نظراً لأهمية فلسطين التاريخية والدينية وموقعها الإستراتيجي بين آسيا وإفريقيا، بين بلدان المشرق والمغرب العربي قرر الاستعمار البريطاني إقامة كيان (إسرائيل) في فلسطين، قلب الوطن العربي كنقطة ارتكاز وانطلاق للتحكم بالمنطقة العربية وثرواتها وإراداتها، وكإسفين لفصل البلدان العربية الأسيوية عن البلدان الإفريقية.
الشرق أوسطية مصطلح سياسي النشأة والاستعمال، ولا ينبع من سمات المنطقة وطبيعتها السياسية أو الثقافية أو الحضارية أو الديمغرافية، بل يرمي إلى إضفاء الشرعية على الكيان الصهيوني في فلسطين العربية وتوليه قيادة المنطقة والقضاء على الوحدة العربية والأحزاب والحكومات القومية، وهو صهيوني - استعماري النشأة لخدمة الأهداف والمصالح الصهيونية والإمبريالية.
كتب تيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة عام 1897 في يومياته يقول بوجوب "قيام كومنولث شرق أوسطي يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل ودور اقتصادي قائد وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية".
وأبرز ضابط البحرية البريطانية الفرد ماهان مصطلح الشرق الأوسط في مقال كتبه في الأول من أيلول عام 1902 في لندن، ثم استخدمه فالنتاين شيرول مراسل التايمز اللندنية في تشرين الأول عام 1902 و 1903 في سلسلة من المقالات تحت عنوان "المسألة الشرق أوسطية"، ثم أصدرها في كتاب عام 1903.
صدر في عام 1907 في لندن تقرير كامبل بنرمان، وزير المستعمرات آنذاك والذي وضعه مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد، وبمشاركة عدد من السياسيين الأوروبيين وتناول الوضع في المنطقة العربية وجاء فيه:
{يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقومات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة}.
ويتساءل التقرير عن مصير المنطقة إذا انتشر فيها التعليم والثقافة ويجيب بأنه إذا حدث ذلك فسوف تحل الضربة القاضية بالامبراطوريات القائمة. ووضع المؤتمر الاستعماري المذكور المخططات والوسائل الكفيلة لإضعاف الوطن العربي وتسهيل السيطرة عليه وعلى شطآنه واحتواء إراداته وطاقاته وثرواته ومنع تطوره وتقدمه ووحدته.
وحدد الوسائل والأساليب للوصول إلى ذلك بما يلي:
أولاً: إقامة حاجز بشري غريب وقوي مانع يفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي، وإقامة قوة قريبة من قناة السويس عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية.
ثانياً: العمل على تجزئة الوطن العربي إلى دول وكيانات متعددة.
يهدف التقرير إلى إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، والسيطرة على الموقع الجيوإستراتيجي الهام للوطن العربي وعلى قناة السويس، ونهب ثرواته الطبيعية والحيلولة دون تطوره ودون تحقيق الوحدة العربية.
بدأت الصهيونية تعمم هذا المصطلح - مصطلح الشرق الأوسط - بديلاً للوطن الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، نظراً لأنه ملتقى القارات الثلاث ويشرف على أهم الممرات المائية كقناة السويس، ومضيق باب المندب، والخليج، وخليج العقبة ومضيق هرمز، ويختزن أكثر من ثلثي احتياطي النفط العالمي. وتخشى الصهيونية والاستعمار من إقامة دولة اتحادية عربية قوية وغنية ومسلحة بالثروة النفطية والقومية العربية والعقيدة الإسلامية.
احتلت المنطقة مكانة هامة في التنافس الاستعماري بين دول أوروبا الاستعمارية وبالتحديد بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على الهند (المسماة بدرة التاج البريطاني). وجاءت حملة نابليون على الشرق في هذا الاتجاه ولكنها فشلت أمام أسوار عكا فعاد إلى فرنسا.
ظهر في لندن عام 1909 كتاب بعنوان: مشاكل الشرق الأوسط لمؤلفه هاملتون وضّح فيه أهمية المنطقة لأوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها. وأعلن الحاكم البريطاني على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الأوسط، وكلّفها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق.
