فاجأتني خالتي بعد أن عادت من سفرها لقرية زوجها الريفية، فإذا بها تقول لي أن قريبتهم حصلت على أكثر من 99% في الثانوية العامة، فقالت أمها "طبعا ستدخلين كلية الصيدلة .. طب لا "..
فقلت لخالتي ولماذا تقرر لها أمها؟ أليس هذا من حق البنت؟ فقالت لي هي مقتنعة بكلام أمها لأن أمها قالت أن الطب طريقها طويل لا ينتهي والصيدلة ستتيح لها الاعتناء ببيتها في المستقبل ...
فالبنت ما شاء الله رائعة، فهي حافظة لكتاب الله منذ كانت طفلة، بارة بوالديها، متفوقة ومن الأوائل دائما ...
وهذه الصفات النموذجية للفتاة يتمناها أغلب الآباء والأمهات في أبنائهم حتى يرتاحوا ثم يتباهوا بالأدب والأخلاق والخجل والتواضع وقائمة طويلة من هذه الصفات، فتستمر الفتاة على هذا الحال المحمود من الأهل والوالدين...
وصدقا لقد أشفقت جدا على هذه البنت، فهذه الفتاه بالرغم من أنها تريح من حولها، إلا أنها تحقق ذلك بضغط على نفسها حتى تستمر داخل إطار هذه الصورة النموذجية التي هي الصواب وخلافها هو الخطأ ... فتكون هشة التكوين ولا تصمد أمام عواصف الحياة - التي لا مفر منها - فسرعان ما يتصدع هذا الاستقرار الزائف الذي كانت تعيشه ... وأقول "زائف" لأنه متحقق باستمرار وجود ودعم من حولها وليس بثقتها في نفسها وقدراتها.
هل إنتاج هذا النموذج للفتاة يعد مطلبا من متطلبات المجتمع حتى تظل محتاجة إلى من يساندها ولا تستطيع الاعتماد على نفسها؟ هل لأنها هكذا ستكون مريحة ومطيعة لزوجها؟
هل لابد أن تكون هكذا ضعيفة وهشة، فيترجم الأهل: محترمة ومهذبة وخجولة؟
فتربى هذه الفتاة النموذج على الطاعة المطلقة ولا تعيش حياة بمعناها الطبيعي ولكن دورها هو تلبية متطلبات الآخرين!
حتى فى مجتمع المتدينات وجدت من بعضهنّ أنّ ملخص معنى الزواج هو الطاعة المطلقة للزوج وإعطائه حقه الشرعي "كأنّه واجب كالطبخ مثلا" ثم إنجاب أطفال وخدمتهم! هل هذه هي الحياة التي علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وفي الغالب لا تلبث هذه المثالية الجوفاء أن تنهار مع زلازل الحياة، ثم تبدأ الفتاة في رحلة البحث عن ذاتها المبعثرة تحت الأنقاض حتى تجمعها ثم ترممها من جديد ...
وأثناء هذه الرحلة الصعبة من محاولات البحث والترميم ... يفاجأ الأهل بأن الفتاة النموذج تثور وتعترض وترفض وتختار ... بمعنى آخر تعيش كإنسانة طبيعية ولكن هذا بالطبع لا يريح من حولها فيقابل بالرفض ...
فهل سيدرك الأهل ما يفعلون وينتجون؟
وهل سيتقبل المجتمع الفتاة كإنسانة لها كيان وليست آلة مطلوب منها أن تعمل بكفاءة دائمة ودون توقف؟
الله أعلم
واقرأ أيضا:
سلمى صاحية ولا نايمة؟ / زينة المرأة ليست للإغراء مشاركة3 / التفريق في معاملة الأطفال / خلفة الصبيان وخلفة البنات / نفسعائلي تربوي: الانحياز للذكر Sex Discrimination