مقدمة
هذه المراجعة تتعرض إلى عقار لا غبار على فعاليته في اضطراب الفصام، ولكنه أيضاً عقارٌ معروف بخطورة أعراضه الجانبية. السؤال الكبير متى يجب وصف هذا الدواء للمريض المصاب للفصام؟. الغاية من هذا المقال محاولة الإجابة على هذا السؤال لأن مثل هذا الجواب مرتبك مهنياً وغير واضح للطبيب والمريض على حد سواء.
نظرة عامة
رغم أن مرض الفصام يتم تصنيفه أحيانا رجوعاً إلى مصطلحات توصف الأعراض، ولكن في الممارسة العملية السريرية هناك:
1- فصام يستجيب للعلاج Treatment Responsive Schizophrenia.
2- فصام مضاد للعلاج Treatment Resistant Schizophrenia.
رغم أن علاج الفصام يشمل تدخلاً اجتماعياً ونفسياً وسلوكياً، ولكن العلاج بالعقاقير المضادة للذهان هو المركز الذي يدور حوله علاج أكثر الأمراض النفسية تحديا. يمكن تقسيم العقاقير إلى نوعين :
1- عقاقير مضادة للذهان باستثناء الكلوزابين Antipsychotic Drugs excluding Clozapine.
2- الكلوزابين Clozapine .
المجموعة الأولى لا تختلف بعضها عن البعض الآخر من ناحية الفعالية المضادة للذهان. هنالك عقاقير الجيل الأول التي قد تكون أكثر فعالية من عقاقير الجيل الثاني والعكس صحيح. العقاقير الأخيرة قد لا تسبب أعراض جانبية حركية بنفس مقدار عقاقير الجيل الأول، ولكن لها تأثيرًا سلبياً على تركيز السكر والدهون في الدم والمصاحب لزيادة في الوزن أبعد كثيرين من الأطباء عن الإفراط في وصفها. يضاف إلى ذلك أن أسعار عقاقير الجيل الثاني باهظة الثمن بعض الشيء مقارنة بعقاقير الجيل الأول. يمكن إيجاز استعمال العقاقير المضادة للذهان غير الكلوزابين بأنه يعتمد على تقييم الطبيب المعالج واستنتاجه بأن العقار الموصوف هو الأفضل لهذا المريض بالذات دون غيره. هناك اتجاه معاكس بدأ يظهر خلال الأعوام الأخيرة إلى عودة عقاقير الجيل الأول لاحتلال موقع الصدارة أحياناً.
الكلوزابين
الكلوزابين ليس بعقار جديد وقد بدأ استعماله في السبعينيات (1971). ثم تم سحبه من الأسواق بعد أربعة أعوام بعد أن تأكد أن كبحه لمخ العظم Bone Marrow Suppression قد يكون قاتلاً لبعض المرضى. كانت هذه التجربة القصيرة للعقار كافية لتثبيت حقيقة يؤمن بها كل ممارس في الصحة النفسية إلى اليوم وهي أنه أكثر العقاقير فعالية وبدون منازع. حاول العلماء بناء عقاقير مشابهة كيميائيا ولكن بدون جدوى. هذه الجهود أنتجت عقاقير جيل ثاني أقل فعالية وهناك ما لا يقل عن سبعة عقاقير تتشابه في فعاليتها ومتقاربة في أعراضها الجانبية. ثم عاد الكلوزابين إلى الأسواق مجدداً في عام 1989.
الكلوزابين عقار خطير وفعال في آن واحد. فعاليته في الفصام لا تقتصر على الأعراض الإيجابية فحسب وإنما تشمل الأعراض السلبية والمعرفية3. يضاف إلى ذلك أن معدل حالات الانتحار ينخفض بصورة ملحوظة. أما مشاكل وصف هذا العقار فيمكن التطرق إلى أكثرها شيوعاً كما يلي:
1. كبح مخ العظم وانخفاض خطير في عدد كريات الدم البيض5. يتم تجاوز هذا برفع الجرعة تدريجياً ومراقبة عدد كريات الدم البيضاء بصورة منتظمة وخاضعة لنظام مركزي للشركة المنتجة له.
2. أعراض جانبية قلبية تتطلب مراقبة منتظمة للفاعلية القلبية7. يكثر الأطباء من عمل تخطيط قلب كهربائي بصورة منتظمة كل 6 أشهر. وتخطيط القلب قلما يكشف عن التهاب العضلة القلبية بصورة مبكرة، وزيادة سرعة دقات القلب قلما يحتاج إلى تخطيط قلب لاكتشافه1.
3. زيادة في الوزن9 وإصابة المريض بمرض السكر في ما لا يقل عن 20 ٪ من الحالات. يمكن فرض بعض السيطرة على هذا الأمر بالعناية بالتغذية والوزن ومراقبة تركيز الدهون والسكر في الدم بصورة منتظمة. يلجأ بعض الأطباء إلى وصف عقار الأريبابروزول Aripiprazole وإضافته إلى الكلوزابين ولا توجد أدلة علمية تسند مثل هذه الممارسة ويجب توخي الحذر منها.
4. أعراض جانبية عصبية أكثرها خطورة نوبات صرعية 2 خاصة في جرعة يومية تتجاوز500 مغم يوميا. يلجأ الطبيب إلى وصف عقار الصوديوم فالبرويت Sodium Valproate وقائيا بجرعة 500 مغم يوميا للوقاية من الصرع. العقار الأخير قد يؤدي إلى زيادة في الوزن أيضاً.
