«الريّس» مرسي... لا إيران ولا أردوغان (4/5)
(19) الوطنية المميزة لدى الثلاثي
يتمتع الإيرانيون والأتراك والمصريون بروح وطنية عالية، وحب يواطئ العشق والهيام لأوطانهم، وحساسية مفرطة تجاه أي شيء يمس الأوطان، وقد يرى البعض أن هذه الصفة لا تقتصر على هؤلاء فقط، صحيح، ولكنها لديهم بمنسوب مرتفع جداً؛ وهذه الوطنية هي التي دفعت (نجم الدين أربكان) حينما كان نائباً لرئيس الوزراء قبل نحو أربعين عاماً إلى احتلال الجزء الشمالي من جزيرة قبرص لحماية القبارصة الأتراك من بطش اليونانيين، مع أن اليونان عضو في حلف (الناتو) مثلها مثل تركيا، وقد تأسست على إثر هذا القرار جمهورية شمال قبرص التي لا تعترف بها سوى تركيا، ومع ذلك فهي ما تزال قائمة وحية، ولولا تلك الخطوة والتدخل العسكري التركي لكان مصير القبارصةة الأتراك شبيه بما نراه اليوم للمسلمين في بورما (ميانمار) وما رأيناه في البوسنة والهرسك وكوسوفو... صحيح أن الجيش التركي نفَّذ تعليمات (أربكان) بدوافع وطنية وقومية أكثر منها دوافع دينية إسلامية ولكن النتيجة كانتت إيجابية؛ وهي منع مجزرة رهيبة كانت على وشك الحدوث للمسلمين في جزيرة دخلها الإسلام منذ القرن الأول الهجري، وحماهم قرار (أربكان) الذي جاء في الوقت المناسب من القتل والاغتصاب والتهجير، وتحدثنا سابقاً عنن الشعور الوطني للشعب الإيراني، أما مصر فمعروف مدى ارتفاع الحس الوطني لدى شعبها، وأي استفزاز لهذه المشاعر كفيل بتفجير غضبة المصريين جميعاً...
ولهذا يسعى دهاقنة المكر الاستعماري إلى تفتيت الوطنية المصرية من بوابة الطائفية مستعينين ببعض الجهلة والمشبوهين من المهاجرين الأقباط، ومستغلين تصرفات ومقولات وأفكار بعض الإسلاميين الذين لا يُدركون أن لمصر خصوصيتها منذ الأزل، وهذا من أكبر التحديات التي تواجه الرئيس محمد مرسي، ولتجنب هذا الأمر والتصدي له لا بد من قضية جامعة للكل المصري، ويُفترض أن تكون قضية خارجية، لأن التحريض كبير جداً، والجهلة أو العملاء لن يتركوا المركب تسير، وإذا لم يتمكنوا من إغراق المركب فسيحرفونه عن مساره!
وتواجه إيران وتركيا ومصر مشكلات تتعلق بالوطنية ووحدة التراب أو الاستقرار، ولكل دولة منهما مدخل يمكن للخصوم والأعداء أن يدخلوه أو يتسللوا عبره؛ فإيران لديها مشكلة السُنة الذين لم تُحسن استمالتهم وتعاملت معهم وفق المنظور الأمني الاتهامي، وكذلك مشكلة الأحواز وهي مشكلة مزدوجة قومية ـ مذهبية، أما تركيا فتواجه مشكلة الأكراد الذين لا يُستهان بعددهم؛ فنصف أكراد المناطق الكردية هم في جنوب شرق تركيا (13 مليون كردي تركي)، وكما أن الوطنية التركية عالية، فمثلها الوطنية الكردية، ومع أن (أردوغان) نجح في تبريد المشكلة، وتعامل بإيجابية مع اللغة والثقافة الكردية، إلا أن هذا الملف يبقى بركاناً يخمد ولكن احتمال ثورانه لا يزول، والأهم قابليةة استغلال الحركات الإنفصالية الكردية من قِبل بعض القوى الغربية بدافع تقاطع المصالح وتقديم وعود لا تتحقق.
