نحن العرب عاطفيون، رومانسيون،
في تراثنا أجمل قصص الحب والغرام، أروع الأشعار،
لدينا مجانين الحب والهوى، آثار اللوعة والفراق...
بل العالم البشرى كله يعرف هذا النوع من الرباط العاطفى المتميز،
أن تصير عبدا للمحبوب، وان تريد امتلاكه، احتوائه كليا، حبس حركاته وأنفاسه،
باختصار:ألا يتحرك إلا لك، إلا باسمك، وألا تتحرك إلا لأجله، وباسمه..
ماذا جرى للإنسان؟متى كانت عاطفة الحب بهذه الغرابة والمفارقة والاضطراب؟
ولمن يحدث هذا؟ وكيف؟ وهل يعود الوضع طبيعيا؟
للعلم، الحب أنواع، درجات وألوان:
فقد يكون مادياً محسوساً، لا يبغى إلا إرواء الرغبة الجسدية العارمة واقتطاف اللذة والمتعة من جسد غض طرى..
وقد تكون هذه العاطفة راقية سامية، لا ترجو إلا العطف على الآخر، تقديره وتمثيل حب الإنسان لأخيه الإنسان،وذلك دون حسابات ودون انتظارات من الآخر..
وهذا صنف إنساني مثالي أفلاطوني كما يقولون...
وبين هذا النوع وذاك،أنواع أخرى تتأرجح من نوع الحسابات الضيقة إلى عاطفة الأمومة والأسرية المغروسة داخلنا.. أما الحب المعلوم، العشق والهيام، فهو أولا، يشبه ارتباط المدمن بالمخدر، حيث لا يستطيع المدمن الانفلات منه أبدا، انه الاعتياد..
ولو غاب المحبوب لحظة لاختل المحب-أعراض الفطام-ويحتاجه أكثر فأكثر بالقرب منه كما يحتاج المدمن المخدر.. وقد يكره العاشق المعشوق كرها شديدا، لكنه يضعف أمامه، كما يلعن المدمن المخدر دون التمكن من لفظه، كما:الحب أعمى !
هل نحن أمام حالة إدمان عاطفي لا تختلف إلا في الشكل والطريقة؟
وهل نحن أمام الآثار والخسائر ذاتها التي تدمر الشخص؟
وهل لا علاج إلا عامل الزمن؟
مما يقع،وحسب ما رأى الدارسون،فان الإنسان-في إطار احتياجاته الأساسية-ومنها عاطفة الحب والتقدير-ومن خلال بحثه الخيالي أحيانا،فانه يصنع نموذجا داخل ذهنه،يتخيل ما يجب أن يكون عليه المحبوب لكي يزوده بما يحتاجه من دفء وحنان،مما قد يؤدي بهذا الإفراط-كإفراط المخدر- إلى انسحاب الطرف الآخر وعدم فعاليته كما عدم فعالية المخدر عند الإفراط أيضا..
ومما قالوا أيضا، أن العاشق إنما وجد معشوقه الذي كان يبحث عنه منذ زمان، وذلك على إثر انطباعاته الأولى مع محيطه وتكوينه الصورة المثالية عن محبوبيه..
ويبقى ضعف التقدير الذاتي والخواء العاطفي وقلة الاهتمامات والانشغالات وغياب المثل والأهداف أهم دواعي السقوط في دوامة الحب الأعمى..
لذلك يركز المربون على تكوين الشباب تكوينا تربويا متكاملا يسد كل فراغ محتمل وانزلاق غير محمود العواقب.
وأما الذين سقطوا،فقد تطول معاناتهم أو تقصر-ذلك مخدرهم يرافقهم إلى موعد ما-
وقد يبدو انه انتهى، لكن الذكريات تبقى في الأذهان عالقة لا يمحوها حتى فقدان الذاكرة ربما!