اتخاذ القرار
الكلوزابين عقار تم حصر استعماله في الفصام المضاد للعلاج. والفصام المضاد بالعلاج تم تعريفه بعدم الاستجابة للعلاج بعد استعمال عقارين بجرع علاجية لفترة لا تقل عن 6 أسابيع لكل منهما. هذا التعريف لا يخلو من الإشكال. هناك ثلاثة مجموعات من الأعراض التي تميز الفصام وهي الأعراض الإيجابية (أو الموجبة Positive Symptoms ) مثل الهلاوس، الأعراض السلبية (أو السالبة Negative Symptoms ) مثل ضعف الدافعية، والأعراض المعرفية. يعتمد الطب النفسي في تقييمه للعلاج على استجابة الأعراض الإيجابية، ولكن الأعراض السلبية أشد تأثيراً على مستقبل المريض، والأعراض المعرفية يعتبرها الكثير مصدر الأعراض الأخرى. على ضوء ذلك فإن تقييم الاستجابة للعلاج خاطئة لاعتمادها على استجابة مجموعة واحدة للعلاج.
تلعب مجموعة الأعراض السلبية ومجموعة الأعراض المعرفية الدور الرئيسي في تقرير تأهيل المريض للعودة إلى صفوف المجتمع والعيش بصورة طبيعية. يعتبر الكلوزابين أكثر العقاقير تأثيراً على مجموعة الأعراض السلبية والمجموعة المعرفية8، وفعاليته على الأعراض الإيجابية أفضل بكثير من عقاقير الجيل الأول والثاني4.
هناك إجماع عام بأن العقاقير المضادة للذهان تستند إلى حصار مستقبلات الدوبامين في فعاليتها بصورة أو بأخرى. هذا الحصار يتم خلال بضعة أيام، والانتظار لمدة 6 أسابيع لا يتوازى مع الفعالية الجارية في الخلايا العصبية. يمكن القول بأن فترة الانتظار هذه تستحق المراجعة وربما فترة تتراوح بين 2 -4 أسابيع أكثر عملية في الممارسة السريرية.
الفصام مرض مدمر لشخصية الإنسان بكل معنى الكلمة وما لا يقل عن 10% من المرضى يودعون الحياة انتحاراً. والكلوزابين هو العقار الوحيد الذي ثبت بأن استعماله يؤدي إلى انخفاض معدل الانتحار في الفصام.
الخلاصة:
رغم أن الأعراض الجانبية لعقار الكلوزابين متعددة ولا تشمل ما تم التطرق إليه أعلاه فقط، ولكن فعالية الدواء تفوق بقية العقاقير المستعملة في الفصام. على ضوء ذلك لابد من عرض العلاج بالكلوزابين على المريض مبكراً وعدم الانتظار لفترة 12 أسبوعاً التي يصعب إثباتها علمياً. لابد من شرح جميع مشاكل العلاج بهذا العقار مع المريض والقرار قراره في نهاية الأمر، ولكن الفصام مرض مدمر في الكثير من المرضى، وربما وصف هذا العقار مبكراً قد يمنع ظهور الأعراض السلبية وتأهيل المريض للعيش بصورة طبيعية.
المصادر:
1- De Berardis, D.; Serroni, N.; Campanella, D.; Olivieri, L.; Ferri, F.; Carano, A.; Cavuto, M.; Martinotti, G. et al. (2012). "Update on the adverse effects of clozapine: Focus on myocarditis". Current drug safety 7 (1): 55–62.
2- Devinsky, O.; Honigfeld, G.; Patin, J. (1991). "Clozapine-related seizures". Neurology41 (3): 369–371.
3- Hartling, L.; Abou-Setta, A. M.; Dursun, S.; Mousavi, S. S.; Pasichnyk, D.; Newton, A. S. (2012). "Antipsychotics in Adults with Schizophrenia: Comparative Effectiveness of First-Generation Versus Second-Generation Medications: A Systematic Review and Meta-analysis". Annals of internal medicine.
4- Kane, J; Honigfeld G, Singer J, Meltzer H (September 1988). "Clozapine for the treatment-resistant schizophrenic: a double-blind comparison versus chlorpromazine/benztropine". Archives of General Psychiatry 45 (9): 789–796.
5- Meltzer HY (1997). "Treatment-resistant schizophrenia--the role of clozapine". Current Medical Research and Opinion 14 (1): 1–20.
6- Raja, M. (2011). "Clozapine safety, 35 years later". Current drug safety 6 (3): 164–184.
7- Ronaldson KJ, Taylor AJ, Fitzgerald PB, Topliss DJ, McNeil JJ. (2011). "A new monitoring protocol for clozapine-induced myocarditis based on an analysis of 75 cases and 94 controls.". Aust NZ J Psych 45: 458–465.
8- Wahlbeck K, Cheine MV, Essali A (2007). Wahlbeck, Kristian. ed. "Clozapine versus typical neuroleptic medication for schizophrenia". The Cochrane Database of Systematic Reviews (John Wiley and Sons LTD).
9- Wirshing DA, Wirshing WC, Kysar L, Berisford MA (1999). "Novel antipsychotics: comparison of weight gain liabilities". Journal of Clinical Psychology 60 (6): 358–63.
واقرأ أيضًا على مجانين:
الفصام / على هامش الشيزوفرانيا / الابن يفارق عائلته: قصة عقار وطب نفسي معاصر