أزمة العقل العربي الأساسية تتركز في التكبل بقيود الماضوية، والثورة التي تسقط في حبائل الماضوية ستقضي على نفسها وجيلها وتدمر مكانها الذي وُلدت فيه. فالماضوية حالة تدحرجية إلى الوراء، واندفاع متسارع في نفق الاندثار والتوحل في موضوعات لا قيمة لها ولا معنى في الزمن المعاصر. فالعقل العربي في أماكن عديدة منشغل بقوة ونشاط في حل مشاكل سكنة القبور، وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وكأن الدنيا تستقيم بهذا السلوك المناهض لقوانين الحركة والتقدم، وفيزياء الوجود الأرضي.
والملاحظ أن طاقة الدمار العربي الهائلة، إنما هي طاقة ماضوية فاعلة وممزقة للوجود المعاصر ومبددة لطاقات الحياة بمرتكزاتها المتنوعة.
وبعض الثورة التي شيدت أنظمتها السياسية، أخذت تعبر عن هذا الانحراف الفكري والحضاري، وتمعن في الانغماس بالماضوية بعيدا عن أنوار العصر وتطوراته المتسارعة. وقد أخذنا نسمع بعض التصريحات ونقرأ عن هذا النهج القتال الذي ربما سيفترس الثورات العربية، ويصيبها بمقتل، لأنها ربما ستفقد قدرات التمييز ما بين عقيدتها وزمنها، وما بين ما تراه وما هي تريده، وفي هذا انتكاسة حضارية وارتداد فكري ومعرفي فتاك.
إن المزج ما بين الرؤية الثورية والحالة الماضوية يُعدّ انتحارا ثوريا مروعا. فالثورة يجب أن ترتقي إلى غايتها الأساسية ودورها الرئيسي الذي يمنحها صفة الثورة، وهو ديمومة التغيير والتحرك إلى أمام، بعيدا عن المكبلات والمعوقات والتصورات التي تحدد حركتها وتمنعها من الوصول إلى الهدف الذي جاءت من أجله، أو تئدها في زنزانة التفاعلات الماضوية الخاسرة. فالماضي حالة انقضت وأنجبت دروسا وعبرا، على الأمم أن تفهمها وتتعلم منها، وتنأى بذاتها عن أخطائها وسقطاتها المكلفة.
أما أن يتحول الماضي إلى مطب، أو مستنقع من الأوحال ترمى فيه الأجيال، فإن الوجود الوطني والإنساني سيكون مصيبة على الجميع. فهل سنتحرر من أصفاد الماضي ونوقد أنواره في قلوبنا وعقولنا، أم سنكون عالة عليه؟
طرقناها وما فُتِحت بيومٍ
لأن الطرق من شيم الحيارى
مفاتيحٌ لأبوابٍ وبابٍ
إذا مُلكتْ دخلناها كبارا
ومن طلب المعالي سوف يرقى
ويدري في مصاعبها تبارى
واقرأ ايضًا:
الحكم بالأزمات / السقوط الثوري / الفوز للكرسي أم للوطن؟ / الشك الثوري