إشهار إفلاس، معادلات بلا حلول
الجزء الثالث
إن الأمثلة عن المعادلات التي تحتاج حلولاً لها أكثر من أن تحصى في مقال أو حتى كتاب ولكن الجوهر بسيط، نحن بحاجة لثورة فكرية جديدة كتلك التي بدأت مع بداية الإسلام، ثورة لا يقوم بها فرد ولكنها حصاد جهد دءوب لمئات أو ألوف من العلماء والمفكرين، ثورة تنتج لنا حقيقة حضارة جديدة وفكراً جديداً يقوم على مصادر التشريع الإلهية ويبني إنساناً حقيقياً لا مجرد آلة تذوب في المادية وتفقد الروح تدريجياً كما يعاني أبناء الشرق والغرب اليوم، ولا مجرد روح معزولة تفقد اتصالها مع الواقع شيئاً فشيئاً ثم تجد نفسها في النهاية إما غارقة في الانعزال عن الواقع كما هو حال الدعوة السلفية وأشد منها أهل التصوف، أو غارقة في الاستدانة دفعة بعد دفعة كما تفعل حركة الإخوان اليوم، أو بلا رصيد كلياً واعتمادها الكامل على غيرها كحال الليبراليين والاشتراكيين.
إنني وبكل ببساطة أتساءل متى نستوعب أننا مسلمون في زمن عزّت فيه روح الإسلام إلا من مظاهر أو أصوات تتحدث بأكثر مما تفعل، وأننا ما زلنا نكتفي بدور استجابة المفعول به في حركة التاريخ البشري والحضاري بدلاً أن نكون المبادرين البادئين بالفعل؟
متى تصبح كلمة إسلامي تدل على فكر عميق وحضارة بدل أن تدل على أفراد واتجاهات سياسية أو فكرية متناثرة؟!! متى تختفي هذه الأسماء التي سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان كسلفي وإخواني وصوفي وشيعي و..... إلخ لتحل محلها التسمية التي ارتضاها الله لنا بأن نكون مسلمين؟!
وأقول مسلمين ولا أقول إسلاميين، فالمسلم من سلّم لله، أما الإسلامي فهو من انتسب لفكر يدعي أنه يمثل الإسلام وأراها أصبحت شعاراً يتشدق به البعض ويرفعه البعض الآخر فزاعة، فهو أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة.
متى أرفع رأسي عالياً وأقول أنا مسلم لأن كل من في الأرض يرون المسلمين أصحاب فضل على العالم فكرياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً بدل من أن أطأطئها وأنا أُنعت بالإسلامي ويرى الناس الإسلاميين مجرد جعجة بلا طحن أو أصداء ماضي سحيق خفتت، فلا تكاد تسمع أمام علو صوت المادة والسياسة، أو مجرد أجنة مشوهة ستعيش حولاً من الدهر ولكنها ستظل معاقة عاجزة أن تقدم للناس السعادة وتخرجهم حقيقة من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
أعرف وأعي بكل تأكيد أن هذا الحلم وهذا الفكر يحتاج زمناً ليتبلور ولا مناص الآن من التعايش مع هذه الاستدانة وهذا الترقيع حتى يكتمل حمل الجنين ولكن بشرط واحد، أن نعلنها الآن صراحة أننا مفلسون وأننا قررنا أن نغرس هذه البذرة الآن ونتعامل مع الواقع حتى تثمر هذه الشجرة شيئاً فشيئاً وتغلب ثمارها في سوق البشرية على الثمار الفاسدة التي نأكلها اليوم من باب الضرورة.
اقرأ أيضاً:
علم جديد / التطبيع مع الفساد