بدأت الأمور تَستقر بشكل أَفضَل في عموم المناطق الفلسطينية (مخيمات وتجمعات) في سوريا بعد فترة عصيبة ومؤلمة رافقت حياة الناس اليومية في ظل الأزمة الداخلية التي تعانيها البلاد، وقد أدت تلك الأحداث لسقوط أعداد كبيرة من الشهداء الفلسطينيين، غالبيتهم ممن ليس لهم علاقة بأي طرف من أطراف تلك الأزمة، بالرغم من أن بعضهم ينتمي سياسياً لفصائل فلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية/القيادة العامة، وجبهة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وجيش التحرير الفلسطيني.
هدوء نسبي جيد
الاستقرار الذي نتحدث عنه هنا بالنسبة لفلسطينيي سوريا، هو استقرار نسبي وعام، فالفلسطينيون في سوريا باتوا جزءاً ومكوناً عاماً من مكونات ونسيج البلد، وبالتالي فإن مايقع على البلاد يقع عليهم، بالرغم من خصوصية أوضاعهم، وإنشداد بوصلتهم إلى قضيتهم المركزية التي لا قضية تعلو عليها عندهم.
كما أن الإشارة إلى نسبية (ونقول نسبية) الاستقرار في عموم المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية في سوريا (مخيمات وتجمعات) لاتلغي الإشارة إلى مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين حيث مازالت أحواله سيئة حتى الآن بفعل الإشتباكات التي دارت وماتزال ولو بشكل متقطع في بعض المناطق المحيطة به وأحياناً داخله، كما هو الحال في تجمع (المزيريب) الفلسطيني الواقع غربي مدينة درعا. كذلك الأمر في مخيمي (الحسينية والسيدة زينب) الواقعين إلى الجنوب الشرقي من مدينة دمشق. فيما بقي مخيم النيرب قرب مدينة حلب يعاني هو الآخر من تبعات الاشتباكات التي تقع في محيطه القريب وما يستتبعها من سقوط لبعض قذائف «الهاون» من حين لآخر.
أما مخيم اليرموك، وهو التجمع السكاني الفلسطيني الأكبر والأوسع ليس في سوريا فقط بل في عموم مواقع وتجمعات الشتات الفلسطيني، وهو درة وتاج الثورة الفلسطينية والكفاح الوطني الفلسطيني المعاصر، فقد تَحسَنت الأمور داخله عن الشهرين الماضيين، وباتت أوضاعه شبه مستقرة بالرغم من وقوعه الجغرافي في منطقة تحيط بها أحياء ومواقع توتر وإشتباكات، لكنها هدأت بدورها نسبياً قياساً للفترة الماضية، وبالرغم من الحدث الأخير الذي وقع داخله أثناء كتابة هذه السطور يوم الجمعة الواقع في الثاني عشر من أكتوبر الجاري حين هوى بناء كامل من أربعة طوابق وسط المخيم في حادث إنفجار مازالت تحيط به الأسئلة المختلفة وقد أدى ذلك الإنفجار لسقوط عدد من الشهداء والجرحى.
الكلام الوارد أعلاه، نورده ونأتي به بقصد تشريح الحالة الفلسطينية في سوريا على مستوى حياة الناس، وأدوار القوى والفصائل، ومن ثم انتقالاً نحو الحديث عن الحالة السياسية والفصائلية على مستوى مخيم اليرموك وعلى مستوى الوجود الفلسطيني في سوريا عموماً.
