قدم معهد بحوث الأمن القومي قراءة للمواجهة مع حماس معتبرا إياها أنموذجا حديثا في إدارة المعارك والتي تسببت بخسارة إسرائيل في جبهات متعددة، البحث قدم لقراءته شرحا دقيقا لواقع غزة التي تبلغ مساحتها نحوا 360 كم مربع. بطول 42 كم، وعرض في أقصاه 12 كم، مع العلم أن العرض في أكثر القطاع 6 كم، بالإضافة إلى ذلك يعيش في القطاع نحو من 1.6 مليون نسمة؛ فيما تبلغ نسبة الزيادة الطبيعية للسكان 3.3 في المائة كل سنة.
حديث الأرقام أراده البحث لمدخل الحديث عن معضلة المواجهة في غزة التي أفقدت الكيان زمام المبادرة ضاربا بذلك نموذج جباليا التي يعيش فيها 100 ألف مواطن في مساحة صغيرة جدا ، اضطرت (إسرائيل) القتال على هذه المساحة في عملية "الرصاص المصبوب" نهاية كانون الاول 2008 متكبدتا فيها خيبة كبيره .
جباليا جاءت في سياق استهلال أن عدم التناسب بين حماس وجيش الاحتلال هو عامل مؤثر جدا في صورة مواجهة (إسرائيل) لتحديات القتال في غزة.
حديث الصورة تعلم منه الكيان قراءة القانون الدولي ومحاججته في شؤون القتال و الذي صيغ بحسب البحث بعد تجربة الحرب العالمية الثانية حينما حاربت جيوش الدول بعضها بعضا، هذا الحديث كان مهما لقراءة تشخيصية لأطراف المعركة المتوقعة حيث أفادت القراءة أنه حين فحص نسبة القوة بين دولة (إسرائيل) وحماس يمكن أن نرى أن الجيش الإسرائيلي هو الجانب القوي، لأن فيه مئات الآلاف من الأشخاص وآلاف الدبابات والطائرات والسفن.
أما حماس في ظاهر الأمر فهي الجانب الضعيف لأن ما لديها هو عشرات الآلاف من المقاتلين فهي غير مسلحة بسلاح ثقيل، وتضيف القراءة أنه من الواضح حينما يدخل الطرفان في مواجهة عسكرية بينهما سيتغلب الجانب القوي على الجانب الضعيف.
هذه النتيجة بحسب البحث غير صحيحة فلا يمكن ان تُقاس نسب القوى بين الجانبين برؤية سطحية كهذه. فالجانب الضعيف في واقع الأمر لا يحتاج الى مجابهة الجانب القوي بل ما يحدث أن إسرائيل تجر إلى المواجهة في صعد أخرى لا يمكن لها تحقيق النصر فيها وهذا ما سنحاول عرضه من خلال الآتي :
1. توجد في غزة سلطة ذات عقيدة أصولية توجهها فكرة بعيدة المدى بغيتها تقدم كل التضحيات ولا تجزع . وفي المقابل دولة (إسرائيل) تريد حربا خاطفة تحقق بها نصرا سريعا .
2. تُبنى في غزة قوة تسميها إسرائيل لتخفف عن نفسها، لكن هذه القوة غير منظمة بهذه الصورة، فهي قوة "مخاطة بحسب الحاجة"، ذائبة في المحيط المدني الذي يحميها وهي معدة سلفا تحت بيوت مدنية ومؤسسات مدنية وتعمل بحسب شيفرة عمل مستقلة تُمكّنها من ان تعرض نفسها إما على أنها جهة مدنية وإما على أنها جهة عسكرية – بحسب حاجاتها.
3. هناك اختلاف من جهة منطق المعركة. فبحسب التصور الإسرائيلي يجب أن يكون القتال قصيرا وأن يحرز نتائج قاطعة تُمكّن من هدوء زمنا طويلا، أما الطرف حماس فتتحدث عن صمود طويل في ميادين المواجهة .
4. تحاول حماس التوصل إلى خطة تفرض فيها على إسرائيل حدودا في الأمد البعيد، وبهذا تقيد رويدا رويدا يد إسرائيل وتجعل العمل صعبا عليها.
5. يوجد في (إسرائيل) حساسية كبيرة لمدة المعركة وبالتأثير في الجبهة الداخلية وبعدد المصابين في الطرفين لأن عدد المصابين في الطرف الفلسطيني أيضا يلقي عليها قيودا. وفي مقابل هذا فان حساسية حماس الرئيسة هي بقاء القيادة لذلك فهم يعملون في داخل محيط مدني مهيأ لعمل عسكري وموجودون تحت الأرض ولهم اتصال مستقل عن الشبكات العامة ويملكون مخزونا من الذخائر المفرقة كي لا يضطروا إلى حملها من مكان إلى آخر. وهم يحاولون الابتعاد قدر المستطاع عن مراكز الثقل كي لا تمكن مهاجمتهم.
هذه النقاط أضيف لها تفصيل موسع عن عدد المحاربين الذي يبلغون عشرات الآلاف ويعملون في أطر مفرقة في داخل محيط مدني بحيث لا يمكن علاجهم بصورة ناجعة في العمل لمواجهتهم.
في ختام هذا المحور ختمت القراءة " تلتزم حماس طريقة عمل و هي إطلاق مائل المسار على الجبهة الداخلية الإسرائيلية باستهدافها مناطق مزدحمة مع استعمال متعمد للسكان درعا بشرية، وذلك لجر العدو إلى الدخول بوحدات المشاة والمدرعات إلى داخل المنطقة المأهولة. والقتال في المنطقة المأهولة يُبطل فعل الجانب القوي ويجرده من نقاط تفوقه:
وتضيف ترى حماس أن محاربا مع بندقية كلاشينكوف يساوي في قيمته محاربا مع بندقية إم 16 يواجهه. وهكذا تريد حماس إيقاع خسائر كثيرة جدا في القتال.... المنطق الذي يوجه حماس هو المس بمنعة إسرائيل وتصميمها على القتال بسبب خسائر كثيرة وإحداث صورة وضع إنساني صعب تفضي إلى ضغوط دولية تسبب وقف القتال.
هذا الحديث يجيء في ظل قراءة منهجية لمواجهة محتملة مع حماس خلال السنوات القادمة والتي تعتبر في الكيان هاجسا وجب دراسته والجاهزية له .
واقرأ أيضاً:
أرواح بين الصخرة والأقصى / في الدفاع عن الهوية / ما هو الأقصى؟ / فلسطين..... الجهاد في متناول الجميع / ملفات فلسطينية / بدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين / غزة والأمن القومي المصري ...