(قصة قصيرة من الخيال العلمي!)
ما أن أمسكني الرجل حتى سقطت من يده وتدحرجت بعيدا! ركع الرجل وأمسكني ليفركني بين أصبعيه فيزيد من إلتصاق الغبار بي، همس لزوجته: "يمكن نصه نشا!"؛ وردت: "تفاءل خير". ثم أعقبت "الليلة أنا شفت خير الله يجعله خير...."، فارتفع صوت الرجل : "نا نفسي أشوف زيك ليه أنا دايما مضغوط كده؟!"؛ وفي حين كنت أنزلق مسرعا في مريئ الرجل إلى معدته سمعت الزوجة تهدئ من روعه هامسة: "الله يكون في عونك طول النهار الشفل بيهد حيلك وأنا قاعدة في البيت لا بيّ ولا عليّ". ثم أردفت مبتسمة في وجهه: "وبعدين أنا إيه وإنت إيه إحنا واحد وإلا إيه!؟" ولمست كمه مداعبة.
وقتها كنت قد حللت بالمعدة مسرورا بحامضها يذيبني بعد أن كنت أسير الجفاف، وطالما كنت جافا كنت عاطلا عن العمل؛ فالذي يجهله الكثير أن القوة لا تكمن في الجفاف رغم اعتزازنا بأعمدة المباني الجافة الصلدة وعظام البدن الجافة الصلدة. عموما أنا منذ حللت في حضن الحامض المعدي صار هدفي الوصول إلى هلام المخ فهناك وظيفتي، وأنا أعتز بها لأنها -وهذا رأيي- وظيفة تنتمي إلى وظائف القوة السائلة؛ فكلما سالت القوة كلما زاد شأنها وتعالت سيطرتها. فالماء قوي ويفجر أقوى البنيان وحتى الجبال، وتظن أنه أقوى من بخار الماء؛ لكن بخار الماء أقوى وأشد تأثيرا.
هكذا تحولت حتى وصلت إلى سيولة عالم النانو، حيث أنا الآن أعوم في هلام المخ؛ تحيط بي من كل جانب ذرات الأملاح والمعادن وإلكترونات تدأب في همة وحمية كل يسعى إلى مبتغاه كما هو شأني. وإذا بي أحتك بكراكيب الذكريات، هذا الرجل يمتلك كمية كبيرة جدا من الكراكيب تعوق حركة مرور مخه؛ وصار لدي هدف جانبي على القيام بها بجوار وظيفتي الأساسية. تمثلت في تنظيم المرور بين خلايا المخ ووصلاتها، محاولا التخلص من بعض الذكريات شديدة التعقيد والتي تعوق بمرارتها حركة السير؛ إذ تقف معترضة سير العمليات الذهنية بحجة حاجتها لحل قضاياها أولا. فهي تمارس شبه احتجاج، أو مظاهرة مطالبة بما تدعيه من حق؛ وأنظر إلى ما بيدها من مستندات فأجدها خلوا إذ ربما بسبب شدة اضطرابها أخفقت في لم شتات حيثيات ظلمها.
قمت بقذف بعض الكراكيب جانبا منظما للمرور فإذا ببعض الذكريات الحمقى الطائشة تندفع من خلفي بسرعة فائقة عائمة في هلام المخ وتتمكن من الوصول إلى سطح وعي الرجل، لتظهر على شكل كابوس مرعب؛ رغم تمتعه بنوم مريح وكاف قبل اندلاع الكابوس.
همست الزوجة شأنها كل صباح: "الله يجعله خير شفت....."، قاطعها في حيرة: "بلا خير بلا شر أنا الليلة حصل لي كابوس فقت منه بأعجوبة"؛ همست وقد تخلت عن حكي حلمها إزاء طارئ كابوس زوجها: "مع إنك تعشيت خفيف يا ترى إيه السبب؟!". قال الرجل : "هو قرص الدواء ابن الكلب يا ليتني سبته على الأرض"، علقت الزوجة: "أوعى تبطله مش نمت كويس دا إنت كنت طول الليل صاحي رايح جاي"؛ همس الرجل: "صحيح نمت بالك نومي زاد عن اللازم!؟".
أطاع الرجل زوجته وصار يتناولني كل ليلة، لأتسلل منسلا إلى هلام المخ؛ محاولا تنظيم المرور المخي. كان الرجل بحاجة للنوم للتخلص من كراكيب ذاكرته عبر الكابوس شأن من لايكف عن الأكل وقد يضطر إلى القيء ليتخلص من كراكيب أكل يملأ معدته، اذ كان الأرق يعرضه لمزيد من ذكريات تضاف جبرا وقسرا إلى مخ مزدحم وليس بحاجة لمزيد؛ جهنم فقط تقول هل من مزيد أما المعدة والمخ فلهما رهافة تؤدي بهما إلى المرض. أنا لاشأن لي بتخمة المعدة، أنا مختص بتخمة المخ.
الرجل كان مخه مزدحما جدا بمركبات عصبية وكراكيب ذكريات ما بين حديث وقديم؛ وكلما نجحت في تنظيم نسبي لمرور مخه كلما انفلتت كركوبة ذكرى هائجة في إعصار سريع تحرق فروة رأسه متجاوزة سرعة الإفلات العقلي فتنجح في تكدير ليلة نوم كاف بكابوس مرعب.
لكن الرجل تعود على الكابوس يختم نومه، ومع الزمن تخلص من الكثير من كراكيب ذاكرته بفضل تنظيمي لمرور مخه؛ لتتوقف إعصارات السرعات التي تنفلت بها بعض الكراكيب فائقة السرعة في صورة صواريخ كابوسية. حدث كل هذا بسببي مما أشعرني بقدر كبير من الإرضاء يكفيني لحين العثور على إنسان آخر، يحتاج تنظيم مرور كراكيب الذاكرة في هلام مخه.
واقرأ أيضا:
الوحش! / الحاكم الذي أعاد إنتاج بلهنية الخليفة هارون الرشيد !! / قصة لخينعة ينوف ذو شناتر