فأوضاع الناس في المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية في سوريا بدأت تستقر عموماً، وقد تراجعت حركة مغادرة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان بقصد الإقامة المؤقتة عند أقاربهم من فلسطينيي لبنان. فقد قصد لبنان نحو (2370) عائلة من فلسطينيي سوريا بواقع (9400) نسمة، لجأوا إلى لبنان منذ بدء الأحداث في سوريا. منهم نحو (700) عائلة قصدت منطقة البقاع، ونحو (700) عائلة إلى منطقة صيدا، ونحو (430) عائلة إلىى منطقة الشمال، ونحو (260) عائلة إلى منطقة صور. فيما لجأ الباقي منهم إلى مدينة بيروت. لكن تلك الأعداد إنخفضت خلال الأيام الماضية مع عودة الناس، ولم يتبق من عائلات فلسطينيي سوريا النازحة إلى لبنان سوى نحوو (600) عائلة. كما إنخفضت وتيرة مغادرة فلسطينيي سوريا بإتجاه مصر وتركيا وحتى بإتجاه بعض الدول الأوروبية التي يقيم فيها عدد جيد من أبناء عائلات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
إن مؤشرات ومدلولات تلك المعطيات تشي بأن الحالة العامة لفلسطينيي سوريا أفضل الآن حالاً من الشهرين الماضيين بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه حتى الآن فلسطينيو سوريا في الأزمة الداخلية في البلاد، حيث تؤكد المصادر الموثوقة بأن نحو ستمائة شهيد فلسطيني سقط حتى نهاية سبتمبر في الأحداث الداخلية في سوريا، غالبيتهم ممن «لاناقة له ولا جمل» في مسار تلك الأحداث.
أما في الجانب المتعلق بأدوار الفصائل والقوى الفلسطينية العاملة في الساحة السورية، وعددها (15) فصيلاً فدائياً مؤتلفة في إطار كتلتين (فصائل منظمة التحرير وفصائل التحالف الوطني)، فإن الأمور بقيت تراوح مكانها، ولم تحمل الشيء الجديد والمُفترض في ظل الوضع الاستثنائي الذي عاشه ومازال يعيشه فلسطينيو سوريا. فالفصائل الفلسطينية تفاوتت في أدوارها من فصيل لآخر، لكنها في نهاية الأمر كانت هي الغائب الأكبر عن مسار الأحداث وعن دورها المفترض في قيادة الشارع الشعبي الفلسطيني الذي بَزَها وتَفَوقَ عليها.
ومع هذا، ومن موقع الإنصاف فإن الدور الواضح البارز على مثالبه ونواقصه كان لكل من (حركة فتح+حركة حماس+حركة الجهاد الإسلامي) في مجالات العمل الإغاثي والإنساني والاجتماعي، أما دور (الجبهة الشعبية/القيادة العامة) فكان صارخاً في مجال تشكيل اللجان الشعبية بما فيها إنشاء لجان عسكرية لمنع دخول «الجيش الحر» أو أي مسلحين لأيٍ من مناطق مخيم اليرموك كي لايصبح اليرموك ساحة للإشتباكات والملاحقات العسكرية، وقدد كان ومازال موضوع اللجان الشعبية مثار خلاف بين الفصائل بالرغم من إقرار الجميع بضرورة عدم دخول أي مسلح لمخيم اليرموك حتى لايكون سبباً في قصفه أو استهدافه من قبل القوات النظامية.
وبالطبع، فإن الأدوار الفردية والاجتهادات والمبادرات الرائعة لكوادر وأعضاء الفصائل ومعهم المستقلون، كانت ومازالت هي السائدة في ميدان العمل على الأرض، حيث عملت تلك الكوادر على إحياء لجان العمل الشعبي وفي استقبال المواطنين السوريين الذين لجأوا من المناطق المحيطة باليرموك إلى داخل المخيم، كما ابدعوا في توفير كل وسائل الدعم والإسناد لعامة الناس، وفي إعالتهم وضمان استمرار الحد الأدنى من العيش الكريم للجميع.
وعليه، فإن الأدوار الفردية للكوادر الفلسطينية ولمجموع الشباب والناشطين من المستقلين، غَطَتّ على العجز الفصائلي، وأخفَتّ مثالب وتقصير الفصائل، التي مازالت تناقش حتى الآن ماهو المطلوب منها في اجتماعات واجتماعات متكررة «لا تسمن ولا تغني من جوع» وكأنها تناقش حكاية «البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة». بل ويعيش بعض منها حالة من المناكفات المتبادلة، حيث عجزت الأحداث من أن تدفعها لتسمو فوق الصغائر والمناكفات والحسابات الفئوية الضيقة والعصبيات التنظيمية.
