خطوت بسرعة وبخفة بيت الممرات القاتمة أحسست بأن جدران المكان وكأنها تنطبق على صدري وأخيرا وصلت لتلك الغرفة الباردة التي تفوح فيها رائحة الموت, هنا المشرحة؟؟؟؟
ذهبت لإحضار عينة الدم, عينة من الميتة التي قضت نحبها، فتاة في مقتبل العمر, استلمت العينة ووقعت على استلامها واتجهت لمختبري فلقد حان دوري في محاولة لفك لغز موتها وقراءة مشهد الموت الماثل أمامي وإخراج ما استتر من أمور.
بدأت بتحليل عينة من دمائك وبدأت ملايين الأسئلة تقتحم عقلي واستفساري الدائم لماذا؟ لماذا يموت الورد قبل أوانه؟ لماذا تذبل الحياة باكرا؟ لماذا يصل الخريف قبل الربيع؟ لماذا يداهمك الموت في عمر يافع؟ ماذا اقترفت؟ أي ألم قهرك لتختاري التراب وتعودي له؟ في أي عالم عشت؟ أين الأهل والأحبة؟ أين دفء العائلة؟ أين رابط الدم الذي يجمعك بهم؟ ألم يحضنك أحد في ذلك اليوم الأسود؟ ألم يمسح أحد دمعاتك؟ ألم يعتنوا بك؟ كيف انتهى بك الحال لمختبري؟ آه.
مكانك ليس هنا مكانك هناك بين الورود؟ بين شقائق النعمان؟ بين أسراب الفراش؟ حيث الربيع في أوجه؟ حيث الحياة تبدأ تزدهر وتنمو تعانق الشمس وتغازل القمر وتكبر وتكبر هناك يعيش اليافعون سعداء بربيع حياتهم لا بخريف باكر ليس مكانك هنا في ثلاجة الأموات, حيث تكثر الحكايات والآهات, لكل ثلاجة هنا قصة عنوانها الألم ونهايتها فتحة في التراب, هناك النهاية وليس بعدها بداية.
ليس بيدي القصاص يا عزيزتي وإلا اقتصصت ممن أحال حياتك جحيماً مرًا لا يمكن احتماله ليس بيدي ميزان العدل لأنتصر لك وأرفع الظلم الذي أوصلك لهنا؟
أنهيت تحليلي وكتبت تقريري وفاة نتيجة تسمم بمبيد حشري, لا أعلم أي نهاية قاتمة هذه؟ لماذا تقدم من مثلك على هذا؟ لديك حياة طويلة كانت ستنتظرك؟ أصدقاء؟ زواج؟ أطفال؟ لا أدري ماذا يخبىء القدر؟ صحة أم مرض؟ سعادة أم تعاسة؟ كلنا نمر بحالة القمة أو القاع؟ قمة السعادة أو هناك في القاع في الحضيض كلنا لدينا هذه اللحظات؟ وسيأتي الموت بغتة عزيزتي دون سابق إنذار؟ وهنا تكمن حلاوة الحياة رغم مرارة أيامها؟ لو كنت صديقتي لحدثتك ولربما تجاوزنا أزماتنا سوية فما أحوجني لصداقة من هم مثلك لأني في يوم ما كنت على ذلك الشفير ما بين الحياة والموت وتجاوزت محنتي وإلا انتهى بي الحال مثلك اليأس ينسج نسيجه حولي والألم يجثم كجبل فوقي.
انحفر اسمك في ذاكرتي أصبحت ضمن طاقمي الذين غرقت سفن حياتهم في محيط متجمد وأنا أغرق معكم بقصصكم وأتحسس آلامكم وبل أتذوق مرارة لحظاتكم الأخيرة أقرأ لك فاتحة الكتاب الكريم ودعاء صادقا بالرحمة, فما أحوجك لذلك.
لا أدري لم أحب عملي, عملي البائس يوفر لي صداقات مع موتى, هذه صداقة من نوع فريد وهي صداقة صادقة دون مصالح أو مكاسب, أنت تقدمين لي جثتك الهامدة لتدلي بحقيقة ما جرى ولكن روحك فاضت لبارئها وأنا أقتات من كشفي وتحليلي ما جرى وأنت مستمعة رائعة, في الواقع أنت الوحيدة التي تستمع لي لا تقاطعني بصبر منقطع النظير وهذا يكفيني.
كل حالة عملت عليها أذكرها في مذكراتي وأدعو لهم بالرحمة, ما زلت أفكر بك وأنا في طريق عودتي لبيتي, أفتح باب بيتي تفوح فيه رائحة الوحدة أرأيت يا صديقتي نشترك بالكثير من الأمور الوحدة إحداها برودة في بيتي رغم الشمس التي تتسلل يوميا تحاول إذابة الثلوج التي راكمها الزمان هنا, ما زلت أفكر بك أليس لدي مشاغل سواك؟ لا أعلم عملي هو كل ما تبقى لدي؟ حاولت إضافة شيء من الحياة على بيتي حاولت الظهور بمظهر من لديهم حياة تنتظرهم خلف الجدران الباردة اتصلت بطفلي!!! يعيش عند والده وليس لي الحق بمشاهدته إلا في ساعات معينة؟ اختزلوا الأمومة في ساعات؟ رد والده كم أمقت ذلك البغيض؟ هو نائم اتصلي لاحقا؟ لوهلة بدت فكرة ابتلاع ذلك المبيد مناسبة جدا جدا.
أضأت تلفازي أريد سماع صوت وحوار غير الحوار الذي أجريه معك وأنت ميتة, يداهمني النعاس فاسمحي لي في الغد قد تأتيني حالة أخرى وصداقة جديدة أخرى وداعا يا صديقتي الرحمة لك.