الصفقة الإغريقية
لا يأتي إلى مقعد السلطة رجل أو امرأة لقيادة مجموعة بشرية أو مؤسسة تجارية أو أي بلد من بلاد العالم إلا وفي حقيبته وعود عدة يمكن حصرها في إطار واحد فقط وهي التبشير بالرفاهية. يطلب الحاكم من رعيته إعطائه الفرصة للعمل والطاعة لدستور أو قانون أو إرشادات، لمدة زمنية تطول أو تقصر تبعاً لصفات البلد أو المجموعة. هذه المدة الزمنية في النظام السياسي قد تكون بضعة أعوام بعدها يغادر الحاكم القصر الرئاسي أو يعود إليه اعتمادا على مدى نجاحه في تحقيق وعوده، وهذا ما يحدث بالضبط في النظام الديمقراطي.
من خلال هذه الصفقة يستهدف الحاكم العودة إلى القصر الرئاسي والمحكوم يبحث عن الرفاهية. لا تدخل حرية الكلام والأفكار في ضمن هذه الصفقة، فهي حق إلهي لا يجرأ أحد أن يتعرض إليه. هذه الصفقة لا تخلو من خداع الرعية أحياناً بضمان تخفيض الضرائب قبل عام من الانتخابات وسرعان ما يتم تطبيق إجراءات تقشفية بعد ذلك بعام . يمكن وصف هذه الصفقة بالأوربية ويتم العمل بها في شمال أمريكا واليابان والهند ومناطق أخرى. تم اقتباس هذه الصفقة من الحضارة الإغريقية، وبدأ العمل بها منذ السادس عشر.
الصفقة الصينية
الصفقة الصينية غير محصورة على جمهورية الصين الشعبية. الثروة السكانية (20% من تعداد العالم) والاقتصادية لهذه البقعة من العالم هائلة ولذلك لابد من إلقاء الضوء عليها. تم إجراء هذه الاتفاق الضمني قبل أكثر من عقدين من الزمان، وبالتحديد بعد اضطرابات 1989، بين الحزب الشيوعي الحاكم وسكان الصين متضمنة القبول بالنظام وقوانينه والسكوت عنها مقابل رفاهية ونمو اقتصادي. الرفاهية والنمو الاقتصادي حدث بالفعل وأصبحت الصين قوة اقتصادية عالمية دون خلاف بالرأي. الصفقة هي الرفاهية والقبول بالنظام ناقص حرية التعبير عن الرأي. لكن ما الذي يحدث الآن في الصين هو أن الناس حصلت على الرفاهية ولكنها بدأت تطالب أيضاً بحرية التعبير عن الرأي التي تكاد تكون معدومة في هذه البلد من الكرة الأرضية والمكتظ بالسكان.
لا يزال سكان الصين يخضعون لقوانين سنها الرفيق ماو تسي تونغ وظيفتها كتم أنفاس السكان، وعدم القبول بأي انتقاد للنظام. يتم إرسال من ينتقد الدولة إلى معسكرات عمل أفتى بها ماو منذ عام 1957 وبدون الرجوع إلى القانون. قبل ستة أشهر تم إرسال امرأة طالبت بعقوبات أشد ضد من اغتصب ابنتها التي كان عمرها 11 عاماً، ولكن أكثر من صوت اعترض وانتقد وتم الإفراج عنها. قبل أسابيع أضرب عدد من الصحفيين ضد إجراءات الرقابة الصارمة وتم التوصل إلى حل وسطي بين الصحفيين والدولة. التحدي الذي يواجه الرئيس الصيني الجديد هو مزيد من الحرية مع استمرار الرفاهية2.
هذه الصفقة الصينية تشبه إلى حد كبير الصفقات بين العوائل الحاكمة في الخليج العربي ورعيتهم. سكتت، ولا تزال الأغلبية تسكت، عن حق التعبير عن الرأي مقابل الرفاهية المادية، غير أن نهضة الصين اقتصادية وعلمية وتكنولوجية من صنع سكانها ولا يمكن مقارنتها بالرفاهية المادية الخليجية التي يعتمد اقتصادها برمته على الأيدي العاملة الأجنبية. بدأ التوتر بين الراعي والرعية في بلاد الخليج بعد الربيع العربي، وسارع حكام الخليج بضخ الأموال في جيوب المواطنين.
من جهة أخرى سارعت السلطات إلى ارتداء الثوب الإغريقي إعلاميا وبدأت قناة الجزيرة القطرية بمساندة الثورات العربية بأي ثمن، وشاركتها في ذلك قناة العربية السعودية. لكن رغم ذلك لا تزال السعودية تتصدر أقطار العالم مع كوريا الشمالية وغينيا الاستوائية بأنها أقل بلاد العلام حرية. أثارت تمثيلية تعيين 30 امرأة في مجلس الشورى حفيظة رجال الدين الغلاة وتظاهروا ضد القرار في بلد لا يسمح بالتظاهرات، وتوجت محاكم الشريعة إنجازاتها مؤخرا بقطع رأس خادمة سريلانكية بتهمة خنق رضيع في رعايتها. قطر لم تتأخر في سجن الشاعر محمد بن الذيب مدى الحياة بتهمة الإساءة لأمير البلد. الإمارات جردت البعض من المواطنة ومنعت الكثير من التنقل، وألقت عمان بأكثر من عشرين ناشطا سياسيا في السجون، ولا يختلف الحال في البحرين والكويت3.
معضلة مرسي
ما هي اختيارات السيد مرسي؟ رفاهية اقتصادية مع ضمان حرية، أم رفاهية اقتصادية ناقص ضمان حرية؟. يمكن القول أن الرفاهية الاقتصادية صعبة المنال خلال عام أو عامين رغم أن الثورة المصرية ستحتفل بعيد ميلادها الثاني قريباً. لا يزال الجيش المصري يهيمن على جزء لا يستهان به من الاقتصاد المصري ورؤوس الأموال للاستثمار اتجهت نحو دبي لبناء عمارات ربما ستكون خالية من السكان مستقبلاً.
لا تزال مصر تنتظر قرض الصندوق الدولي كاملاً بقيمة 4.8 بليون دولار مقابل إجراءات تقشفية1، والمساعدات الخليجية لم تتجاوز ما ينقفه أمراء الخليج على أندية كرة القدم الأوربية سنويا. ازداد الفقر والبطالة، وازداد اضطهاد الحريات، وبدأ البعض يفقد حماسه متمثلاً بتضاؤل نسبة المشاركين في الانتخابات بأنواعها. بعبارة أخرى ليس هناك بوادر رفاهية اقتصادية أو ضمان حرية رغم مرور عامين على الثورة.
عندما تثور الشعوب فهناك طريق واضح تسير فيه أشبه بسيارة نقل يتم قيادتها على طريق سريع. يتناوب على قيادة السيارة أكثر من شخص وإذا أخطأ أحدهم وتوجه إلى طريق فرعي غير سريع فسيكتشف الناس خطأه، ويتسلم رجل آخر قيادة السيارة، ويعود بها إلى الطريق السريع. حقيقة على السيد مرسي وكل من يتسلم قيادة الشعوب أن يدركها ليضمن رجوعه إلى القصر الرئاسي. دخول قصر رئاسي أسهل بكثير من العودة إليه أو الخروج منه بعزة وكرامة.
المصادر:
1- Egypt. The Crisis of Government isn’t over. Econmist. 05 January 2013.
2- Reform in China. Great Expectations. Economist. 12 January 2013.
3- Repression in the Gulf. A Mirage of Rights. Economist. 19 January 2013
واقرأ أيضاً:
سلطان هذا الزمان بين مرسي وسيرة عثمان/ جمهورية مصر الإسلامية