صادقت حكومة نتنياهو الأكثر فاشية وعنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني على بناء (900) وحدة سكنية في مستعمرة جيلو كجزء من خطة لبناء أربعة آلاف وحدة أخرى في القدس المحتلة. ووضعت حجر الأساس لمستوطنة أخرى في جبل المكبر. وهدمت العديد من المنازل العربية في سلوان والشيخ جراح والعيسوية.
وتمثل هذه الخطوة الجديدة تحديا لموقف الرئيس اوباما الذي أعلنه في جامعة القاهرة وطالب فيه بتجميد الاستيطان, ويعبر عن الاستهتار بالمفاوض الفلسطيني والاستهزاء به, ويعكس الإصرار الصهيوني على احتلال القدس بشطريها الغربي والشرقي لا يمكن التراجع عنه, وان القدس جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني, مما يدخل المنطقة في صراع مستمر الى ان يتم تحريرها من الاحتلال الصهيوني.
وتجسد هذه الخطوة إصرار الكيان الصهيوني على عدم الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة, وعدم. رغبته في إحلال تسوية عادلة وتحديا سافرا للنظم العربية التي وقعت معه اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد واوسلو ووادي عربة ولإرادة المجتمع الدولي.
وساعدت إدارة اوباما على هذا الصلف و الطمع الصهيوني بالموقف الأميركي الذي بلورته هيلاري كلينتون في زيارتها الأخيرة للمنطقة.
فالتقت وزيرة الخارجية الأميركية نتنياهو وخرجت من اللقاء متبنية للموقف الاسرائيلي.
والتقت محمود عباس وأبلغته: نتنياهو مستعد للتفاوض ولكنه لن يوقف الاستيطان, ونريد منكم العودة الى المفاوضات معه بدون شروط.
وهكذا تبنت إدارة اوباما موقف العدو الصهيوني, ودعت السلطة إلى العودة للمفاوضات بدون ضمانات وبدون مرجعية, كي يتمكن الكيان الصهيوني من فرض املاءاته على المفاوض الفلسطيني الضعيف والمروض والهزيل.
وهكذا نسف الموقف الأميركي الجديد بالتخلي عن تجميد الاستيطان الأسس التي قام عليها مؤتمر مدريد, والموقف الأميركي السابق من الاستيطان.
لقد رهن المفاوض الفلسطيني موقفه بموقف إدارة اوباما وبموقف الرباعية الدولية. وأثبتت المراهنة على الموقف الأميركي فشلها الذريع بسبب التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعدو الصهيوني ومعاداته للحقوق الفلسطينية وللعروبة والإسلام. وفشلت سياسة الاعتماد على الضغط الأميركي في تل أبيب.
وأدى الانحياز الأميركي الأعمى لإدارة اوباما للعدو الصهيوني إلى دعوة نتيناهو لمحمود عباس بالإعلان عن نهاية الصراع والاعتراف بيهودية الدولة والتخلي عن عودة اللاجئين إلى ديارهم.
وأذعنت إدارة اوباما وتراجعت عن وقف الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات. ونجح اللوبي الإسرائيلي ويهود الإدارة الأميركية بتطابق الموقف الأميركي مع الموقف الإسرائيلي.
جاء البناء الاستيطاني في حي الشيخ جراح في الوقت الذي طالب فيه اوباما بوقف الاستيطان, وبعد أن توجهت الخارجية الأميركية بطلب رسمي بوقف خطة لبناء (30) وحدة سكنية في الحي المذكور. وخرج نتنياهو إلى العلن, وأعلن في اجتماع حكومته رفضه للطلب الاميركي, وإن القدس بشطريها المحتلين عاصمة الشعب اليهودي ودولة "إسرائيل" والسيادة فيها تعود لليهود.
يؤمن قادة الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني والإسرائيليون ان الهجرة وترحيل العرب حق ديني لهم في ارض كنعان, وهبهم إياه يهوه لأنهم شعب الله المختار, وذلك لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين العربية. فالهجرة والاستيطان وترحيل الفلسطينيين تشكل أهم المرتكزات الأساسية لإقامة المشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي.
ويحتل الاستعمار الاستيطاني مكانة أساسية في الفكر السياسي الصهيوني, ويأتي في مقدمة البرامج السياسية للأحزاب والمنظمات والحكومات الإسرائيلية.
وقامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة العمالية منها والليكودية منذ تأسيس الكيان وحتى اليوم بمصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية, وتدمير القرى والبلدات والمقدسات العربية, وتهويدها وبناء المستعمرات اليهودية عليها.
وقام الاستعمار الاستيطاني اليهودي على أسس استعمارية وعنصرية وإرهابية شبيهة بالأسس التي قامت عليها نظم الاستعمار الاستيطاني في آسيا وإفريقيا, بل وأكثر شراسة ووحشية منها بترحيل السكان الأصليين من وطنهم فلسطين. ويخالف مبادئ القانون الدولي والعهود و المواثيق والقرارات الدولية.