وأما مصر فهناك مشكلات الانقسام السياسي بين الإسلاميين وغيرهم، وتخويف المجتمع من الإسلاميين وتصويرهم بأنهم سيفرضون على الدولة والمجتمع نظاماً أشبه بما فرضته حركة طالبان على الشعب الأفغاني، ولكن الأخطر هو اللعب بورقة المسيحيين..!! حيث أن ثمة من يدعي تمثيلهم في الخارج (مايكل منير مثلاً) ويرتبط بدوائر مخابرات أمريكية وصهيونية وله علاقات مع تيار المحافظين الجُدد ويسعى لتحويل بعض الخلافات الصغيرة أوو القضايا التي يمكن التفاهم حولها دون أي تدخل خارجي إلى قضية أقلية مضطهدة تحتاج إلى حماية دولية، أو أن تُفرض عقوبات على الدولة المصرية بسببها...
وهذه الملفات هي للابتزاز الذي تُمارسه الدول الغربية؛ ويكفينا مثلاً إثارة موضوع مذابح مزعومة تعرض لها الأرمن في أواخر العهد العثماني، ومع أن الدولة التركية الحديثة قامت على أنقاض السلطنة العثمانية، إلا أن الأوروبيين يواصلون إثارة الأمر واستفزاز الأتراك... لهذا فإن الأفضل للدول الثلاث التي فيها ملفات قابلة للانفجار وتتمتع شعوبها بالوطنية العالية أن تتعاون إيجابيا مع بعضها البعض، لأن التعاون سيكون وفق قواعد الأخوة والصداقة والمصالحح المشتركة بعيداً عن شُبهات التابع والمتبوع... فلا أنقرة ولا طهران ولا القاهرة تقبل التبعية بينما تقبل التحالف والتعاون... لكن ما يجري يُشير إلى تنافر كما سأُبين لاحقًا!
(20) مصر...الريادة قدرها
حاول حسني مبارك تحويل مصر إلى دولة وظيفية، تُنفذ سياسات مرسومة في الغرب، وصولاً إلى تنفيذ سياسات إسرائيلية خالصة، ربما حتى أمريكا لم تطلبها من مصر، وسعى المخلوع إلى تعميم ثقافة «مصر أولاً» وهي ثقافة وشعار خادع يهدف إلى شطب الدور الريادي التاريخي لمصر بدعوى الالتفات إلى تطوير الدولة المصرية بعيداً عن الانشغال بالملفات الخارجية؛ والنتيجة كانت تدهوراً على كل الصُعد داخلياً، وانتشار الفساد والفوضى والغلاء وهيمنةة مجموعة من رجال الأعمال الاحتكاريين الجشعين على مقدرات البلاد، مما جعل الطبقة الوسطى تتآكل لصالح الطبقة الفقيرة المسحوقة، أما على الصعيد الخارجي فمنذ (كامب ديفيد) بدأ دور مصر الريادي على الساحتين العربيةة والإسلامية بالتراجع وقد زاد التراجع أكثر في عهد المخلوع اللهَّم إلا إذا اعتبرنا التساوق مع التعليمات الصهيونية وتمريرها على العرب ريادة وقيادة، كما لعب عمر سليمان دوراً بارزاً في تقسيم السودان وإنشاء دولة في جنوبه، معع أن هذا مضر بالأمن القومي المصري وبشريان حياة مصر أي نهر النيل، وقد ضعف دور مصر على الساحة الأفريقية، وترك المجال لهلوسات القذافي، مع أن لمصر قدرات كبيرة في التأثير على الأفارقة، مما سمح للصهاينة باختراق واسع للساحات الأفريقية وتحريض الأفارقة على العبث بموضوع مياه النيل، مع أن مبارك كان مخلصاً لهم قلباً وقالباً، ولكنهم كانوا يريدون التضييق أكثر على مصر، وضمان السيطرة في حال حدوث أي طارئ، وفي المقابل انشغل النظام بحصار قطاع غزة وبناء جدار فولاذي على حدوده، وتهديد أحمد أبو الغيط لأهله وصولاً للسماح لوزيرة خارجية الكيان (تسيبي لفني) بإعلان الحرب على القطاع من فوق الأراضي المصرية وتلك سابقة خطيرة ووصمة عار أبديةة في جبين النظام وأتباعه، وحتى (فرانسوا باسيلي) وهو كاتب ليبرالي لا شأن له بالإسلاميين انتقد النظام قبل الثورة وقال بأنه انشغل بمناكفة حركات محلية مثل "حماس" و"حزب الله"، بعد أن كانت مصر تكافح قوى كبرى...