واقترح الإرهابي فلاديمير جايوتنسكي عام 1922 مشروعاً لإقامة سوق شرق أوسطية. وحددت الحركة الصهيونية عام 1942 أهدافها التوسعية وسيطرتها الاقتصادية على الوطن العربي في مؤتمر بلتمور الصهيوني، الذي يعتبر أهم مؤتمر صهيوني بعد المؤتمر التأسيسي في بازل على الشكل التالي: (إقامة قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله في ميداني التنمية والسيطرة الاقتصادية) ووضع الصهاينة دراسات ومذكرات حول "الشرق الأوسط" في عامي 1941 و 1942، وأنجزوا مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط لمواجهة الكتاب الأبيض لحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين ويتضمن المشروع العمل على قيام تعاون سياسي واقتصادي يمنع التصادم بين العرب واليهود، ويدمج فلسطين وبقية بلدان المشرق العربي.
غرس يهود بريطانيا والولايات المتحدة فكرة الشرق أوسطية في صلب السياستين الأمريكية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية.
طُرحت فكرة التعاون الاقتصادي بين بلدان منطقة الشرق الأوسط لأول مرة في 18 تشرين الثاني 1943م، وذلك في اجتماع عقد بين ممثلين عن وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية في لندن، بمقر وزارة الخارجية البريطانية للتباحث في تسوية وضع الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان مصالح البلدين في المنطقة والهيمنة عليها.
أعد اليهودي الأمريكي د. أرنست بيرجمان "أحد تلامذة حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية العالمية"، مذكرة قدمها للاجتماع، ويمثّل فيها تهويد فلسطين جوهر الخطة الأمريكية والقائمة على هجرة اليهود إلى فلسطين العربية وإقامة (إسرائيل) فيها، وتحويلها إلى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية في المشاريع والمخططات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ظهرت "الشرق أوسطية" كفكرة "إسرائيلية" لأول مرة في وثيقة أصدرها "اتحاد إيهود" بتاريخ 28/3/1948 وتضمنت "التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع"، ووقعها عن اللجنة التنفيذية للاتحاد المذكور: يهودا ماغنس، مارتن بوبر، ديفيد سيناتور، جيرت ويليلم وإيزل مولهو.
وضعت الصهيونية وبريطانيا مخططاً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين العربية من خلال:
أولاً: تهجير اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها وترحيل العرب عنها وتوطينهم في البلدان العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني عن طريق المجازر الجماعية والحروب العدوانية وبناء المستعمرات اليهودية.
ثانياً: الانطلاق من الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والمفاوضات لفرض اتفاقات إذعان على بعض الأطراف العربية.
وولّد تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية، تحدياً مصيرياً للعرب والمسلمين كافة، وأحدث انقطاعاً في التواصل الجغرافي العربي واستنزافاً في الموارد الاقتصادية للبلدان العربية، وأصبح الكيان الصهيوني أداة عسكرية في يد الدول الاستعمارية للحيلولة دون وحدة العرب وتطورهم ولإذلالهم وإخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.
اقترح بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني على الرئيس الأمريكي إيزنهاور بتاريخ 24/7/1958 في رسالة وجهها إليه "إقامة سد منيع ضد المد الناصري (أي التيار القومي) وللوقوف أمام التوسع السوفييتي من (إسرائيل) وتركيا وإيران".
فشلت جميع المساعي الأمريكية والبريطانية في فترة الخمسينيات في إخضاع البلدان العربية للهيمنة الإمبريالية. ففشل حلف السنتو، وحلف بغداد، ومشروع جونسون للتعاون المائي بين الأردن و(إسرائيل)، ومشاريع التوطين، ومبدأ إيزنهاور، نظرية الفراغ للحلول محل فرنسا وبريطانيا في المنطقة.
إن مفهوم العروبة، والأمة العربية، والدولة العربية الواحدة أقدم بكثير من مفهوم الشرق أوسطية. وتعود جذوره إلى أعماق التاريخ في المنطقة.
واقرأ أيضاً:
أعمدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة / ينابيع الإرهاب الإسرائيلي / إسرائيل أخطر دولة إرهابية في العالم / الاستعمار الاستيطاني غدة سرطانية خبيثة