وهنا لا بد من التنويه بالدور الكبير الذي لعبه ادولف هتلر, زعيم ألمانيا النازية في انجاح الاستيطان اليهودي وتكوين مجتمع يهودي لاول مرة في فلسطين عن طريق التعاون مع الصهيونية والوكالة اليهودية لتنظيف المانيا وأوروبا من اليهود وتهجيرهم سرا الى فلسطين فقط ودفع التعويضات لهم في تل ابيب بموجب اتفاقية هافارا.
ووفر المستعمرون اليهود القادمون من ألمانيا وأوروبا الشروط المادية لقيام الكيان الصهيوني بمساعدة حكومة الانتداب البريطاني والولايات المتحدة الأميركية.
واتسمت العلاقة بينهم وبين السكان الأصليين حتى يومنا هذا بإنكارهم حقوق الفلسطينيين في ملكية الأرض والثروات, وحقوقهم السياسية والإنسانية, والتصميم على إبادتهم وترحيلهم وتوطينهم خارج وطنهم.
إن التناقض بين الكيانات الاستيطانية وبين الشعوب الأصلية تناقض أساسي ووجودي, ولا يمكن ان يتعايش الكيان الاستيطاني مع السكان الأصليين, كما هو واقع الحال في فلسطين.
وقام الاستعمار الاستيطاني اليهودي على الاركان الثلاثة التالية:
أولا: تهجير اليهود الى فلسطين بمساعدة بريطانيا الاستعمارية والحركات اللاسامية والنازية والولايات المتحدة الاميركية.
ثانيا: ترحيل العرب عن طريق استخدام القوة والارهاب والمجازر الجماعية والحروب العدوانية والهولوكوست المستمر.
ثالثا: تدمير القرى والمدن والمنجزات الفلسطينية ومصادرة الاراضي والممتلكات وتهويد المقدسات وبناء المستعمرات اليهودية.
وساعد توقيع اتفاقات الاذعان والمفاوضات العبثية مع العدو على تكريس الامرالواقع الناتج عن استخدام القوة والحروب وكسر الارادات وشرعنة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والتهويد.
ويتصف الاستعمار الاستيطاني اليهودي بثلاث ظواهر:
1- الاستمرار في تكثيف الهجرة اليهودية وترحيل الفلسطينيين والاستيطان في الأراضي المحتلة وتهويدها.
2- الاستمرار بإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية والاعتداءات المستمرة وتدمير الاقتصادات والمنجزات وسرقة المياه العربية.
3- الاستمرار في ظاهرة الوكيل الاستعماري وخدمة مصالح الامبريالية الأميركية ومعاداة العروبة والإسلام ودول الممانعة والمقاومة.
ويتحمل الكيان الصهيوني المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والاخلاقية عن اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه, وهو السبب في نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وعدم حلها, مما ادى الى استمرار النكبة والظلم والغبن وانعدام الامن والاستقرار وعرقلة التنمية في المنطقة.
أدانت الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي الاستيطان اليهودي وطلبت من الكيان الصهيوني التوقف عن زرع المستعمرين اليهود في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة, واعتبرت ان التغييرات التي قام بها الكيان باطلة ولاغية, وعبر مجلس الامن في العديد من القرارات ومنها القرارين 446 , 465 ان المستعمرات لا تستند الى مشروعية قانونية وهي باطلة ولاغية.
إن الاستعمار الاستيطاني اليهودي هو أبشع ما حصل في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحالي, لأنه يدفع باليهودي إلى اغتصاب أرض عربية لا يملكها, والاستيلاء على منزل ووطن يخص الفلسطيني ورفع الاستيلاء على الأرض وتهويدها وإبادة العرب إلى مستوى القداسة الدينية التي كرسها كتبة التوراة والتلمود.
وبالتالي حول الاستعمار الاستيطاني المستمر اليهودي الى وحش كاسر متجرد من كل القيم القانونية والإنسانية والاخلاقية والحضارية.
ويتعارض الاستيطان مع مبادئ القانون الدولي والعهود والقرارات الدولية التي تؤكد على وجوب إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله وصوره, وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع وأخطر أنواع الاستعمار.
وجاء جدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية الخاصة بالمستعمرين والمستعمرات في القدس وبقية الضفة الغربية لتجسد الاستعمار الاستيطاني بأبشع صورة لالتهام المزيد من الأرض والمياه الفلسطينية, ولإظهار الوجه الاستعماري والعنصري القبيح للكيان الصهيوني.
لقد أثبت التاريخ أن مصير الاستعمار التقليدي والاستيطاني والنظم العنصرية إلى الزوال. وسيزول نظام الاستعمار الاستيطاني اليهودي من فلسطين العربية, كغدة سرطانية خبيثة في المنطقة. لذلك فالمطلوب العمل على تفكيكه كما جرى لنظام الابارتايد في جنوب أفريقيا.
واقرأ أيضاً:
أعمدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة / ينابيع الإرهاب الإسرائيلي / إسرائيل أخطر دولة إرهابية في العالم