من هنا فإن قدر مصر هي القيادة والريادة، وإذا اختارت أن تنكفئ على ذاتها فهذا ليس في صالحها ولا صالح محيطها، وهناك من يُروج بأن على القيادة المصرية الجديدة والرئيس مرسي مواصلة سياسة الانكفاء على الذات وإهمال أو تأجيل ملفات الخارج، وهذا تفكير كارثي النتيجة، ويبدو أن الرئيس مرسي لن يتبع سياسة الإنكفاء وسيستعيد دور مصر الريادي تدريجياً، ولعل أهم أدوات استعادة الدور القيادي هي تعزيز مدرسة الأزهر بوسطيتها واستيعابها لمختلف المذاهب الإسلامية والعمل وفق قاعدة «لا إفراط ولا تفريط» لأنه في غياب الأزهر كمؤسسة فاعلة ظهرت الآراء الغريبة والشاذة والأفكار التي تنضح مغالاة أو انحرافاً عن المنهج القويم، وهذا الأمر ـ ريادةة المؤسسة الدينية ـ ليس لإيران المحكومة بمذهب معين ومحدد دستورياً، وليس لتركيا المقيدة بعلمانية حتى إشعار آخر... كما أن لمصر دور ريادي ينبغي استعادته على المستوى السياسي في المحيط العربي والإسلاميي والإفريقي والدولي، يقوم على مبدأ الندية وتبادل المصالح لا على تنفيذ إملاءات السفير الأمريكي، أو استجابة لطلبات (بن أليعازر) أو (أولمرت) و(لفني) ومن خلفوهم!
(21) الحذر من الفخ الطائفي الوظيفي
حين كانت الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة كان مؤيدو العراق يُروجون لها بأنها ذي قار الجديدة أو القادسية الثانية وحرب العرب المقدسة ضد نار الفرس، وكان مؤيدو إيران يروّجون بأنها حرب الإسلام ضد ظلام البعث وفكرة القومية المتعفنة، وطبعاً وقتها كان الكلام عن شيعة وسُنة ليس بالدرجة الموجودة حالياً، لا سيما أن معظم القتلى العراقيين من الشيعة، والمناطق التي ذاقت ويلات الحرب هي جنوب العراق الذي تقطنه أغلبية شيعية، والنتيجـة لم تكن انتهاء الثورة الإيرانيـة ورفع رايـة البعث العظيم فوق طهران، ولم تكن فتح الحرس الثوري وجيوش إيران المسـلمـة للعراق تمهيداً لتحرير بيت المقدس مثلما كان يُروّج بعض العاطفيين؛ بل النتيجة كانت تغوّل (إسـرائيل) واسـتراحتها من جارين مسـلمين قويين، وانقسـام عربي وإسـلامي طال حتى جناحي البعث الدمشـقي والبغدادي، وكانت (إسـرائيل) مسـتفيدة بنسـبـة 100% تقريبا، ولو أن العلاقة بين طهران وبغداد لم تكن لا وحدة ولاا تنسيق بل كانت «صباح الخير يا جاري» لكان هذا في صالح قضية فلسطين ويقض مضاجع الكيان، والغريب في الأمر أن النظامين كانا في نظر (إسرائيل) عدوين لدودين... وقد ألّف (بنيامين نتنياهو)، حين كان يعمل في الخارج، كتاباً عن «الإرهاب» ومن يدعمه ذكر فيه العراق وإيران، وكل منهما أسال دم الآخر ونعته بالعمالة للصهيونية!