تخلف الفصائل عن حركة الشارع
أما في الشق السياسي، فهناك تضارب في تقدير الموقف على الأرض بين جميع القوى والفصائل. وبالتالي في صياغة وبناء الإشتقاقات المطلوبة فلسطينياً للحفاظ على الناس وتسييد مبدأ «الحياد الإيجابي».
فالفصائل الفلسطينية متفقة عموماً على مبدأ «الحياد الإيجابي» في الأزمة الداخلية السورية لكنها مختلفة بالتفاصيل المتعلقة بالدور الفلسطيني المطلوب داخل التجمعات ذات الكثافة السكانية الفلسطينية (مخيمات ومناطق) في سوريا.
ففصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا (فتح،الجبهة الشعبية، حزب الشعب، جبهة النضال، جبهة التحرير، حزب الشعب، حزب فدا، الجبهة الديمقراطية) أصدرت عدة بيانات مشتركة أكدت فيها على موقف «الحياد الإيجابي» إلا أن التصريحات الفردية لبعضها خرج عن السيطرة وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم لتحالف القوى الفلسطينية (الجهاد، حماس، القيادة العامة، جبهة النضال، جبهة التحرير، الحزب الشيوعي، الصاعقة، فتح/الانتفاضة) ولكن بإتجاه آخر.
من هنا، إن الموقف الفصائلي الفلسطيني في الساحة السورية في أزمة وحيرة وإرتباك، جعلت من مواقف تلك الفصائل تتأخر شهوراً عن موقف الشارع، وهو ما خلق حالة فصام نسبي بينها وبين الشارع ومواقف الناس. فالشارع الفلسطيني في سوريا كان مبادراً ومتقدماً على موقف الفصائل وعموم القوى، وقد رسمت معالم الموقف الشعبي على الأرض بسلوك الناس اليومي بالرغم من الغياب الفعلي والعملي للمرجعيات الفلسطينية المفترضة وعلى رأسها منظمة التحرير وحتى تحالف القوى الفلسطينية.
وفي هذا السياق فإن مسألة تشكيل لجان شعبية (غير مسلحة) في المخيمات الفلسطينية في سوريا كانت ومازالت محط اجماع بين كل تلك القوى والفصائل والتشكيلات، لكن التعطيل كان ومازال سيد الموقف، فهناك من يعمل على تعطيل تلك الفكرة إنطلاقاً من عجزه وعدم قدرته على المشاركة وتحمل أعباء عمل تلك اللجان فلجأ لسياسة التعطيل خصوصاً مع فقدانه رصيده الشعبي بين الناس. وهناك بالمقابل من يرى بأن اللجان الشعبية يجبب أن تكون مسلحة وهو ماتبنته بعض فصائل التحالف ومنها الجبهة الشعبية/القيادة العامة التي بادرت منذ وقت لتشكيل لجان شعبية مسلحة وقد شاركتها بعض الفصائل في خطواتها المذكورة.
وبعيداً عن تلك الجدالات والنقاشات والاستطالات التي رافقتها، فإن الرأي العام السديد ينحو بإتجاه التأكيد على ضرورة قيام كل القوى الفلسطينية وخصوصاً منها ذات التأثير والحضور بدورها المفترض في المجتمع المحلي الفلسطيني، خصوصاً وأن الأزمة السورية قد تطول. وأن تسرع تلك القوى والفصائل للحاق بحركة الشارع بعد أن تخلفت عنها، وهو مايفترض لقاء كل القوى الفلسطينية الـ (15) الموجودة في ساحة العمل الوطني الفلسطيني فيي سوريا، والكف عن المناكفات الكيدية والوصول إلى صياغة برنامج عمل وطني فلسطيني يحمي الوجود الفلسطيني في سوريا ويجنب الفلسطينيين من سلوك بعض المتهورين الذين يريدون إدخال اللاجئين الفلسطينيين في كرةة اللهيب السورية المشتعلة.
فقضية الوضع الداخلي السوري قضية سورية بإمتياز تقع على كاهل (23) مليون سوري وليس على كاهل نحو (650) ألف فلسطيني في سوريا لهم قضيتهم المركزية وبوصلتهم المشدودة نحوها.
واقرأ أيضاً: