فترات طويلة من حياتنا عشرون عاما قولوا أو يزيد ونحن إذا ذكر الشمع قفزت لأذهاننا صور الشمعات الصغيرة الملونة التي توضع في التورتة في عيد ميلاد فلان أو علان أو بالأحرى ابن أو بنت فلان أو علان وكي لا تحدث مشاكل أؤكد لكم أن فلان الأول مختلف عن فلان الثاني وكذلك علان والمسألة كلها تشابه في أسماء رسمية ! خير اللهم اجعله خيرا ....... نرجع لموضوعنا عن الشمع، فمباشرة قبل الثورة كانت التداعيات الفكرية عند أي منا لسماع كلمة الشمع ربما تشمل تماثيل الشمع في المتاحف أو في الأجهزة التعليمية وربما قطع الديكور الشمعية وربما الشمع الأحمر الذي كانت الحكومة -قبل الثورة طبعا- تشمع به المضبوطات أو الأماكن المحجوز عليها.
وربما تتذكر السيدات والبنات من هواة تجميل المنزل الشمع كمادة تستخدم للصق ولها مسدس أو آلة اسمها مسدس الشمع والشمع هنا وصف لمادة لا لون لها،
وربما تذكر أطباء جراحة الأنف والأذن وبعض مرضاهم الانسداد الشمعي للأذن والذي يحتاج إلى إذابة وغسيل عافاكم الله ....
بعض الناس بيننا -كي لا نعد مبالغين- فقط بعض الناس مثلا من فقراء سكان العشوائيات أو المقابر ربما كانوا سيتصورون الشمعة كوسيلة للحصول على الضوء... لكن اليوم وبعد عام ونصف من ثورة 25 يناير نجد الاستخدام الأخير أصبح ماثلا في أذهان ملايين المصريين فجأة ......... وبعد الانقطاع المتكرر للكهرباء وفي رمضان أصبحت التداعيات التلقائية للشمعة كمصدر ضوء ماثلة في أذهان الملايين.... ولا يفوتني هنا أن أسجل أن صمود الشمعة -رغم انتشار مصادر الإضاءة اليدوية الحديثة تقريبا في كل يد- لا شك يعد دليلا على أصالة المصريين.
وفعلا بالفعل خرج المصريون من بيوتهم-وإن لم يصورهم أحد أو صورهم ولا علم لدي- وخلال أيام ذهبوا كّلٌّ إلى أقرب بائع مغمور أو متمركت! واشترى ربطة شمع أو يزيد أو يقل باعتبار انقطاع التيار الكهربي عن بيته أمرا معروف أنه سيحدث وسيتكرر ! وفي كل أنحاء مصر بالتناوب.
مصادفة مؤذية وسخيفة لكن قلنا "علينا تحملها انتصارا للثورة" والحقيقة المرة هي أننا سواء قلنا أو لم نقل فإن التيار سينقطع والكل سيذهب ليشتري الشمع ...... وتكون النتيجة أننا تسببنا في أزمة شمع .... وإني على يقين بأن ملايين الناس الذين اشتروا كل ربطة شمع أو ربطتين هم سبب الأزمة، .... نهايته لهذا السبب إذن كان رد بائع الكشك القاهري صادقا وأنا لم أعره اهتماما باعتباره مصنفا عندي من المروجين للشائعات كما راقبت وتأكدت عل مر سنتين مشحونتين بأحداث جسام في مصر، المهم أن حديثه لا يُصدق غالبا ويبقى كذلك إلى أن يثبت الصدق... قال لي وأنا اسأله عن بعض الشمع ...."سألته: شوية شمع يا....."
فكان رده ما في شمع فيك يا مصر ما في... لا شمع ولا مياه ! .... وأهملت ساعتها الشمع ورحت معه في حديث عن المياه:
قلت: أليس أنهم اكتشفوا أن أغلب شركات المياه الصحية التي تباع في مصر غير مطابقة للمواصفات وأغلقوها؟،
قال: يا بيه حضرتك كنت تشتري مني الكرتون بـ 25 جنيه وأنا كده كسبان الطاق طاقين ... اليوم أريد شراءها بـ 35 جنيه ويقال لي ما فيش !
قلت هي أكيد أزمة وستمر وتنتهي ....
قال: يا باشا أصلها من أهم ما نبيع في الحر وفي رمضان.... يعني ما طول عمر الشركات دي موجودة وتمام!
قلت : يعني تحمل بعض الشيء .... ثورة بقى يا "-------" ...... وقلت في عقل بالي سأنبه أحدهم ليشتري لي كرتون مياه صحية احتياطي وصراحة لا أتوقع أزمة أكثر من شهر.