هذا الدرس الدموي يجب ألا يغب عن أعيننا اليوم ونحن نرى أن ثمة محاولة لتكرار أمر الحروب الموظفة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من الغرب، وهذه المرة تحت ستار المذهبية التي استعرت، ولا أُبرئ أي طرف من تسعيرها بحماقة وجهالة وتعصب ورغبة في الإقصاء والسيطرة، وقد كتب المفكر فهمي هويدي مقالاً يُحذر فيه من الحرب المذهبية في 14/07/2012م نشرته «الشروق» تحت عنوان «إرهاصات الحرب المذهبية» انتقد فيه الرئيسس مرسي، ومعروف أن هويدي محسوب على الإسلاميين وحين ينتقدهم فلمصلحتهم وضبط بوصلتهم لا لمناكفتهم أو المزايدة عليهم، ويبدو أن ثمة من يريد إبرام صفقة مع الرئيس محمد مرسي يكون ثمنها انخراطه في صراعع مذهبي ضد إيران بالتعاون مع تركيا ودول عربية معينة، وطبعا المستفيد من هكذا سيناريو هم الصهاينة دون سواهم، ومما يزيد المخاوف هو الاستقطاب الحاد بسبب الأزمة السورية، وقد كتب البروفسور عبد الستار قاسم قبل بضعة أيام محذراً من هذا الاصطفاف والتوظيف مقالاً تحت عنوان «شهوة الغرب للدماء والدمار في سوريا» وحذر فيه تركيا من هذا المخطط الغربي، ولأن سُحب النزاع المذهبي والطائفي تتجمع بشكل لم يسبق له مثيل فيي سماء المنطقة، وجب التذكير بالحرب العراقية الإيرانية، وما جلبته من دمار ووبال على الجارين، ووجب كذلك التذكير بأن الغرب لا أمان لوعوده فهو ينكثها، ولا يظنن أحد من الإسلاميين خاصة من الإخوان، أن بمقدرته التذاكيي واستغلال المصلحة الآنية والخروج رابحاً؛ انظروا كيف أن الغرب سهَّل عمل المجاهدين في أفغانستان، ولكنه لم يسمح لهم بالاستقرار وبناء دولة عصرية بُعيد انهيار حكومة و نظام نجيب الله وصولاً إلى ملاحقتهم وقتلهم وتعذيبهم بدعوى مكافحة الإرهاب، فحذار من صفقة غير مأمونة لا يقبلها الشرع ـ مهما قيل بحق مذهب معين ـ ويكشف عواقبها التاريخ القريب والبعيد، و"المؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين"، والأسلم للرئيس مرسي ألا يخضع للمغريات المادية السخية، وهي التي لن يُبارك الله فيها، وأيضاً ضررها أكبر من نفعها.
أما تركيا فإن انتقالها من سياسة تصفير المشكلات نحو الدخول في خضم الأزمات سيضر قبل كل شيء باقتصادها الذي تُفاخر بمعدلات نموه، ولن تنفع الوعود بالتعويض من هذا الطرف أو ذاك، ومع الخوف من هذا السيناريو الذي يهدف إلى إراحة (إسرائيل) وقلب الربيع العربي إلى جحيم يحرق المسلمين أتراكاً وإيرانيين وعرباً، ونعيماً لأمن (إسرائيل) واقتصادها وصورتها، مع هذا القلق والخوف فإن الأمل بالإخوان الذين كانوا على الدوام روّاد ومفكري مدرسةة الوسطية، حتى لو شذّ قليل منهم عن أُسس هذه المدرسة، وذكاء الرئيس مرسي وإخوته، وكذلك حكمة الأتراك و (أردوغان) بألا يقعوا في الفخ لأن الوقوع فيه يعني ألا نهضة ولا تعاون بين أبناء الأمة بل نزاعات وبغضاء ومشاحناتت قد تستمر عقوداً..!!
