مع تنامي الدور السياسي لمجموعات "ألتراس" ومشاركتهم في ثورة 25 يناير ثم صراعهم مع وزارة الداخلية، وما حدث بعد مذبحة استاد بورسعيد وضغطهم وتهديدهم للحصول على حقوق الشهداء والقصاص من قاتليهم وإصدارهم إعلان "الدم بالدم والرصاص بالرصاص"، ثم ظهور مجموعات "البلاك بلوك" مع ذكرى مرور عامين على ثورة 25 يناير، وهم يرتدون الزي الأسود والأقنعة السوداء ويقومون بأعمال عنف منظمة في المظاهرات والتجمعات، ثم الشائعة التي ربطت بينهم وبين بعض القساوسة والتي تم نفيها ولكن كانت قد حققت هدفها كما سنرى فيما بعد.
كل ذلك كان يصب في اتجاه دعم التيار المدني (الليبراليين واليساريين والقوميين والناصريين) في صراعه مع نظام الحكم القائم الذي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي. وبما أن هناك حالة استقطاب شديدة بين التيارين المدني والإسلامي وصراع وصل إلى حالة تكسير العظام دون النظر إلى المصلحة العليا لمصر، ومحاولة كل طرف أن يقصي الآخر أو يقزمه أو يدمره، فإننا أمام احتمال خطير يمكن أن يحدث في أي وقت، وهو أن تستنفر مجموعات من الشباب المنتمي لتيار الإسلام السياسي بكل فصائله لتكون ميليشيات تواجه البلاك بلوك أو الألتراس أو غيرهم ممن يعتقد أنهم يحاولون إشعال الموقف في مصر لإفشال السلطة القائمة واستبدالها بسلطة تنتمي للمعسكر الآخر.
ولا يتصور عاقل أن تيار الإسلام السياسي سينكسر تحت ضغط الشارع ويسلم السلطة ويذهب إلى بيته وكأن شيئا لم يكن، وربما يقول قائل إن هذا حدث مع مبارك والحزب الوطني، والرد على ذلك هو أن الأمر مختلف في هذه الحالة فمبارك كان شخصا ومعه عائلته الصغيرة، وحوله أعضاء الحزب الوطني والذي لم يكن حزبا حقيقيا وقادته كانوا مجموعات مصالح لا أكثر ولا أقل، لذلك كان من السهل التخلص منهم بسهولة، أما التياران المتصارعان على الساحة الآن فلهما قواعد شعبية عريضة ولهما أيديولوجيات، ولذلك فمن العبث تصور هزيمة أحدهما بالضربة القاضية وإبعاده من المشهد، ولهذا يحتم العقل التفاهم والحوار والوصول إلى توافق يعلي مصلحة الوطن على مصلحة الأفراد والأحزاب والجماعات.
وقد بدأت إشارات من بعض القيادات الإسلامية على تويتر وفيس بوك تعلن ما معناه أنه إذا حاولت القوى اليسارية إسقاط السلطة الشرعية المنتمية للتيار الإسلامي فإنهم سيواجهون بأسود هذا التيار، ملمحا إلى استعداد شباب التيار الإسلامي بكل فصائله للدفاع عن مشروعه ومشروعيته، خاصة وأن بعض فصائل هذا التيار لها خبرات جهادية وقتالية في فترات وأماكن متعددة.
إذن نحن أمام قوتين متصارعتين ولكل منهما قواعدهما الشعبية، وهناك حالة إحباط عامة لدى الطرفين، وهناك إدراك سلبي شديد لدى كل طرف عن الآخر، وهناك انسداد في حالة الحوار بينهما، وهناك قوى (داخلية وخارجية) حريصة على تسخين الصراع وإدخال البلاد في نفق الحرب الأهلية بهدف إعادة تشكيلها على النمط الذي يحقق أهداف تلك القوى. وبما أن كل من القوتين المتصارعتين لهما قواعد شعبية واسعة كما ذكرنا، إذن فتوقعات الصراع الطويل تصبح أكثر ترجيحا، وإذا لم تنفتح مسارات الحوار الحقيقي المحترم بين التيارات المتصارعة وفي أقرب وقت فنحن أمام احتمالات جد خطيرة، خاصة أن مجموعات التيار الإسلامي ستكون مشبعة بمعتقدات الجهاد لإنقاذ المشروع الإسلامي الذي ظلوا يحلمون به عقودا طويلة وواجهوا محنا عصيبة في سنوات الإستضعاف والقهر، وهم لا يريدون أن يعودوا لهذه الحالة مرة أخرى، وهذا ما يجعل الأمر بالغ الحساسية والخطورة، ويستدعي يقظة من عقلاء هذا الوطن قبل أن تحرق النار الجميع بلا تفرقة.
واقرأ أيضاً:
الصورة المزدوجة للرئيس/ الشيخ المبتسم دائما!/ العريفي يعرفنا بمصر التي لانعرفها/ من مدرسة المشاغبين إلى باسم يوسف