لم يكن آخر يوم من أيام شهر يناير من الأيام الجميلة التي تستحق أن تُحفظ في خزينة ذكريات عربية. ما يثير السخرية قصف سلاح الجو الإسرائيلي مجمعاً للسلاح أو قافلة على وشك الخروج منه في دمشق مع سكوت عربي تام، وأضاف الجيش الحر السوري بأن قنابله هي أيضاً ضربت مجمع السلاح السوري. هناك هتافات طائفية تدوي بالعراق، والشارع الليبي والجزائري في حالة توتر. ولكن هناك ثورة مصرية تحتضر والجميع يتساءل من الذي سينقذ مصر من الفوضى؟
كان منظر السيد محمد مرسي وهو يشير بأصبعه على شاشة التلفزيون المصري منظراً لا يتوازى مع رئيس أكبر وأهم بلد عربي في المنطقة. العملة المصرية في تدهور مستمر وبعض مكاتب الصرافة في لندن لا رغبة لها بشراء الجنيه المصري. البطالة في ازدياد، والاقتصاد المصري يتجه نحو الركود والأسوأ من ذلك هناك من يشير إلى احتمال الانهيار التام على حد قول خبراء الاقتصاد.
لم يستعمل مرسي قدراته العقلية كما يجب، ولم يحصل إلى الآن على قرض صندوق النقد الدولي (4.8 بليون دولار). رغم أن هذا القرض تم ربطه بإصلاحات اقتصادية لابد منها عاجلاً أم آجلاً، ولكنه سيساعد في دفع الاقتصاد المصري بالاتجاه الصحيح ويزيح مخاوف الاستثمار الخارجي في مصر.
يقول البعض أن ما حدث في مصر في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير أشبه بظاهرة دي جافو Déjà vu لحوادث 2011. لكن الشعب المصري في عام 2011 خرج إلى الشارع من مختلف الطبقات والعقائد منادياً بسد احتياجات مشروعة وهي الحرية والكرامة والرفاهية. هذه الوحدة الشعبية لا وجود لها اليوم، والغضب يسيطر على بعض الشباب ويأمل في خروج مرسي من قصر الرئاسة كما خرج مبارك منه، وبنفس الطريقة أيضاً. في نهاية الأمر هناك من يقول بأن انتشار الإخوان في مصر واستحواذهم على السلطة ما هو إلا نتيجة طبيعية ومأساوية للتشجيع الخفي لنظام مبارك للإخوان. استعمل مبارك العداء الإسلامي للغرب وترك الإخوان يتسللون بحرية في المجتمع، لكي يحصل على الدعم الغربي المطلوب لنظامه.
لم يكن الإسلاميون من إخوان وسلفيين أول من خرج ينادي بالثورة، ولم يكن لهم يد في قيامها. تعاون الإخوان مع الجيش وتعاون الجيش معهم. أثبت الإخوان أن من الصعب أن تثق بوعودهم. كان أول ما وعد به الإخوان هو أن لا نية لهم بالتنافس على اكثر من ثلث المقاعد البرلمانية في 2011 ونكثوا الوعد. تبع ذلك نكث وعد آخر وهو عدم ترشيح أحدهم لمنصب رئاسة الجمهورية، ولكنهم دفعوا بالسيد خيرت الشاطر. بعد أن رفض المجلس العسكري هذا الاختيار، تم دفع مرسي الذي خدع الناس باستقالته من حزب الإخوان. منذ أن استغل مرسي حوادث سيناء في عام 2012 وهو يزج بالإخوان في مراكز القوة وخير مثال على ذلك قوة السيد عصام حداد في الشؤون الخارجية والسيد حسن مالك في الأمور الاقتصادية. لا غرابة أن يرى الشارع المصري هيمنة الإخوان على السلطة.
يدعو السيد مرسي إلى الحوار، وأدرك بان دستوره الغريب في محتواه يحتاج إلى مراجعة. لكنه لم يتحدث إلى الآن عن حكومة إصلاح تجمع جميع قوى المعارضة المصرية. الجيش المصري لا يزال قوياً عسكرياً واقتصادياً، ولكن من الصعب تصور إقحام نفسه في مواجهة الشارع المصري مرة ثانية. انتخابات ابريل لن تزيح الإخوان والسلفيين من السلطة بحكم قوتهم الاقتصادية في التأثير على الناخب المصري. ولكن الأسوأ من ذلك كله أن نسمع الشعب يقول يوماً بأن الأمور كانت أفضل بكثير أيام مبارك.
المصادر:
1- الغارديان 25 – 31 يناير 2013.
2- التايمس 25 – 31 يناير 2013.
3- الإيكونيميست 01 فبراير 2013.
واقرأ أيضاً:
صفقة بين مرسي والرعية... إغريقية أم صينية؟ / جمهورية مصر الإسلامية / سلطان هذا الزمان بين مرسي وسيرة عثمان