الديمقراطيات العاصفة في مجتمعاتنا، تبدو في تشوش فكري وسلوكي أدى إلى تداعيات وتفاعلات سلبية ذات آثار ضارة على الواقع والمجتمع بأسره. ذلك أنها تناست أو تجاهلت الفوز الوطني وركزت على الفوز الحزبي أو الفئوي، ودحرت الوطن في الكرسي.
بينما يكمن في جوهر الديمقراطية الوصول إلى الفوز الوطني. فالذي يفوز بالإنتخابات لا يمكنه أن يحسب ذلك فوزا أو مكسبا حزبيا وشخصيا وكفى، وإنما لا بد من ذلك الفوز أن يكون وطنيا.
فالبلاد هي التي تفوز، والشعب هو الذي يفوز، وليس الأحزاب والأفراد والفئات.
هذا التشوش في الفهم والتقدير قد أجهز على العملية الديمقراطية وأحالها إلى جثة هامدة في مستنقعات الصراعات والوعيد. وهذا يعني بأن هذه المجتمعات تقوم بخلع عظام الديمقراطية وقلع أظافرها وفقأ عيونها، وتصنع منها مأزقا إجتماعيا وسياسيا مدمرا.
وما يدور اليوم في العديد من المجتمعات أن التجربة الديمقراطية أصبحت تجربة كرسي، ونزق الوصول إليه، مهما كانت الأثمان، ولكي تكون في الكرسي، عليك أن تبرر أية وسيلة قادرة على مساعدتك للإمساك به.
بينما في الديمقراطيات الحية المتطورة، تجد أن الوطن دوما هو المكلل بالظفر والتقدم والنجاح، ولا يمكن للفرد أو الحزب أن يحقق فوزا إن لم يكن الوطن هو الفائز، والذي يعني أن ذلك الحزب سيبذل كل طاقاته وإجتهاداته من أجل الوصول إلى حالة وطنية متقدمة عن الحالة التي سبقتها.
أما في المجتمعات الجاهلة بالديمقراطية وتدّعيها، فإن الانتخابات تأتي بمَن تأتي لكي يدخل في صراعات ومصادمات مع الآخرين، فيخسر الوطن خسارة فادحة وكذلك الذي تسلم السلطة، لأن الموضوع يتعلق بالمكاسب الذاتية والحزبية والفئوية بعيدا عن أي إعتبار وطني وإنساني. ولا يمكن وفقا لهذا، لأية ديمقراطية أن تسمي نفسها كذلك إذا لم تلتزم بالفوز الوطني أولا، وأن تكون القوى الفاعلة فيها صاحبة مشروع ورؤية وطنية ذات قيمة حضارية معاصرة.
فهل سنتعلم مهارات الفوز الوطني أم سنبقى معتقلين ومستعبدين بالكرسي الذي نسعى للفوز به وحسب؟
واقرأ ايضًا:
الدفاعية الثورية / صورة ثورة...! / مرسي والكرسي / الحكم بالأزمات / السقوط الثوري