من الغريب في بلد حولها الاستبداد لسنوات طويلة إلى خرابة وقامت فيها ثورة خرج فيها الملايين إلى الشوارع طلباً للتغيير وفي ظل انفلات أمني مصطنع واقتصاد متدهور يوحى إلينا طوال الوقت بأنه على وشك الانهيار أن نجد ولي الأمر يستعجل عودة الأنشطة الرياضية ومباريات كرة القدم ومن الأغرب أن تنصرف هذه الملايين إلى متابعتها والالتهاء بها وكأنهم يباركون فعلته..
أفهم أن كرة القدم رياضة لها محبوها وعشاقها ولكن ما أعجز عن فهمه ذلك السحر العجيب الذي يمارس باسمها..
وكيف تحولت هي وغيرها من الرياضات من مضمار للترويح وحفاظ على الجسم السليم ليبقى فيه العقل السليم إلى صناعة يهتم الجميع أن تدور عجلاتها قبل أن تدور عجلات المصانع..كيف يُضحك على هؤلاء الملايين وتستنزف أموالهم وعقولهم وأعصابهم لمتابعة عدد لا نهائي من المباريات حتى تغدو الكرة الشغل الشاغل لهم !! وفي النهاية تصب النواتج الوحيدة لهذه الصناعة في جيوب أباطرتها ونجومها ويظل ينفق عليهم من ميزانية الدولة واقتصادد المجتمع هنا وهناك!! ألا يقول المنطق أن الرياضة من النوافل التي تؤجل وتتوقف في لحظات الجد كالثورات والحروب.. أيهم أولى بأن ينفق عليه من ميزانية الدولة في ظل صيحات صمت بها آذاننا عن اقتصاد ينهار، مسابقات الكرةة ومنتخباتها أم برامج التنمية وإغاثة المتضررين والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم !!
إن سرعة استئناف أنشطة الدوري يطرح أسئلة وجيهة ومهمة ولكن الأهم هي تلك الأسئلة التي تطرحها هذه المكانة العجيبة للكرة وذلك الحيز الذي تشغله من عقول الناس حتى حجبت الضوء عن عقولهم ورويداً رويداً كادت الأندية الكروية أن تتحول إلى نِحل وفرق يتقاتل الناس من أجلها من شدة تعصبهم وإنقسامهم حولها.. فهل كان يمكن أن يجد مفتعل المجزرة غطاء يظهرها وكأنها اقتتال بين أنصار فريقين لولا توفرت هذه التربة الخصبة من التعصبب والهوس بالكرة وفرقها حتى أنشئت فرق الألتراس التي أعجز أساساً عن استيعاب المنطق الذي تختصم بناء عليه سوى التعصب والجهل، وليتهم يتعصبون لذي قيمة بل تعصبهم في تفاهة وعلى أحسن القول في انتماء رياضيي الأساس أن يكون الاختلاف فيه مرجعه الروح والأخلاق الرياضية التي لم يعد لها من اسمها في بلادنا وعلى أرض الواقع إلا كما كان لديموقراطية مبارك.. مجرد عبارة جوفاء يضرب بها الجميع عرض الحائط عند أول اختبار حقيقي...
ولن ننسى بكل تأكيد ذلك البزنس العجيب الذي يسمى بالتحليل الرياضي الذي لا أدري من أي صنف بشري ينحدر ممارسيه وهم يشغلون عقول زهرة شبابنا بتفاهاتهم حتى جعلوا الكرة علماً وفناً وصار نجومه هم القدوة وتراجعت مكانة أهل العلم من كل نوع ليصبحوا أقرب إلى العالة على المجتمع لا يجدون قوت يومهم وما يكفل لهم الحياة الكريمة ويكاد المجتمع يشعرهم بحاجتهم إلى أن يذوبوا خجلاً لأنهم فضلوا طريق العلم والعمل على طريق النجومية الزائفة..
ورجاء لا تؤلمني بردك أن الأوربيون يفعلون ذلك فتطورهم العلمي لم تكن للكرة وصناعتها فضل فيه، وغير ذاك التطور لا أرى لهم فضيلة تستحق منا الإعجاب سوى بعض الخصال والأخلاق التي لم يبتدعوها من فراغ بل كانت أخلاقنا يوماً قبل أن نفرط فيها تحت وطأة مادية لا أخلاقية كان لهم وافر النصيب في تصدير بذورها إلينا ولم نبخل عليها بالري من أطماعنا وأنانيتنا ومصالحنا الفردية حتى غدت غابة يتوه فيها صاحب العقل اللبيب...
رحم الله الضحايا الذين أراهم كانوا ضحايا لمجتمع سخيف تركهم ولم يمد لهم يد العون والإرشاد وينتشلهم من بين فكي الساحرة المستديرة قبل أن يصبحوا لاحقاً ضحية الألاعيب والمؤامرات السياسة والصراع على السلطة والنفوذ...
واقرأ أيضاً