في أحد الأيام وجدتُ نفسي في أحد المطاعم لتناول طعام الغذاء، لا أعرف لماذا اخترت ذلك المطعم بالذات، مع أنني لا أحب الأكل فيه، جلستُ على أحد الكراسي وبدأت أتفقد هاتفي النقال فقد أصبح الهاتف أكبر إدمان للكبار والصغار.
طلبتُ ما تيّسر من الغذاء من النادل ورحتُ أنتظر إحضاره منشغلاً بالهاتف. فجأة لمحتُ امرأة تدخل المطعم في قمة أناقتها كأنها على موعد مع حبيب، أو عاشق. كان شعرها طويلاً يُغطي كتفيها، والبسمة لا تُفارق شفتيها، ظلتْ تسير تبحث عن طاولة مناسبة فلم يُعجبها سوى الطاولة التي تقع أمام طاولتي، جلستْ في وضع مقابل لي فالتقت عيناها بعيني كأنها أرادت أن تستفزني. رائحة عطورها تسللت لأنفي فخدرتني، دققت النظر في وجهها وعندما التقت عيني بعينيها مرة أخرى ابتسمتُ لها فردتْ عليَّ بابتسامة مماثلة وأومأتْ برأسها، فبلعتُ ريقي غير مصدق.
قالت للنادل أنها تريد فنجان قهوة وبعض الوقت لتفكر في نوع الغذاء الذي ستتناوله. بعد لحظات رأيتها تُدقق النظر في ساعتها وتعبث بها كأنها تحاول الهرب من عيني، وعندما رفعت عينيها عن ساعتها قلتُ لها:
ـ مرحبا.
صمتتْ للحظة ثم سمعتها تقول دون أن تنظر إلي كأنها في قمة الخجل:
ـ أهلاً كيفك؟
فرحتُ لردها، إذن لأتابع هجومي!
ـ أنا بخير وأنتِ؟
ضحكتْ ثم قالتْ:
ـ نص على نص!
تشجعتُ على متابعة الحديث:
ـ هل تقبلين عزومتي على الغذاء؟
ـ وهل أستطيع أن أرفض لكَ طلباً!؟
قالتها وهي تنظر لساعتها.
يا لهذه الساعة!! لماذا كلما سألتها شيئاً تُدقق في الساعة!؟ أتخجل مني!؟ كيف تقبل عزومتي وتخجل مني!؟
حسناً يجب استغلال الموقف قبل أن تُغيّر رأيها فالنساء يُغيرن رأيهن ألف مرة بالساعة!
قلت لها:
ـ يُمكنكِ تغيير الطاولة، أهلاً وسهلاً بكِ هنا.
ضحكتْ بصوت انتبه إليه بعض الزبائن ثم قالت:
ـ أنا بانتظارك!
إذن هي تدعوني أن أنتقل أنا لطاولتها، تريد أن تفرض رأيها عليَّ. لا مانع، فذلك لا يهمني، المهم أن تقبل دعوتي لتناول الغذاء معاً.
حملتُ أغراضي وانتقلتُ لطاولتها.
جلستُ أمامها مبتسماً وقلتُ لها:
ـ شكرا لدعوتكِ لي، أنا سعيد بالتعرف عليكِ.
نظرتْ إليَّ بعد أن توقفتْ عن النظر للساعة، تغيّر لون وجهها ثم سألتني بصرامة:
ـ ماذا تريد؟
استغربتُ سؤالها وحسبتها تمزح:
ـ ألم تقبلي دعوتي للغذاء!؟
ـ غذاء؟؟ دعوة؟ ماذا تقول؟
نظرتْ لساعتها بسرعة ثم قالت:
ـ رجل يُعاكسني!
قلتُ لها:
ـ ماذا؟ رجل يُعاكسك؟ مع من تتحدثين؟
ألم أدعوكِ للغذاء وقلت لي: "أنا بانتظارك"؟
ـ أنا لم أكن أتحدث إليك أصلاً!
ـ ومع من كنت تتحدثين إذن؟
ـ مع خطيبي!
ـ خطيبك!!؟؟ ولكني لم أركِ تحملين هاتفاً ولم أره أمامك!؟
ضحكتْ وقد عرفتْ ما لم أعرفه بعد. ثم قالت لي بعد أن رفعت ساعتها:
ـ هذا هاتفي انظر! هذه الساعة! نعم ألم ترها من قبل؟
دققتُ النظر بها وإذا هي فعلاً هاتف صغير كساعة يد تماماً ويُمكنك بشاشته أن ترى الشخص الآخر أمامك، كان ينظر إلينا فيما نحن ننظر إليه.
قلتُ لها:
ـ ولكن كيف كنت تسمعينه!؟
فرفعت شعرها عن أذنها لأشاهد سماعة صغيرة تعمل لاسلكياً مع الساعة!
ـ يا إلهي هذه أدوات رجال المخابرات!
من أين لكِ كل هذه الأدوات؟
فردتْ عليَّ قائلة:
ـ خطيبي يعمل بقسم التحقيقات السياسية!
ـ تحقيقات؟
تغيّر وجهي وقلتُ لها على الفور:
ـ أعتذر فقد حدث سوء فهم بيننا، هل تقبلينَ اعتذاري؟
قالت لي وقد لاحظت انزعاجي:
ـ لا تقلق كل شيء على ما يُرام.
وقفتُ وتوجهتُ لدفع الحساب، وأقسمتُ اليمين ألا أعود لذلك المطعم أبداً
تموز 2012
واقرأ أيضا
زيارة إلى مكتب الإف بي آي! / المخدوعون