لكل إنسان قابلية وطاقة يتعامل من خلالها مع المحيط الذي يعيش فيه. الإنسان في عملية استقبال وتحميل مستمر للحوافز من جميع الأنواع، والتي يمكن تصنيفها إلى مجموعتين:
1- مجموعة التحميل المعرفي Cognitive Load .
2- مجموعة التحميل العاطفي Emotional Load .
يكثر استعمال المصطلح الأول في علاج وتأهيل المرضي المصابين بجروح الدماغ الصدمية. يجب على الفريق المعالج الانتباه الى أن وضع جدول يومي للفعاليات المعرفية المتعلقة بالذاكرة والتركيز والتوجيه، يتطلب مراعاة قدرة المريض على استيعاب المعلومات التي يتم تقديمها والمطلوب معالجتها فكرياً. السبب في ذلك يعود الى أن قابلية المريض لاستيعاب المعلومات وتصريفها ومن ثم خزنها، تقلصت بسبب جرح الدماغ الصدمي.
متى ما تجاوز هذا التحميل عتبة معينة تكون نتائجه عكسية تماماً، وقد تؤدي إلى تدهور الوظائف المعرفية6 التي كان الهدف تحسينها. زيادة التحميل المعرفي بجميع أنواعه يمكن تسميتها بالتحميل المعرفي الزائد Cognitive Overload.
لا يقتصر التحميل المعرفي الزائد على المصابين بجروح الدماغ وإنما يشمل كذلك المرضى المصابين بالعاهات التعليمية، الفصام، الاكتئاب.
كما إن للإنسان سعة معينة لاستيعاب المعلومات المعرفية فإن له سعة معينة لاستيعاب الحوافز العاطفية. يستقبل الإنسان حوافز متعددة يوميا يكون تأثيرها عاطفياً وليس معرفياً. عندما يستمع الإنسان لشخص يمر بأزمة في الحياة فما يتم استقباله حديث عن مشاعر مثل القلق والخوف والاكتئاب. وظيفة من يستمع هي الاستماع فقط والتعبير عن تفهمه لمشاعر من يستمع إليه، ولكن ذلك يصاحبه تحميل عواطف شعر بها أثناء الاستماع.
تتعدد التطبيقات على التحميل العاطفي الزائد في مجال الممارسة السريرية للطب النفسي وفي الحياة الاجتماعية. يتميز المرضى المصابين بالفصام بعدم قدرتهم على تحميل العواطف مقارنة بغيرهم من الأفراد وهذا أحياناً يفسر عزلتهم تجنباً للتحميل العاطفي الزائد والذي بدوره قد يؤدي إلى ظهور أو زيادة شدة الأعراض الفصامية مثل الهلاوس السمعية. يستعمل مصطلح تعبير العواطف عالياً Highly Expressed Emotions للتعبير عن هذه الظاهرة التي تكثر ملاحظتها في المحيط العائلي للمرضى المصابين بالفصام4،5. لا يقتصر التأثير السلبي لهذه الظاهرة فقط على المريض فقط وإنما يشمل كل فرد من أفراد العائلة.
هناك تطبيقات مشابهة للتحميل العاطفي الزائد وتأثيره سلبياً كذلك على المرضى المصابين بالاضطرابات الوجدانية1، القلق، والحصار المعرفي2،3.
العلاج النفسي والتحميل الزائد
العلاج النفسي الكلامي والسلوكي هو في نهاية الأمر علاقة بين معالج ومريض. على المعالج الانتباه إلى التحميل الزائد، المعرفي والعاطفي، على المريض أولاً وعلى نفسه ثانياً. ترى الكثير من المرضى يتجنبون العلاج الكلامي منذ البداية، وهناك من الأطباء الذي لا ينصح بعلاج كلامي لمريضه لإدراكه بعدم قدرة مريضه على التحميل المعرفي والعاطفي.
أما المعالج النفسي فعليه توخي الحذر بعدم حمل عواطف المريض المكثفة والمعقدة معه والالتزام بمواعيد ومدة العلاج الكلامي وعدد الجلسات العلاجية. هناك الكثير من المعالجين الذي يمتلأ حماسا لسماع قصة مريضه في البداية، ولكن بعد جلسة وأخرى يدرك بأن الاستماع أمر وتغيير المريض وظروفه أمرٌ آخر. من جراء ذلك يصاب المريض ومعالجه بخيبة الأمل.
التحميل الزائد في الحياة اليومية
يمكن توسيع قاعدة التحميل العاطفي والمعرفي الزائد في الحياة اليومية. هناك من الآباء والأمهات من يكثرون في تحميل أطفالهم معرفياً وعاطفياً من عمر مبكر. من جراء ذلك ترى التحميل المعرفي الزائد لا يسمح للطفل بالنمو بصورة طبيعية ويفقد الثقة بالنفس وتصبح مهمته فقط طاعة الوالدين وتلبية أوامرهم. أما التحميل العاطفي فهو كثرة تذكير الطفل بالعقاب وزرع الخوف في أعماقه لأتفه الأسباب. هذه القاعدة تمتد إلى محيط التعليم، العمل، والعلاقات العاطفية،
العصر الحديث يتميز كذلك بكثرة مصادر المعلومات الإخبارية والثقافية. على سبيل المثال كان الإنسان سابقاً يقرأ الصحيفة اليومية ويستمع إلى نشرة أخبار واحدة تذاع من قناة إذاعية أو تليفزيونية. أما اليوم فإن عدد القنوات الإذاعية الإخبارية العربية والأجنبية لا عد له ولا حصر وتبث الخبر نفسه أو غيره عشرات المرات. هناك من الأفراد الذي لا يجلس دون أن يستمع إلى قناة إخبارية لا تتوقف عن الكلام وتتجاوز ما يمكن للإنسان أن يتحمله معرفياً. يضاف إلى ذلك أن النشرات الإخبارية التلفزيونية لا تقتصر على التحميل المعرفي الزائد وإنما تتجاوزه إلى التحميل الصوري. التحميل الصوري قلما يسند الخبر كما يتصور البعض من جراء التأثيرات التكنولوجية وإنما وظيفته عاطفية تربط الخبر بالعاطفة. من جراء ذلك لا يتم تحميل الخبر معرفياً فقط وإنما عاطفياً كذلك.
يمكن توسيع تطبيق الظاهرة الأخيرة على الاستعمال العشوائي المستمر للإنترنت والفيس بوك واليوتيوب. جميعها تسعى إلى تحميل معرفي وعاطفي زائد.
نتائج التحميل الزائد:
لا توجد نتائج إيجابية للتحميل المعرفي أو العاطفي الزائد. يمكن تلخيص نتائجها السلبية بأنها تؤدي إلى تحرك تراجعي Regressive في الإنسان. التجميل المعرفي الزائد يؤدي إلى تدهور في الأداء يصاحبه تقلبات في المزاج. التحميل العاطفي الزائد يؤدي إلى تقلبات في المزاج وتحرك تراجعي سلوكي من جميع الأنواع.
من جراء ذلك يجب على الإنسان في الحياة اليومية الانتباه إلى التحميل المعرفي والعاطفي الزائد وتأثيره السلبي على الحالة العاطفية والوجدانية. التأثير السلبي الوجداني بدوره قد يؤثر سلبياً على المحيط العائلي والعلاقات الاجتماعية، ويا حبذا لو أغلق كل إنسان القنوات الإخبارية قبل موعد نومه بساعتين على الأقل.
المصادر:
1. Asarnow JR, Tompson M, Woo S, Cantwell DP (December 2001). "Is expressed emotion a specific risk factor for depression or a nonspecific correlate of psychopa-thology?". J Abnorm Child Psychol 29 (6): 573–83.
2. Butzlaff RL, Hooley JM (June 1998). Expressed emotion and psychiatric relapse: a meta-analysis.. Arch. Gen. Psychiatry 55 (6): 547–52.
3. Hooley JM (2007). "Expressed emotion and relapse of psychopathology". Annu Rev Clin Psychol 3: 329–52
4. Hooley JM (2007). "Expressed emotion and relapse of psychopathology". Annu Rev Clin Psychol 3: 329–52
5. Raune D, Kuipers E, Bebbington PE (April 2004). "Expressed emotion at first-episode psychosis: investigating a carer appraisal model". Br J Psychiatry 184: 321–6.
6. Sweller, J. (1988). "Cognitive load during problem solving: Effects on learn-ing". Cognitive Science 12 : 257-258.
واقرأ أيضاً:
التعلق Attachment / اضطراب الأسبرجر : أبعاد اجتماعية وصحية وحضارية / الاضطراب الوهامي من النرويج إلى القاهرة / الطب النفسي عبر الثقافات