الثورة السورية بين العنف واللاعنف4
إننا في ارتباك وتشوش، وكثير منا يطلب عن حسن نية ما فيه الشر لنا، ولا أمل لنا إلا في الله والتوكل عليه، فلنجتهد في ذلك ولن نخسر شيئاً، فقولة حسبنا الله ونعم الوكيل ذِكْر يكتب لنا أجره، وحصن نلجأ إليه واثقين من حفظ الله لنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم : {كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل} رواه البخاري. وكانت مكافأة ربنا لإبراهيم الذي توكل عليه في ذلك الموقف الرهيب: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69.
ثم هنالك الاستخارة التي يصلي فيها المؤمن ركعتين لله تعالى وبعدهما يدعو الله أن يختار له الخير في أمر يريده لكنه يخشى أن لا يكون خيراً له، فلنستخر الله كلنا كل يوم حتى تنفرج كربتنا، نسأله إن كانت مقاومة النظام بالسلاح بأيدي المنشقين والمتطوعين معهم خيراً لنا، أن يكتبها لنا وييسرها لنا، وإن كانت شراً لنا، أن يصرفها عنا ويصرفنا عنها، وأن يكتب لنا الخير حيث كان، وإليكم الدعاء مطبقاً على حالتنا لمن لا يحفظه اكتبوه على ورقة وادعوا به في استخاراتكم المتكررة:
اللهم إننا نستخيرك بعلمك ونستقدرك بقدرتك ونسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا نقدر وتعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (وهو إسقاط النظام السوري بقوة السلاح) خير لنا في ديننا ومعاشنا وعاقبة أمرنا وفي عاجل أمرنا وآجله فاقدره لنا ويسره لنا وبارك لنا فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لنا في ديننا ومعاشنا وعاقبة أمرنا وفي عاجل أمرنا وآجله فاصرفه عنا واصرفنا عنه واقدر لنا الخير حيث كان ثم رَضِّنا به ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أو الاستخارة على المحافظة على الثورة سلمية مئة بالمئة، فنقول: اللهم إننا نستخيرك بعلمك ونستقدرك بقدرتك ونسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا نقدر وتعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (وهو إبقاء ثورتنا سلمية مهما صار حتى يسقط النظام) خير لنا في ديننا ومعاشنا وعاقبة أمرنا وفي عاجل أمرنا وآجله فاقدره لنا ويسره لنا وبارك لنا فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لنا في ديننا ومعاشنا وعاقبة أمرنا وفي عاجل أمرنا وآجله فاصرفه عنا واصرفنا عنه واقدر لنا الخير حيث كان ثم رضنا به ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتكرار الاستخارة مرات ومرات خير وأدعى للاستجابة، فقد روى ابن السني في أعمال اليوم والليلة حديثاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه}. لذا من شاء فليكرر الاستخارة سبع مرات متتاليات في نصف ساعة ثم ينظر ما يحس به من ارتياح إلى عسكرة الثورة ودعم الجيش الحر أو إلى المحافظة على سلميتها التامة حتى النهاية.
ويبقى التساؤل بخصوص العسكريين الذين ينشقون عن الجيش السوري كل يوم ويتحولون إلى جيش حر يهاجم الجيش النظامي ويتحارب معه حرباً غير متكافئة، فتتم في الغالب إبادة المنشقين دون رحمة، ما الأسلوب الأمثل لهؤلاء؟
ليس كل الجيش السوري تعرض إلى موقف أُمِرَ فيه بإطلاق النار على المتظاهرين والمدنيين، وليس كل من انشق مر بهذه التجربة وإن كان ذلك هو المبرر المعلن للإنشقاق، فهل هناك داع للتعجل بالانشقاق؟ وهل قتال المنشقين لإخوانهم الذين لم ينشقوا صواب؟ وهل هو من قبيل الدفاع عن النفس؟
تأملوا هذا الحديث الشريف عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" متفق عليه. وهنالك زيادة "فقتل أحدهما صاحبه" أخرجها أحمد في مسنده والنسائي في السنن، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الكبرى، وهي زيادة صحيحة، والله أعلم.
لكن هنالك حديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد). رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
إني أرى والله أعلم أن لا ينشق العسكريون إلا إن تعرضوا شخصياً لأوامر بإطلاق النار على المواطنين، ووقتها يمكنهم إطلاق النار في الهواء، أو الانشقاق والهروب والمشاركة في المقاومة السلمية، ولهم أن يقاوموا إذا هاجمهم الجيش أو الأمن ليعتقلهم أو يقتلهم ظلماً دون ذنب اقترفوه، وعندها يكون موتهم دفاعاً عن النفس، ويكونون شهداء، ولا يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار}، أما إن هم تحولوا إلى المبادرة بمهاجمة الجيش النظامي أو الأمن واشتبكوا مع إخوانهم السوريين فقد يقعون تحت هذا الوعيد ويكون القاتل والمقتول في النار.
ولا مجال لمجادل يريد أن يكفر الذين يقاتلون تحت لواء الجيش النظامي، فحتى لو كان فيهم كفار فإن شرع الله فيه الخير لكل مجتمع يطبقه حتى لو كان كافراً، وقد هددت الدول الغربية أزمة اقتصادية مدمرة لم يخرجوا منها إلا باللجوء إلى تخفيض الفوائد المصرفية بحيث اقتربت من الصفر وضخ الأموال في المجتمع تماماً مثلما يفعل الإسلام في تحريمه للربا وفرضه للزكاة.
من كان يريد مساعدة العسكريين المنشقين فليساعدهم على الهروب والاختباء في البراري والجبال لا بين الأهالي، وليمدهم بالمال ليتمكنوا من البقاء، أو ليساعدهم على الخروج من سورية لينجوا بأنفسهم ويفضحوا النظام ويفندوا أكاذيبه. الثورة بحاجة إلى البقاء سلمية وبحاجة إلى إعلام قوي وبحاجة إلى المال لكفاية الأسر المنكوبة. ولسنا في حاجة إلى الأسلحة نقتل بها بعضنا بعضاً.
وعلينا الانتباه إلى أن الخيارات أمام الثورة ليست محصورة في إما التسلح والتدخل الخارجي أو محاورة النظام المتوحش الذي لا يحترم عهداً ولا ذمة، فالذين يرفضون التحاور مع القتلة محقون لكن هنالك طريق ثالثة يمكن للثورة أن تمضي فيها وتنتصر بإذن الله.
إنها المقاومة السلمية والبعد عن الطائفية والمحافظة على استقلالية الثورة عن أية قوى دولية استعمارية يمكن أن تستخدم الثورة لتحقيق مآربها ومخططاتها. وعلينا الانتباه أن هنالك صراع بين القوى العظمى على سورية كل منها لها أجندة ومخطط خاص تحاول تنفيذه مستغلة الأوضاع التي خلقتها الثورة وتعامل النظام الأحمق معها. فلنحذر أن يدفعونا إلى ما يحقق مآربهم ولا يحقق مصالحنا وأهدافنا في دولة ديمقراطية موحدة لكل السوريين، كما علينا الصبر وعدم الانجرار إلى حيث يريد النظام من تحول الثورة إلى صراع طائفي، فالنظام يستفزنا بأعماله البشعة لتثور فينا حمية جاهلية تجعلنا نتصرف بمنطق رد الفعل وبالتالي يتحكمون في أفعالنا من خلال أفعالهم التي تهدف إلى أشياء لا مصلحة لنا فيها.
كما علينا الحذر من فئة من العلويين تحلم بالانفصال وإنشاء دولة علوية، ولا أستبعد أن يكون الشبيحة الذين يرتكبون المجازر بحق النساء والأطفال يعملون لحساب هؤلاء ويتلقون منهم أجورهم لا من النظام نفسه. في مثل هذه الفوضى يكثر اللاعبون ويسعى كل لتحقيق مخططاته، ومن هؤلاء بعض العلويين المتطرفين الانفصاليين بينما أغلب العلويين نزعتهم قومية ووحدوية ولا يفكرون في الانفصال بدولة خاصة بهم.
القضية تحتاج إلى الصبر مع التوكل على الله ولا بد أن يكون النصر لنا بأقل الخسائر ودون أن يحقق الطغاة ما يريدون من تقسيم وإقامة دويلات طائفية تكون بالنسبة لهم خيراً من أن يفقدوا كل السلطة التي أدمنوا عليها. ولو كانت الثورة عمل منظمة ثورية خططت للثورة ولها قيادات موثوقة ومتبعة ومسيطرة على الموقف وتستطيع عسكرة الثورة دون الانزلاق إلى الطائفية لربما اختلف الرأي والاجتهاد، لكن تكوينة الشعب السوري وتدخل كل القوى الاستعمارية، وارتجالية الثورة، كل ذلك يجعل تحول الثورة إلى حرب طائفية لا مفر منه في حال عسكرتها. وهنالك بين السوريين أناس بلا ضمير يرتكبون أية جريمة من أجل إشعال الفتنة الطائفية التي يكون فيها لهم المجال ليصولوا ويجولوا، فلنحذر ولنصبر مهما كانت جرائمهم فظيعة وبشعة، فقتلانا شهداء في جنة الخلد والنصر سيكون لنا ولن نقع في الحفرة التي يعدونها لنا إن شاء الله.
النظام يخشى من التدخل الدولي كما حدث في ليبيا وترعبه الانشقاقات في الجيش لكنه يريد للثورة أن تحمل السلاح وتتحول إلى صراع طائفي، لذا تلتقي رغباته مع الرغبة الإسرائيلية والأمريكية التي تحلم بتقسيم بلادنا، وعلينا أن لا نساعدهم في ذلك، بل بالصبر والتزام السلمية نفوت عليهم الفرصة ونحبط مخططاتهم ومؤامراتهم ونحقق أحلامنا نحن في دولة يسعد فيها أولادنا وينعمون بالحرية والكرامة والمساواة.
علينا أن نسعى إلى إسقاط النظام لا إلى إسقاط الدولة في سورية وتحول البلاد إلى فوضى مثل الصومال والعراق، وعلينا أن نكون واقعيين ونرضى بحلول وسط إن كانت تجنب بلدنا الحرب الأهلية والتقسيم حتى لو لم تحقق لنا كل أحلامنا، فالزمن قادم ونستطيع الاستمرار في الجهاد السلمي طالما كسرنا حاجز الخوف إلى أن تتحقق كل أحلامنا إن شاء الله.
الأتراك من منطلق الحب لنا ومن منطلق التجاوب مع الرغبة الفرنسية التي اضطروا للخضوع لها ينصحون السوريين بقبول حل مماثل للحل اليمني، لكن حالنا مختلف عن حال اليمن، دون أن يعني ذلك استحالة وجود سيناريو ملائم لسورية لا يكون استنساخاً للسيناريو اليمني أو الليبي أو العراقي، سيناريو يحقق لنا حداً أدنى مما نطمح إليه ويجنبنا السيناريو اللبناني الذي ذاق اللبنانيون مرارته في حربهم الأهلية بين عامي 1975 و1990. ولنحذر من وهم أن الجهاد المسلح ضد النظام سيحررنا منه وكذلك من الفتاوى الدينية التي تدعي أن دعم الجيش الحر بالمال والسلاح أو التطوع والقتال معه ضد النظام فريضة على السوريين هذه الأيام. تأملوا تاريخ الثورات المسلحة وكم طالت وكثرت ضحاياها قبل أن ينتصر بعضها وينهزم أكثرها، كما إن الثورات المسلحة قلما تأتي بالديمقراطية لمجتمعاتها، وأكثر التحولات إلى الديمقراطية كانت ثمرة ثورات سلمية {كلا، لا تطعه واسجد واقترب}.
ويبقى إخواننا الأكراد وغالبيتهم من المسلمين السنة لكنهم تعرضوا للظلم على أساس قومي ولهم مطالبهم، ولا بد لنا أن نكون مرنين معهم كي ينضموا بكل ثقلهم إلى الثورة، ولا مانع من فيدرالية تقوم بالتفاهم والمحبة والتراضي ولا تكون ثمرة حرب أهلية تقتل الناس وتقتل الحب بينهم. كثير من دول العالم مكونة من اتحادات فيدرالية وأمورها طيبة، لذا علينا بالحكمة والعدل وإن كنا نرفض رفضاً قاطعاً أية محاولة لتقسيم سورية، لكن للوحدة أشكال والفيدرالية إحداها. الأكراد سوريون ولهم لغتهم وقوميتهم ومن حقهم أن يتمتعوا بحقوقهم الثقافية في إطار سورية موحدة تكون لكل السوريين.
ويتبع >>>>>: دولتنا المنشودة جمهورية سورية ديمقراطية تعددية1
واقرأ أيضاً:
ما يحدث في سورية إلى أين؟3 / ما لنا غيرك يا الله(3) / الطائفية والثورة في سورية3