اليوم الجمعة قبل الأخيرة أي ليلة الثالث والعشرين من رمضان وكنت راجعا من عيادتي التي انقطع فيها التيار الكهربي بعد إتمام أقصر صلاة تراويح أصليها في حياتي فقد انتهت هي والشفع والوتر في التاسعة ودقيقتين مساء ! إلى هذا الحد يتأثر كل شيء بانقطاع الكهرباء حتى مصلو التراويح وفي مسجد بحجم مسجد المحافظة على القرآن الكريم بالزقازيق ؟ ثم حتى في الليلة الفردية الثانية من العشر الأواخر؟ .... طمأنني بعض الشيء أن أحدهمم قال لي المسجد هذه السنة من أول رمضان يختصر في التراويح لكنه أصبح في العشر الأواخر يعوض في صلاة التهجد وصلاة الفجر...
كان تعليق عم كامل البقال الكبير القريب من مسكني هو ما ردد في ذهني كل حكاية الشمع السابقة فقد توجهت إلى المحل حين رأيته واقفا على باب البقالة .... وقبل أن ألقي السلام سمعته يصيح ردا على أحدهم ما فيش شمع ما فيش شمع بلد مفيهاش لا شمع ولا مياه ! قلت في نفسي الله !! صحيحة إذن أزمة الشمع هذه .....
لكن الأهم في رأيي هو سبب احتياج الناس المفاجئ للشمع كي يستخدموه للإنارة ما هي حكاية انقطاع الكهرباء؟ الحكاية التي تبدو الأسباب المقدمة لتبريرها واهية إلى حد الاستخفاف الواضح بعقول الناس، ما الذي حصل فجأة هكذا فأصبح تقتير الكهرباء على الناس حلا لا مفر منه لأزمة قفزت فجأة بعد تولي الدكتور مرسي رئاسة الجمهورية، وغير خاف على أحد أن أزمة في البنزين بدأت من شهور وتفاقمت إبان الانتخابات خاصة انتخابات الإعادة؟ وما تزال تجمع الأصوات على أنها مفتعلة بشكل أو بآخر ؟ هل في أزمة الكهرباء شيء من ذلك؟
لعل أول إطلال لحرمان الناس من الطاقة عقابا على الثورة كان في الشهور الأولى للثورة اليمنية، ثم لما سمعنا أنه يحدث في سوريا أيضًا قطع للكهرباء والاتصالات ولكل شيء لم نستشعر بشاعة جديدة لأننا نتوقع الأسوأ من نظام حكم الأسد ...... لكن حدوث هذا الانقطاع المتكرر للكهرباء من رأس مصر إلى قدميها مريب كما ناقش ذلك د. فايز أبو شمالة في مدونته : مصر أعظم من أعدائها
ثم أن موضوع أزمة الكهرباء هذه غير مريح بالنسبة لي بالمرة، خاصة وأن د. قاسم كسروان -وهو من الذين يرون أن الثورات العربية الحالية مؤامرة- نبهني وأنا معه في مارس الماضي في لبنان إلى أن أزمة كهرباء أو أزمة طاقة ستحدث في مصر وأن أياما ستأتي على مصر يقول المصريون فيها ولا يوم من أيامك يا حسني ! ووقتها –رغم أنني كنت شاهدت في مصر قبل سفري بل وشاركت في صفوف السيارات الطويلة عند محطات البنزين العامة- وقتها انفعلت أنا ودافعت بشدة عن الثورة وأشرت إلى استحالة ذلك عمليا وقلت منتفخا مهما حدث يستحيل أن المصريين يتذكرون مبارك بخير ! لكن للأسف الشديد كنا في مارس وإن هي إلا شهورا ثلاثة تقريبا وفجعني الصعود المفاجئ لنجم شفيق، وكتبت محسورا عن مازوخية المصريين: باي باي ثورة! .
راجعت الآن ما قديما كان قد كتبه قاسم على مجانين عن أزمة الكهرباء في لبنان: رمضان والكهرباء في لبنان وعرفت في لقائنا الأخير أن بيروت نفسها لا تغطي الشبكة الحكومية استهلاكها 24×7 ! ..... يبدو فعلا أن في الأمور .... أمور ... وحقيقة فإن التطبيع المتتالي الذي نضطر إليه مع الأزمات من الشمع إلى المياه الصحية ومن البنزين إلى الكهرباء لن يكون مأمون الأثر على حياتنا ونفوسنا وأسأل الله أن تنتهي الأزمات كل الأزمات، ...... وأما ما وددت كتابته عن فوائد انقطاع التيار الكهربائي المتكرر كما لمستها بنفسي فقد قررت تأجيله لمدونة أخرى ... فانتظروها
واقرأ أيضًا: