كان اليوم جميلا، بشمسه الساطعة، وسماءه الزرقاء، مع أجواء العيد، العيد الأكبر. وكانت السوق لا تتسع للجميع، وقد اجتمع الناس على كل شيء، وعلى لا شيء.
في السوق الأسبوعية الكبيرة لهذه المدينة الصغيرة في منطقة الغرب، قررت أن أتجول دون توقف في الأرجاء ،فقد كللت من البحث في عالم الإنترنت الافتراضي، مقال أو كتاب للنشر؟ مؤسسة للاحتضان؟
تجولت كثيرا، تزاحمت مع البشر والماشية، زرت ساحة الحبوب، بائعي الدجاج، عارضي الخضر والفواكه، بائعي الأدوية ضد البرد والسكري والحصى والمثانة وجميع الأمراض.... وكل ما يباع ويشتري: الجميع يصرخ بأعلى صوته؛ يشهر سلعته، لعل الناس يقتنعون...
وأنا أغادر خارج مبنى السوق حيث الازدحام أيضا، إذا بموسيقى شعبية جميلة تنبعث من المكان؛ خمنت أنها الأبواق الالكترونية التي نابت عن المغنيين، لكن الناس تتجمع وتتجمع! لا: إنهم أشخاص حقيقيون!
الرجال الستة بلحاهم وهندامهم الأصيل، بأناقتهم وحضورهم، إنهم هم؛ أصحاب الفرقة العتيقة، الألحان الجميلة التي تمس المغربي في أعماقه، والكلمات الأصيلة التي تُبقي على أصالة الغناء الذي تغرب وتسرع كما سرعة الأكلات السريعة-، أكلات الخردة -كما يقولون- الناس مجتمعون، متحلقون، مستمتعون.
بقدر ما شدني العرض الشعبي، بقدر ما تساءلت: "ماذا تفعل المجموعة في الأسواق؟"
لم أنتظر الجواب طويلا، فقد كانت المنصة تعج بصور المحتضن الرسمي -نوع من الشاي المغربي- يباع من أجل ربح سلسلة من الذهب الخالص! وكان البائع غير بعيد عن المنصة وعن الجمهور الذي هو الزبائن ليس إلا...
تابعت النظر مسترقا النظر إلى هؤلاء الشوامخ، جلابيبهم بالأبيض والأسود تصرخ شعبية وأصالة، لحاهم وشعورهم المشتعلة شيبا -دون أصباغ-: "ها نحن أمامكم على حقيقتنا، فعل الزمان ما فعل بنا -ككل فنان أصيل- نصارع ومعه أرواحنا وأجسادنا". كأن لسان حالهم يقول ذلك.
وعازف الكمان ذلك، الجالس والمغمض عينيه انسجاما مع عزفه الناطق-كنت أخفض عيناي كلما فتح عيناه وتلاقت بعيناي المركزتين عليه-.
كان يريد أن يقول شيئا، وكنت أريد شيئا، لكنا سكتنا عن الكلام المباح.
أقفلت راجعا: "وماذا في ذلك؟ إنهم يغنون في الأسواق.. "
"ألم يشتهر أدبنا العربي في سوق كبيرة: عكاظ؟"، لكنهم يشهرون لسلعته ما، لربح هدية ما -ذهب- وفي ذلك ما فيه من خداع مقنع، إغواء وإدمان للزبون.. وإهانة -لم لا- للفنان الأصيل.
وبالأمس كانوا في معرض للمنتجات الفلاحية، وكانوا وكانوا ربما في أسواق أخرى... وذلك الفكاهي الذي لا يكف عن الصراخ، لأجل الطماطم، ولترويج الآلات الفلاحية، ولأجل التأمين للفلاحين. كنت أسأل نفسي ولا أجد جوابا، بل تساءلت: "ما أوصل الفن إلى ما وصل إليه".
أن يضطر الفنان إلى فعل ما هو كاره له، وغير مقتنع به، من أجل البقاء... بل يحز في النفس أن نرى أشباه الفنانين يُحتفى بهم ويكرمون في المهرجانات، وهم لا يقدمون شيئا سوى أجساد مائلة، وكلمات مائعة، وقفزات وغمزات...
ماذا لو كرمنا فنانينا لكي يبدعوا أكثر، ولا يسقطوا في فخ التسويق.
من آخر ما سمعنا، عن ذلك الفنان المراكشي الذي اعترف أنه يعيش على مساعدة بعض زملائه، وهو للأمانة ممثل جيد، أجود من الكثير من أولئك أشباه الممثلين الذين لا يقنعنا حضورهم البتة.
وعن الممثل الشيخ المحترف الذي اعترف أنه لولا الإشهار لما استمر في العيش.
هذا كله وتحية أصيلة إلى المجموعة الشعبية الأصيلة. مبدعة:
أش كاين
فين الحباب؟
مزين اللمة...
سير كون هاني....
واقرأ أيضاً:
ألعاب الفيديو قد تؤدي إلى مشاكل نفسية / أنت مهم ضع ملصقا على سيارتك