من يجب أن يقود الشعب وحكومته؟
سؤال يثير الكثير من الجدال. في الحياة العملية وعلى أرض الواقع يتم إعطاء منصب وظيفي لإدارة شركة أو بنك لمن هو أفضل الناس تأهيلاً ومقدرة على القيام بهذا العمل. ترى البنوك العالمية تفعل ذلك وتعطي الرواتب الخيالية لمن يتولى إدارة البنك. تتصيد الجامعات العالمية أكثر الأفراد كفاءة من الرجال والنساء للقيام بدور عميد الجامعة أو رئاسة قسم، كذلك الحال مع إدارة الشركات العالمية في جميع قطاعات الحياة.
أما في المجال السياسي فالأمر غير ذلك. هناك أنظمة تعني بوراثة السلطة نسبتها في العالم العربي تفوق ما تراه في بقاع الأرض عامة وطبيعة وراثة السلطة يكاد يكون مرضياً في محتواه. هناك من يتسلم السلطة بالقوة وهو لا يختلف عن الأخير بكثير. وهناك بالطبع الإطار المثالي الديمقراطي، والذي بدوره لا يخلو من العيوب.
يختار الشعب بمختلف طبقاته إنساناً لمعايير لا عد لها ولا حصر ولكنها لا علاقة لها بكفاءته الإدارية لتسلم عمل أكثر تعقيداً من قيادة بنك أو جامعة. المعايير تميل الى العواطف أولاً وتتأثر بشعارات انتخابية مضللة. تم تدمير اليونان وإيطاليا بفضل ذلك، ولا أحد يرغب اليوم في قيادة أسبانيا. هناك من ينادي اليوم بتسليم قيادة البلد الى غير رجال السياسة من الماهرين والمعروفين بالتكنوقراط Technocrat.
القيادات العربية في هذا الزمان في وضع لا يحسد عليه. العراق وسوريا مهددتان بجفاف البيئة قبل 2050 بفضل سياسة الأتراك العدوانية، وجفاف اليمن سيحدث قبل ذلك. الربيع العربي لم يولد قيادة ترضي شعوبه، ولم يكن استقبال القيادة التونسية في الوطن نفسه مثيراً للإعجاب. الحرب الأهلية في سوريا ولا أحد يعرف مصير لبنان والأردن وفلسطين. أما الخليج العربي فتنتظره كارثة سكانية لم تستوعبها بعد منظمة التعاون الخليجي حيث أن القوة المحركة لاقتصاد البلد معظمها من شبه القارة الهندية وهذا ما حدث في فيجي وسيأتي اليوم الذي تدير به دلهي أمور أقطارهم. وأما محرك العالم العربي في القاهرة فلا يزال عاطلاً بعد انتخاب السيد مرسي الذي لم يدر مؤسسة حكومية من قبل.
من هذه المقدمة القصيرة لا بأس من العودة لحقبة تاريخية توضح من يجب أن يقود بلاد العرب والأمة العربية؟
لمحة تاريخية عن عثمان (رض)
كانت سنة 650 م فاصلة في سيرة الشيخ الفاضل الذي تجاوز عمره 75 عاماً، ونهاية لذروة سياسته الاقتصادية، الفكرية، العمرانية بل وحتى العسكرية. ما حدث في عام 651 كان مؤشراً لبداية خلافات داخلية في الأمة الإسلامية لم يفلح الحكام ورعاياهم على تجاوزها إلى يومنا هذا.
كان الشيخ مولعاً بهندسة الري ومواظباً على توفير مياه الشرب الصالحة للسكان، التي تشتهر بشحتها وعدم صلاحيتها في العالم العربي حتى في عصرنا هذا. تقول الأسطورة أن عثمان كان على رأس فريق من العاملين لإصلاح وتعميق أحدى الآبار، وحدث ما لم يكن في الحسبان وفقد الشيخ خاتم النبوة والخلافة. لم يفلح غطاس بعد الآخر في العثور على الخاتم وضاعت مع الخاتم أيام صفاء وهناء. كان وقع الحدث مؤلما على شيخ مسالم كبير السن وتولد عنده اقتناع حصاري (وسواسي) بأن الكوارث في طريقها إليه، وهذا ما حدث فعلاً منذ 651م حتى 6566 حين ودع الدنيا.
ورث عثمان، الابن الوحيد، ثروة هائلة وهو في العشرين من عمره. كان نصيبه من الثقافة وإدارة الأعمال التجارية عبر طرق اليمن وسوريا أكثر من شباب عصره. ساعده في ذلك نشأته الأرستقراطية، وسامته، وأناقته التي لم تفسدها آثار الجدري على وجهه. تزوجت أمه أروة بعد رحيل زوجها من عقبة وولدت أخوة لعثمان كان لهم دورهم في حياته أثناء أيام حكمه. كانت سيرته الذاتية على النقيض من سيرة الرسول الكريم، ولذلك كان إسلامه المبكر غير متوقع، ولا يفسره سوى تنوره الفكري والروحي وسعيه للعثور لمعنى لهذه الحياة.
اختاره الرسول الكريم ليقود هجرة أحد عشر رجل وأربعة نساء إلى الحبشة. لم يكن هذا الاختيار عشوائياً، وربما كان هدفه اقتصاديا بحتاً لمهارة عثمان التجارية. تقول المصادر أن رقية بنت محمد أنجبت له عبد الله الذي توفي طفلاً، وكان وقع ذلك شديداً على الوالدين. تزوج عثمان أيامها من رملة الفتاة الأرستقراطية وكان مهرها 40000 درهماً، وقيل أنه تزوج من أم كلثوم بنت محمد (ص) التي وصفته بأفضل الأزواج.