(22) فلسطين هي الفيصل
ما جعل الإخوان المسلمين، والعديد من الحركات الإسلامية الأخرى في الصدارة وجلب لهم تأييداً شعبياً كبيراً، ليس عباداتهم الزائدة عن الآخرين، ولا تقواهم ولا ورعهم، ولا حُسن تنظيمهم لأنفسهم وتماسكهم الداخلي، وليس مساعدات قدموها للفقراء والطلبة، أو مشاريع خيرية طبية أو إنتاجية؛ كل هذا لم يكن إلا أموراً هامشية في الوعي الجماهيري، مقابل أمر أهم وهو تصدر الإسلاميين للدفاع عن قضية فلسطين وعدم التنازل عن أي شبر منها، وتحديهم لخطط الهيمنة الأمريكية، وهذه حقيقة يجب ألا تغيب ولو طرفة عين؛ فقد كان الإسلاميون في دائرة الريبة والشك والاتهام والمزايدة حين كان القوميون والاشتراكيون هم من يتصدون ـ ولو لفظياً ـ للمشروع الصهيوني والهيمنة الغربية، فيما كان الإسلاميون يُركزون على قضايا أخرى، بعد أن اشتركوا فعلياً في حرب فلسطين الأولى سنة 1948م، ولكنهم بعد ذلك بدءوا يتحدثون عن بناء الشخصية المسلمة، والدعوة إلى الله قبل الجهاد في سبيله، ويوزعون اهتماماتهم على قضايا المسلمين ـ وما أكثرها ـ من طنجة إلى جاكرتا، ويعتبرون أن قضية فلسطين هي واحدة من هذه القضايا، مع تنويه هامشي بأنها قضية مركزية لأنها تتعلق بأولى القبلتين وثالثث المسجدين، وأزعم أن انتفاش الحركات والتنظيمات غير الإسلامية لعقود كان بسبب قلة التركيز من قِبل الحركة الإسلامية على فلسطين، وفي فلسطين نفسها كان للحركة الإسلامية وجود منذ أربعينيات القرن العشرين، ولكنهه ظل وجوداً محدوداً متهماً قليل الأثر، ولكن حين أطلق إخوان فلسطين "حركة حماس" كذراع مقاوم دون رغبة أو قبول الإخوان ـ كما يؤكد المهندس إبراهيم غوشة في مذكراته ـ استطاعت هذه الحركة، التي لم تضم في صفوفهاا في الضفة والقطاع سوى ألف عضو في بداية التأسيس، أن تكبر وتنمو ويكون لها مكتب سياسي ومجلس شورى وذراع عسكري وأذرع إعلامية واقتصادية وتعليمية خلال سنوات تُعتبر قليلة في عمر الشعوب والأمم، وأن تُصبحح رقماً صعباً في المعادلة السياسية الفلسطينية والعربية وحتى الدولية، مع حيازة تعاطف شخصيات وحتى قُوى عُرف عنها العداء للحركات الإسلامية بل حتى الإسلام نفسه أحياناً، فقد رأينا اشتراكيين وقوميين يُدافعون عن "حركة حماس" حتى أكثر من إسلاميين؛ فقد رأينا مثلاً محمد حسنين هيكل ـ الذي سخّر قلمه في العديد من أعماله التي خطها لمهاجمة حركة الإخوان والتشكيك بها ـ يُدافع عن "حركة حماس" بطريقة قد لا تخطر على بالل عناصرها... كل هذا ليس بسبب مشفى أو جمعية خيرية بل بسبب ما أبدته "حماس" من مقاومة صلبة قاسية للاحتلال، جعلت خصوم الإسلاميين يغضون الطرف عن أيديولوجيتها ويُدافعون عن مشروع مقاومتها، والحقيقة أنن "حماس" تعرضت للحرج ولطالما دافعت في نقاشات مفتوحة أو مغلقة عن الحركات الإسلامية العربية ومواقفها وتصريحات محرجة تخرج من أفواه بعض قادتها، وكانت وما زالت تسأل ـ ولو إعلامياً ـ عن موقف إخوان هذه الدولة أوو تلك وتصريح هذا القائد أو ذاك، وهي تُدافع وتُبرر؛ فـ "حماس" قدمت سلفاً لإخوان الدول العربية. والمخيف اليوم أن الغرب يريد عقد صفقات مع الإسلاميين العرب في مصر وغيرها يتخلون بموجبها عن فلسطين، اللهَّم إلا في الأقوال والشعارات، وحتى هذه لم نعد نسمعها، في مقابل عدم الإيعاز بالانقلاب عليهم أو فرض حصار اقتصادي وما شابه، وللصراحة فإن بعض الإسلاميين تروق له مثل هذه الصفقة وينسى أن الغرب لا أمان له، وأن الإسلاميينن مهما «أخلصوا» فلن يصلوا لدرجة إخلاص زين العابدين ومبارك وقد ركلهما الغرب بلا رحمة أو رد اعتبار، فهل يعي الإسلاميون أين يقفون..!؟
إن إيران بدعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية بُعيد الثورة، ثم لحركات المقاومة مثل "شهداء الأقصى" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وطبعاً "حزب الله" اللبناني أصبحت ذات نفوذ واسع، للأسف البعض يواجهه بالتحذير من التشيّع، والتشيّع إذا ما لاقى قبولاً عند بعض الشباب فهذا أمر سببه سياسي لا فقهي، مرده انبهار الشباب بتصدي إيران (لإسرائيل) سواء عبر "حزب الله" أو عبر تحديها للغرب، مقابل مهادنة أو مقاومة لفظية تُبديها حركات سُنية ـ باستثناء "حماس" و"الجهاد" ـ وما دامت إيران كذلك فإنها ستظل صاحبة نفوذ، حتى لو انحسر قليلاً أو كثيراً بسبب أزمة سوريا أو غيرها، فسرعان ما تستعيده عند أول مواجهة مع الغرب أو الكيان.
