب أن يحفظ وأن يصان.
ناجي علوش، هذه القامة الوطنية الفلسطينية والعربية، عاشت تشدو بلحن فلسطين، وتدعو باستمرار للربط بين الوطني والقومي في الصراع مع المشروع الصهيوني في عموم المنطقة.
إنه ناجي علوش، المثقف الفلسطيني، ابن البيئة الوطنية والقومية، الذي خسرناه بعد أن ترجل راحلاً عن دنيا الوجود، تاركاً بصماته الطيبة التي يشهد عليها الجميع، كمناضل فلسطيني، وكمثقف ومفكر عربي أصيل، إلتصق دوماً يقضية شعبه، وآمن بها حتى نخاع العظم.
واقرأ أيضًا:
السلطة والمثقف… هل سيلتقي الجبلان؟/ المثقفـون ليسـوا أكثـر النـاس اكتئابـاً/ الفصام الشيزوفرينيا.. هل هي قدر المثقف الأصيل؟!/ الذات والشيزوفرينيا وقدر المثقف الأصيل