سعيد أنا، وهادئ النفس... أستمتع بالسلام الداخلي في وقت تشتكي فيه (الأمة) كلها تقريباً من الإحباط، والاكتئاب!!!
أسمع أحداً يربط بين هذه المشاعر المحزونة، والتشويش الهائل الحاصل للناس!!
لو كان الأمر بيدي لتفرغت لدراسة فرع أسميه (علم نفس التشويش)!!!
كنت قد بذلت جهداً –لم أكمله- في دراسة الإعلام الحشودي (الماس مديا) في تشويه وتشويش وعي من يتعرض لهذه المضخات الهائلة المفتوحة ليل نهار، وما يتفق منها كل ثانية، ومن عجب أن شبكات التواصل الاجتماعي صارت مضخات تنشر، وتعيد إنتاج وتوزيع التشويش!!!
بعض الأصدقاء يكتب أو ينقل خمس أو ست بوستات يومياً، وأحياناً (عشر بوستات، وربما أكثر)، كيف يمكن فلترة كل هذه المعلومات، أو تأمل كل تلك الأفكار، فضلاً عن بناء عمل على هذه الأقوال المتدفقة!! وبعض هذه المواد يناقض بعضه بعضاً!!!
ابتكرت وسيلة لتدقيق المعلومات عبر الفيسبوك، وجربتها مرات قليلة بنتائج معقولة، ولكنني أزعم أن الفكرة لم تصل لأغلبية الأصدقاء!! وكأنهم تعودوا أن الشبكة هي لتبادل النكات، أو ضخ الأكاذيب، أو حتى التعليق بانطباعات على انطباعات، أو على معلومات (دون تدقيق)!!!
في المرات القليلة (غير المقصودة) التي أطالع فيها مانشيتات الصحف، أو أشاهد برامج الفضائيات أشعر به فوراً بكثافة وعمق!! التشويش!!! أشعر بضيق في الصدر، وبتسارع في ضربات القلب، وبانقباض وقلق وخوف، كما أشعر بمغص (عقلي) شديد، ويمنعني هذا كله من التفكير المنطقي الرشيد المتسلسل، ويبدو أن هذا هو المطلوب!!!
نفس الوجوه والألسنة والأقلام... مع بعض التغيير في اللافتات... نفس الكائنات اللزجة الرخوة مثل المخاط.... هي ما تنضح به آنية الإعلام مكتوباً ومسموعاً ومرئياً، وبدا لي أحياناً أن هذا التشويش المؤلم لي، ربما تستطيبه جموع لأنه جزء من منظومة أضخم ....هي منظومة الفرجة، والإعفاء من المسؤلية!!!
تصور أنك قررت الكف عن تعاطي هذه المواد المخدرة، وصدقت كلامي بأن الفرد العادي -اليوم- هو أقوى وأهم من أي مسؤل حكومي، وأن الشعب المصري -اليوم- هو أقدر، وأنشط، وأذكى...... من دولته!!!!
تصور أنك قررت معي أن انكماش قبضة العسس هي فرصة تاريخية لا تعوض لكي يستعيد الناس وعيهم، ودورهم، والمساحات التي انتزعت منهم، وأن كل تراجع لأجهزة الفساد والقهر والتنكيل التي هي ما تزال ممتلئة بالعصابات.... هذا التراجع هو رائع، وفراغ يمكن وينبغي أن تملؤه تحركات الناس، وأشكال تنظمهم، وأفكار، وإبداعات سعيهم!!
تصور أنك قررت استثمار جهدك ووقتك في أن تعمل على تحسين حياتك بنفسك وجهدك، وبالتعاون مع من حولك، وقررت أن لديك ما تعطيه لهم، ولديهم ما تأخذه منهم، وأنك كففت عن الشكوى، وتعليق أحلامك على شماعات الوهم المتداول في مضخات التشويش المنتشر!!!