أما تركيا فبعد صراخ (أردوغان) بوجه (شمعون بيرس) بسبب الحرب على غزة في (دافوس)، وبعد مجزرة سفينة (مافي مرمرة) فقد دخلت الملعب بقوة، ولكنها لم تطلب أكثر من الاعتذار ولم تحصل عليه، وما زال التبادل التجاري بين تركيا والكيان على حاله تقريبا، كما أن دعم تركيا كان إعلامياً وإغاثياً ـ مع الإقرار بالتأكيد على تفوقها على العرب رسمياً وشعبياً في هذا المجال ـ ولا يتعلق الأمر بدعم المقاومة، وهناك من يرى بأن تركيا تريد احتواء المقاومة الفلسطينية وجذبها برفع نبرة العداء للكيان، فتتقبل المقاومة أسلوب المقاومة الإعلامية التهديدية الذي لطالما عابت على العرب الاكتفاء به...
أما الاختبار الأكبر فهو لمصر ممثلة بالرئيس مرسي وبحركة الإخوان، صحيح أن الرئيس أعلن عن الالتزام بالمعاهدات الدولية، والمقصود ضمنا (كامب ديفيد)، ولا لوم عليه فيما جرى أثناء الإقصاء لحركته، ولكن الوقوف مع فلسطين وشعبها مسألة لا مجال للتردد فيها، أو إبرام صفقات وتكتيكات مع الغرب بشأنها، وإلا فإن خسارة الإخوان ستكون كبيرة، وليتذكروا ما جرى لإسلاميين حاولوا إهمال القضية أو تأجيلها، فآن الآوان أن يُعامل الفلسطيني باحترام وإنسانية في المعابر والمطارات، وألا يُمنع أي وفد برلماني أو شعبي من دخول القطاع أو أن يُعطل، أما مسألة الغاز القطري فمن العيب استمرارها، وقد آن الآوان وأن لبناء مصالحة فلسطينية مضمونة مصرياً وبقوة كي لا تنهار، وآن الآوان للجم الكيان عن العدوان والحصار، وإلزامه بتطبيق بنود صفقة (شاليط) التي كانت مصر وسيطها، وكل هذا خطوات أولية تلقائية تمهيدا لخطوات أخرى، وحتى الآن لم نرَ تغيراً يذكر.... مع بالغ الأسف!
(23) الثقة بالغرب خطيئة
ومشكلة الإسلاميين العرب أنهم لا زالوا ينظرون إلى الغرب وكأنه بنفس قوته وجبروته وقدرته على شن الحروب الواسعة، فيُعطونه أكثر من حجمه، فيحسبونه يستطيع تكرار سيناريو الجزائر الذي حدث قبل عشرين سنة، أو حتى سيناريو "حركة حماس" إبان هيمنة عصابة (بوش) على البيت الأبيض أو غير ذلك من الأمثلة التي لا تصلح كمقياس في زمن ثورات الشعوب، فيمنحون الغرب تطمينات تضرهم ولا تنفعهم، وتُشكك بمصداقيتهم، وتهز شعبية بُنيتت في جزءٍ كبير منها أصلاً على العداء للغرب... وفي النهاية فإن الرئيس مرسي يختلف في مرجعيته الفكرية والفقهية عن إيران، وله ظروف خاصة إقليمية ومحلية تختلف عن تركيا، وتبقى قضية فلسطين هي الفيصل والحكم،، والمرحلة المقبلة ستُعلمنا أين تتجه البوصلة!
واقرأ أيضًا: