توقف الكلب الأعرج، بجوار شجرة منهمكا في التبرز، بعدها ركل برازه، وعوى يعدو. سمع عطا صوت العواء، فظهر من غطسه في مياه الترعة ليرى إن كان قد حدث شيء لدجاجاته. وقد فتح فمه يتنفس، حيث كانت ذبابة تطن بقرب وجهه، انجرفت مع هواء تنفسه. شرق واضطر لابتلاعها غاضبا مما زاد توتره وألهب دماغه.
ألوان الشفق، فوق الظلال الخضراء لأحراش الشاطئ من غاب وتين شوكي. بينما تماوجت مياه الترعة إثر ضربة قوية من كف عطا فاختلطت الألوان. وصاح في صوت منهار: "... كلب الغرزة هيخلص على الفراخ..."
والغرزة تجاور عشته، على حافة الترعة حيث تعَود الاستحمام. الكلب الأعرج كان صديقه، قبل أن يغوى أكل الدجاج. حك قفاه شاكا: "... يمكن شم الحشيش قلب كيانه...". رفس الماء بقدميه واستدار كمن يواجه خصما: "... خمسين سنة عمر ويعكر دمك الكلب ابن الغبرا دا...". لمح ظل رجل فانسل في عومه تحت الغاب خشية يكون جاره صاحب الغرزة "سليمان".
ضبطه مرة متلبسا بضرب الكلب بطوبة، فصرخ فيه: "... ضربة تاخد أجلك، أحسن منك، عويل ومن غير فايدة..". نعم، هو يعرف ذلك، فالكلب الأعرج صار أحد ناضورجية سليمان. وكم ألح عليه يوما ليعمل معه، وعطا يكح مرة ويتنحنح أخرى رافضا. فيغضب سليمان ثائرا: "... طب بطل تشم... وانقل عشتك بعيد عني..".
وقتها تلوى عطا، وقد انقلبت عيناه واتسعت فتحتا أنفه في تشنج، وانفتح فمه إلى أقصى مداه، وصوته يخرج من فمه فحيحا: "ودين النبي أبلغ عنك، عشتي هنا قبل غرزتك، اسأل بهية اللي جابتك.." وقتها أعطاه سليمان ظهره مبتسما في اقتناع: "داهية، الراجل اللي مينفعش النسوان يقعد طول عمره جبان.."
كاد عطا يبكي غاصا بالذكريات المرة، لكنه اكتفى بالبصق في عنف، مطوحا رأسه إلى الوراء متشنجا، لحظتها شاهد وجه الذئب يطل عليه من خلال عيدان الغاب. اتسعت حدقتاه، وازداد بياض عينيه، وتقدم في عناد نحو الشاطئ عريانا متوترا مرتجف الساقين. وقد تسلح بفرع شجرة قوي جاف. والوحش يتقدم متأهبا للهجوم، وعيناه تبرقان، وفجأة هجم قافزا في الهواء، ليتلقاه عطا غارسا الفرع الجاف في أحشائه، ليسقطا معا في الماء.
يسارع بالعوم بعيدا، ثم يلتفت مرعوبا ماسحا ببصره سطح الترعة، فإذا صفحة الماء قد ازدادت احمرارا، وهو لا يدري إن كان السبب دم "الوحش" أم لون شفق المغيب.
طلع من الماء منهوكا عاريا، وقد زايله التوتر. ولأول مرة يحدق في الأفق، حيث تسقط الشمس، دون أن يظلل بكفه عينيه. وتكشف لوعيه في لحظة، أن الليل يأتي ليس بحلول الظلام، وإنما بغياب الشمس خلف المنازل.
أخذ نفسا عميقا. بصق فوق التراب، وركل بصقته بقدمه الحافية في حركة آلية، وأخذ يدندن في ألفة غير مبال بعريه.
واقرأ أيضا:
يوميات قرص دواء ! / الحاكم الذي أعاد إنتاج بلهنية الخليفة هارون الرشيد !! / قصة لخينعة ينوف ذو شناتر