كان مولعاً بأمور الري وله الفضل بتحسين احتياجات أهل المدينة الأساسية من خلال مساندته المادية والاقتصادية. كان واحداً من قمة مواقفه الإنسانية التي تعكس طيبة قلبه مبادرته بالتصرف بالنساء الأرامل وأطفال بني قنيقاع وتصريفهم اجتماعيا. لم يكن محارباً، ولم يشارك فعلا في عمل عسكري، ولكنه كان مثال الرحمة، الكرم، العطاء، الثقافة، الرعاية بالنساء، الإخلاص الزوجي، والكفاءة بالعمل. باختصار ليس هناك من كره أو يكره عثمان.
لم يتأخر كرم الله وجهه علي بن أبي طالب في مد يده مبايعاً له. كذلك لم يكن في حساب جميع المتطلعين إلى السلطة أن الشيخ الذي جاوز عمره 70 عاماً سيعمر أكثر من عقد من الزمان. لم يكن جندياً ولا خطيباً، وكانت خطبته الرئاسية بضعة أسطر تركت ابتسامة على وجه الجماهير التي أرهقها الخليفة الراحل بقسوته عليهم، وعلى شخصه وأهله أيضاً.
كانت السنوات الست الأولى فترة زمنية لانتعاش حضاري، اقتصادي، عمراني، وفكري. صاحب تلك الفترة انفجار سكاني واختلاط عرقي كان له الأثر الكبير على المفهوم الديني والعرقي للقومية العربية. توفرت مياه الشرب أيامها وبنيت السدود بصورة منتظمة. قام أيضا بوضع الأسس لنظام الضرائب اعتمادا على تقييم الذات كما هو الحال في الغرب المعاصر. وسع مسجد المدينة رغم معارضة البعض، وبنى الأسواق وأجرها مقابل التموين المنتظم لفقراء الشعب. كذلك بُنيت محطات الخدمة على طرق السفر، وهي ظاهرة إن وجدتها في الشرق العربي اليوم لذهلت لرداءتها. توجه تفكيره الاقتصادي نحو البحر وأنشأ ميناء جدة والذي تقول الأسطورة أنه مكان ضريح حواء.
رفع إجراءات عمر الصارمة بشأن الملكية العقارية وامتلاك الأراضي، ومع ذلك ولدت طبقة أرستقراطية لم يكن هناك مجال لإجهاضها. بنى لعائلته قصراً في أطراف المدينة يقضي فيه راحته. مع تقدم العمر ترك أمور الدولة لسكرتارية معظمها من بني أمية التي أدركت ضعفه وشيخوخته للاستحواذ على السلطة. وكانت قمة إنجازاته جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بمصحف عثمان إلى يومنا هذا.
بدأ الصراع الطبقي ينمو بسرعة في السنوات الست الأخيرة من عهده. لم يكن الشيخ قادراً فكرياً وذهنياً على احتواء الفساد الإداري والاقتصادي لأقربائه، وكان انصياعه لهم عاكساً لسنوات طفولته. تملص الأقرباء من تحمل مسؤولية التصرف بالمعارضة السياسية، وأشاروا عليه باتخاذ إجرأت غير شعبية ضدها مما أدى إلى تضاعف المقاومة ضده، ويتجلى ذلك في موقفه من أبي ذر. ومع ضعف سلطته المركزية ومخططات مروان ومعاوية أصبحت الثورة ضد النظام أمراً مفروغاً منه.
كانت الثورة ضد النظام في وقتها جماهيرية نُظمت بعناية على مدى أكثر من عام. تميزت كذلك بأنها ثورة خلت من قيادة سعت للوصول إلى السلطة. جاوز عثمان يومها الثمانين ولم يكن قادراً على اتخاذ القرار الصائب ذهنياً، وانتهت الأمور بمقتله وتنحية بني أمية عن الحكم. تكثر أساطير التاريخ الإسلامي عن وصف قتله، من قتله، والإصرار على تسمية الثورة بالفتنة الكبرى. حمل جثمانه العشرة من أصحابه ودُفن خارج مدينة سعى في عمرانها.
سيرة عثمان على العكس من سيرة حكام العرب في العصر الحديث. كان ثري المال والأخلاق. كان مولعاً بتقنية هندسية لا يمتلكها أحد منهم اليوم. وفر لشعبه ماء صالح للشرب وبنى طرقا وخدمات يعجز حكام العرب في التفكير بها. وضع نظاما ضرائبيا وكان حريصا على النظام المالي للدولة. لم يكن صارماً مع الشعب، لذلك قلما تسمع ذكره في حديث الساسة والغلاة الذين يكثرون من ذكر عمر رحمه الله. فقد كان عمر فظاً غليظاً على كل من حوله وعلى نفسه أيضاً، عكس جبابرة يومنا هذا حيث أن طغيانهم لا يستهدف إلا شعوبهم.
إذاً ما هو الحل؟
لا ينفع الجدال. على الأمة العربية ومصر بالذات البحث عن شبيه لسيدنا عثمان.
واقرأ أيضاً:
التعليق: لم أقرأ قط في موقعكم الذي كان متميزا مقالا بهذه الجرأة على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
فهل الاضطرابات التي تحدث في مصر أثرت على اضطراب الدين والمعتقد لديكم !!!!!!!!!!
لا أدري من أي خلفيه عقدية منحرفة يتكلم صاحب المقال ومن أي نوع من الإباحية يجيب مستشاريه؟!
أرجوك يا دكتور وائل أن تنفي عن هذا الموقع خبثه وتعيد لنا الموقع كما عهدناه ناصحا أمينا على ديننا ودنيانا
فكل ما ينشر في صحيفة أعمالكم يوم القيامة ولا تريد لكم إلا كل خير ....هداكم الله وردكم إلى دينه ردا جميلا