تصور أنك صدقتني وأنا أقول أن دورك اليوم هو مراقبة، وملاحقة، ودعم، وتغيير، وتطهير، وتطوير أدوات الدولة بنفسك ومن حولك وليس الاكتفاء بمتابعة ما تنقله مضخات التشويش عنها، والارتعاب تحت وطأة الأكاذيب، والإثارة!!!
تصور أنك قررت الاستغناء والخروج من تحت رحمة هؤلاء الفاشلين في تقرير مستقبلك، وأخذت زمام الأمور بيدك، أيضاً!!
تصور أنك صدقتني حين أقول لك أن الأمل الوحيد هو أنت، نحن.... وأن ما نملكه فعلاً من طاقات وقدرات وآمال وأشواق وتطلعات وأوقات هو وحده كفيل بإصلاح هذه الدولة الخربانة، وتغيير هذا المجتمع المشلول، وأن هذه المهام الممكنة، والخطط الممكنة، والأساليب المبتكرة هي متاحة لم يبحث عنها، ويصدقها، ويعمل في سبيلها!! وأن هذا التشويش يمنعك، ويمنع الناس من استكمال ثورة بدأوها، وتتكالب قوى ومصالح كثيرة متشابكة في الداخلل والخارج على أن يكفوا عن تنظيم صفوفهم واصطفاف طاقاتهم، وأن يستبدلوا هذا النهج بالشكوى من خراب دولة، وعجز حكومة، ونخب سياسة، أن يستبدلوا العمل النافع الفوري، والانقاذ الحقيقي الممكن جدا، والتغيير الجذريي المتاح فعلاً –ولأول مرة-!!!
أن يستبدلوا استثمار الطاقات الهائلة، والكنوز التي لديهم.... الجاهزة لإحداث نقلة نوعية في التاريخ المصري، والإنساني!!!
والإغراء هو أن يستبدلوا هذا الواقعي جداً، المهم جداً، الرائع جداً بالفرجة على مباراة بين مكسحي السلطة، وعميان المعارضة... مع ترويج أوهام أن أحد الفريقين الكسيح أـو الأعمى هو من سينقذ هذه الأمة الشابة المتدفقة، المتعطشة لمستقبل رائع تستحقة!!!
البلد بلدنا، والكرة في ملعبنا، والسباق الحقيقي هو بين مجتمع يعمل بكامل طاقاته في تنظيم صفوفه، وإصلاح شئونه (لو قرر هذا)، وبين دولة تلملم أشلاءها، وتعيد إنتاج عصا الأمن (بناء على طلب الجماهير)!!!
السباق هو بين وعي الناس، وبناء مجتمع قوي... وبين غيبوبة الناس -برضه- بالاستسلام للتشويش، واستدعاء البيادة والاستسلام لها مرة أخرى لتحكم شعبا فشل في فهم نفسه، واستثمار طاقاته وتنظيم صفوفه، واستدعى دولة دفنها بالأمس لتعود لحكمه زي زمان وأسوأ!!!!
أفهم أن قطاعات واسعة من شعبنا الطيب يجهلون ما أقوله هنا، ولا يتصورونه أصلا -جملة وتفصيلا- وأفهم أن مضخات التشويش الواعية بمصالحها تفعل هذا عن عمد، ما يؤلمني هو أن يشارك أغلبنا في منظومة التشويش -كما حاولت أن أشرح- وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا!!! هناك تواطؤ واسع جدا حيث يشارك أغلب المخلصين للتغيير.... في تتويه الناس عن سكته!!! وإدخالهم بدلا منها في تفاصيل وحواديت كثيرة يومية... مربكة، ومشوشة!!! تشغل الناس عن بناء وعيهم واستكمال ثورتهم، وتطهير الأجهزة التي تحتلها العصابات، وما زالت تعاقب الشعب يوميا بالكوارث، والأزمات، وتشغله بكلام فاضي.... يحسبه الثوري الطيب، والمواطن الظمآن ماءًا.... وهو ليس سوى سراب!!! الموضوع كبير.... وبسيط!!!
واقرأ أيضاً: