قد يستغرب البعض إذا تساءلت: هل انقرضنا حضاريا؟
الانقراض يعني دَرَجَ القوم ولم يبق منهم أحد، والقرض: القطع.
ولا نريد معنى الانقراض باندراج العقب أو فنائه، وإنما غياب المساهمات الحضارية للإنسان في أرضه ووطنه.
ووفقا لهذا المفهوم فإن الإنسان في مجتمعنا قد انقرض، لأنه لم يقدم شيئا مؤثرا في الحياة وهو فوق ترابه. فلم يصنع شيئا مهما، ولم يبتكر ما يحقق تقدما على أي مستوى. ولهذا فالإنسان منقرض، ولذلك فهو يعجز عن إقامة نظام حياته، والوصول إلى عقد اجتماعي يؤهله للتفاعل الإبداعي مع الحياة، لأن إرادة الانقراض تملي عليه الاستكانة والخنوع لها. ولهذا فإن كل ما يقوم به عبارة عن سلوكيات انقراضية، تساهم في زيادة سرعة دوران عجلة الانقراض الحضاري.
وفي هذا جوهر المآسي والتداعيات الحاصلة في المجتمع، والتي تتخذ ما تتخذه من مسميات خداعية وتمويهية، لكن غايتها واحدة وشديدة، هي تأكيد دوران عجلة الانقراض. وربما لا يتفق الكثيرون مع هذه الرؤية، لكنهم يعجزون عن تقديم الدليل الدامغ على أن مجتمعاتنا لا تسير في منحدر الانقراض، وتتأسن فيه وتغرق وتختنق وتصاب بجميع أنواع عسر التنفس والهضم الحضاري المروع.
لم أستطع الإمساك بمثال واحد يعينني على نقض هذه الرؤية، وأستثني منها أبناء المجتمع الذين تواصلوا حضاريا في مجتمعات أخرى.
نعم إنها طاقة الانقراض الفاعلة فينا، هي التي تهدينا إلى سوء السبيل، وإقامة العثرات والتناحر والتصارع، والتفاعل المنفعل، وهي التي تعزز إرادة النفس الأمارة بالسوء، وتقاتل النفس اللوامة وتدوسها بسنابك الفساد. فلا يوجد تفسير لحالة مجتمع لديه ثروات اقتصادية وحضارية وإرث تأريخي عظيم، ولا يتمكن من المواكبة والمعاصرة وامتلاك إرادته والتعبير عن رسالته، بل ولا يمكنه إطعام نفسه وتلبية احتياجاته، دون الاعتماد على غيره.
فهل سنعي نتائج تفاعلاتنا الانقراضية، ونستيقظ من غفلة الاستكانة لآلياتها وكيفياتها الفاعلة فينا؟
فهذه القوة تسخر طاقاتنا الإيجابية وتحولها إلى قدرات سلبية تستنفذنا وتحيلنا إلى عصف مأكول، لأنها قد أثارت فينا دواعي الإفناء، وأججت في الأعماق البشرية اللاواعية رغبات المحق والسحق والبلاء، فيتحول المجتمع بسببها إلى نيران ملتهبة، تسأل عن أحطابها الحية، وتطمع بأكل الساجر والمسجور معا، وهما لا يشعران، لأنها قد جعلت لكل منهما حين.
إن طاقة الانقراض الحضاري الفاعلة فينا، هي مأزقنا الوجودي المعاصر، الذي علينا أن ننتصر عليه قبل أن تقع الواقعةّ!
واقرأ أيضاً:
التعمير النفسي / تفتيق الجراح / يا رسول الله / التفاضل والتكامل!!