من المهم بدايةً أن نفرق بين ثلاثة متغيرات فيما يتعلق بصورة الجسد (الحجم والشكل): الأول هوَ صورةُ الجسد المدركة من قبل الشخص، والثاني هوَ صورةُ الجسد المثالية في رأي الشخص، والثالثُ هو صورة الجسد الحقيقية، فمن الممكن أن يكونَ الخلل في إدراك الشخص لصورة جسده، ومن الممكن أن يكونَ الخلل في عدم تطابق صورة الجسد الحقيقية مع الصورة المثالية حسب تصور ورغبة الشخص دونَ أن يكونَ هنالك خلل معرفي إدراكي.
فإذا كانت هناكَ مشكلةٌ في صورة الجسد المدركة، بمعنى أن المريضةَ ترى وتحسُّ نفسها بدينةً بينما هيَ في منتهى النحول كما نرى في مريضة القهم أو كانت ترى نفسها بدينةً قبيحةً بينما وزنها في الحدود الطبيعية أو المعقولة كما في مريضة النهام فإن إصلاح ذلك الخلل الإدراكي المعرفي يحتاجُ أول ما يحتاج إلى إيقاف سلوك الحمية المتطرف الذي تعيشه المريضةُ بصورةٍ متواصلةٍ في حالة القهم، وبشكلٍ متقطعٍ بنوبات الانفلات تجاه الأكل في حالات النهام، وهناكَ من الدراسات ما يشيرُ إلى أن الحصر الغذائي خاصةً في الحميات المُنَحِّفَةِ المتطرفة الحصر إنما يتسببُ في إحداث خلل معرفي في إدراك الشخص لجسده، حتى أن الدراسةَ العلمية الأولى (Keys et al.,1950) التي اهتمت بالتأثيرات النفسية للحمية قد سجلت حدوثَ مثل هذا التغير بين أفراد الدراسة رغم كونهم كلهم من الرجال، فعديدون منهم اشتكوا من إحساسهم بأن أوزانهم زائدةً رغم أن واقعَ الحال يقول بأنهم يفقدونَ وزنهم باضطراد، وسنعود لتفصيل نتائج هذه الدراسة في فصل الحمية؛
كما أن ملاحظات الكثيرين من الأطباء النفسيين من ذوي الخبرة في علاج حالات اضطرابات الأكل قد أوضحت أن اختلال صورة الجسد في مريضة القهم يتحسنُ من تلقاء نفسه بمجرد استعادتها لبعض الوزن، أو بعد فترةٍ من الإقلاع عن الحصر الغذائي المتطرف الذي كانت تعيش فيه، واختلال صورة الجسد في حالات القهم والنهام عادةً ما يأخذُ صورة الفكرة المبالغ في تقييمها Over-Valued Idea، (بمعنى أن الحالةَ تكونُ مقتنعةً بفكرة أنها بدينة رغم أنها ليست كذلك أو أنها نحيلةٌ في حقيقة الأمر ومنهن من عندما تنظرُ في المرآة ترى جسمها في حجمه الواقعي لكنها رغم ذلك لا تستطيعُ التخلص من إحساسها بأنها بدينة) فهنا تسمى الفكرةُ فكرةً مبالغًا في تقييمها فالحالةُ تستطيعُ تصحيحَ الخلل معرفيا عندما تواجهُ بالدليل لكنها لا تستطيعُ تصحيح الخلل في شعورها بجسمها، إلا أن من بينِ الحالات حالات يصلُ اختلال صورة الجسد فيها إلى فكرة وهامية Delusional Idea، عندما يكونُ تصحيحُ الخطأ المعرفي في إدراك صورة الجسد غير ممكن رغم الدليل المضاد، كأن تشاهد نفسها في المرآة أو ترى تصويرًا لها في السكون وفي الحركة باستخدام الفيديو، وفي مثل هذه الحالات يمكن اللجوء إلى استخدام مضادات الذهان (Jensen & Mejlhede , 2000) ولو لفترة قصيرةٍ للتغلب على الفكرة الوهامية (الضلالية).
وأما إذا ما تمثلت المشكلةُ في التناقض بينَ الصورة الحقيقية للجسد والصورة المثالية المرغوبة فإن العملية العلاجية تنقسمُ إلى قسمين تعليميين متداخلين قسمٌ يتعلقُ بتعليم الشخص بعض التدريبات السلوكية المعرفية التي تساعدهُ على تقبل الجسد وإعادةِ تطبيع العلاقة معه، وذلك لأن الشخصَ غالبًا ما يكونُ في موقف الكاره لجسده والحانق عليه، وما بالك بشخصٍ يكونُ على استعداد لتعريض نفسه لأقصى المخاطر بما فيها العمليات الجراحية من أجل أن يغير صورة جسده، إن على المعالج لكي يتمكنَ من حل هذه المشكلة أن يساعدَ الشخص على أن يحبَّ جسده!، ومهما يبدو هذا الكلامُ غريبًا في نظر البعض فإنها الحقيقة كما هيَ، إن بعض مريضات القهم يتمنين لو استطعن إخفاء أنفسهن، وكثيراتٌ من البدينات يخجلن من رؤية أجسادهن في المرآة ويتجنبنَ ذلك ما استطعن.
وأما القسمُ المعرفي (الثقافي) فيتعلقُ بتوضيح جذور التحيز الاجتماعي غير المنصف تجاه البدانة، ومناقشة الفروض الخاطئة في أغلب الأحوال وغير المثبتة في أحسنها والتي تشيع بين أفراد المجتمع وكأنها حقائق، فيستطيعُ الشخصُ بهذه الطريقة أن يتخلصَ من شعوره بالذنب تجاه ذاته، لأنهُ ليس مسؤولاً عن صورة جسده كما كان يظن، كما أنهُ يستطيعُ التعامل مع أفراد المجتمع وقد أصبحت لديهُ الحججُ التي يرد بها على انتقاداتهم إذا تعرضَ لها، ونستطيعُ تلخيص المقصود بالتعليم والتدريب على تقبل صورة الجسد في النقاط التالية (والتركيز بالطبعِ على علاج عدم الرضا عن صورة الجسد في مرضى اضطرابات الأكل أو المشتكين من البدانة، لأن هذا هو موضوعنا الأساسيُّ في هذا الباب من مجانين:
-1- تقبل الذات (الجسد) كما هيَ : وهذه هيَ الخطوةُ الأولى وعادةً ما يحتاجُ الشخصُ قبل الوصول إلى تقبل جسده أن يبحثَ في ذاكرته عن جذور الرفض الذي تشكل داخله لصورة جسده، وكيفَ كانَ ضحيةً لآراء الآخرين، أو للصور المتداولة في وسائل الإعلام مرئيةً ومقروءةً، وأن تتمَّ مناقشة ذلك كله مع المعالج، كما تتم مناقشةُ اللحظات الصعبة في حياته الحالية والتي تتميز بأسوأ ما يضخمُ لديه الإحساس بالضيق من جسده، ومفيدٌ في هذه المرحلة أن يطلبَ المعالجُ من الحالة كتابةَ قائمةٍ بالأنشطة التي تحب ممارستها أو التي تعطي الشعور بالسعادة بعيدًا بالطبع عن كل ما يتعلقُ بمشكلة الوزن والجسد والأكل؛
ثم يناقشُ المعالجُ مع الحالة بعد ذلك ويفندُ المانع أو الموانعَ التي تحرمها من ممارسة ما تحبُّ من أنشطة، وماذا لو تركت لذاتها حرية الاختيار والفعل، فكثيرونَ من غير الراضين عن صور أجسادهم يحرمون أنفسهم من ممارسة الأنشطة التي يحبونها إلى أن يتمكنوا من إنقاص أوزانهم أو تغيير مظهر أجسادهم، وكأنهم يضعون الأنشطة الحياتية التي يحبونها على الرفِّ في انتظار النجاح في تغيير أجسادهم! ويطلب المعالجُ بعد ذلك من الحالة، بعد إقناعها، أن تعيشَ أسبوعًا تفعلُ فيه ما تحبُّ فعله دونَ حرمان الذات من شيءٍ منه، على أن تتصرفَ أثناءه وكأنها تشعرُ بالراحة تمامًا تجاه جسدها، ثم تتمُّ في الجلسة المعرفية التالية مناقشة ما تعرضت له من خبرات وما طرأ على تفكيرها من أفكارٍ أثناء ذلك الأسبوع (Ciliska ,1999)، ومن المتوقع بل من الطبيعي أن تكونَ هذه المرحلةُ هيَ أصعبُ المراحل، ولذلك يجبُ على المعالجِ أن يقبل من مريضه السير البطيءَ خطوةً صغيرةً فخطوةً صغيرة.
-2- النظرُ إلى الكل وليس إلى الأجزاء: فهناكَ فارقٌ بينَ أن تنظرَ المرأةُ في المرآة إلى بطنها أو أكتافها وبين أن تنظرَ إلى نفسها أو جسدها ككل، ومن المهم في نفس الوقت أن يتخلصَ الشخصُ من كل الملابس التي لا تناسبُ جسده، فكثيراتٌ من النساء اللاتي يتأرجحُ وزنهن خلال فترةٍ من حياتهن يحتفظن بملابسهن القديمة التي لم تعد مناسبةً لهن، بل إن هناكَ من تشتري مقاسًا أصغر من مقاسها بدرجةٍ أو بدرجتين لكي تجبر نفسها على أن تنقص وزنها، وكأنها تشتري الملابس لجسدٍ آخر غير جسدها جسدٍ تفترضُ أنها ستستطيعُ الوصول إليه، وبقاءُ مثل هذه الملابس كثيرًا ما يكونُ سببا في الإحباط الذي لا داعيَ له.
-3- تغيير طريقة الحكم على الجسد: من الممكن أن يحكمَ الشخص على جسده ويقيمه بطريقتين إحداهما هيَ الطريقةُ التي تعتمد على المفهوم الوسيلي أو الواسطي للجسد، والأخرى هيَ التي تعتمد على المفهوم التزَيُّنيِّ للجسد، والمفهوم الوسيلي للجسد هو الذي يقيمُ الجسد من خلاله بما يستطيعُ أن يفعلهُ أي أن الجسد ينظرُ إليه ككلٍّ واحدٍ يؤدي وظيفته؛
وأما المفهوم التزيُّنيُّ فهو المفهوم الذي يقيمُ الجسد من خلاله بمدى تأثيره الجمالي في الآخرين فتعاملُ الفتاةُ شفتيها على سبيل المثال مثلما تعامل القرط الذي تضعهُ في أذنيها، وتعامل أنفها كما تعاملُ قطعةً من الحلي تضعها على صدر الثوب الذي تلبسه، وهكذا يكونُ من الواضح أن الاعتماد على المفهوم التزيني للجسد يميلُ إلى تجزئته أولاً ويميلُ ثانيًا إلى تقييمه على أساس رأي الآخرين فيه أو في كل جزءٍ من أجزائه؛
وهنا يصبحُ الجسدُ أكثرَ عرضةً للتقييم السلبي بكثير، وتوضيحُ مثل هذا الفهم يمكنُ أن يساعد الكثيرين، في تغيير الطريقة التي يقيمون أجسادهم بها، أو على الأقل أن يصبحوا على وعي بأن التقييم التزيني للجسد ليسَ التقييم الوحيد دائمًا، فمن المكن أن يطلب المعالجُ من الحالة ذكر عدة أنشطة تحبُّ فعلها ولكنها تتجنبه ثم يشرح لها معنى الشجاعة في فعل الإنسان لما يريدُ فعله دونَ أن يستسلم للخوف، ويطلبُ من الحالة أن تجرب وتغامر، ثم تعود في الجلسة التالية لتناقش مع المعالج خبرتها ومدى نجاحها في فعل ما كانت تخافُ من فعله.
-4- التدريبُ على الاسترخاء : لعل القارئَ لقانون ابن سينا، ولغيره من علماء العرب والمسلمين القدماء يجدُ العديدَ من الإشارات إلى أهمية الراحة والاسترخاء، بالصلاة والانعزال المؤقت ابتعادًا عن الضجيج كطريقٍ للصحة النفسية والبدنية على حد سواء، إلا أن معظمَ المراجع الغربية والعربية (إبراهيم عبد الستار، 1998, ص 238) ترجعُ الدراسة المنظمة للاسترخاء إلى كتاب الاسترخاء التصاعدي (Jacobson , 1964) لمؤلفه جاكبسون، حيثُ بينَ الكاتبُ أن استخدام طرق الاسترخاء يمكنُ أن يؤدي إلى الكثير من التحسن في العديد من الاضطرابات النفسية والضغوط الحياتية المختلفة ومنها القلق، والاكتئابُ، واللياقة الصحية البدنية والنفسية، وتلاه بعد ذلك الكثيرون من المعالجين السلوكيين في استخدام وتطوير أساليب تدريبات الاسترخاء، فأصبح يستخدمُ كطريقة لمساعدة الشخص على اكتساب الهدوء إزاء المواقف التي قد تكونُ مصدرًا للإثارة الانفعالية لديه (كالظهور أو الحديث أمام الناس، أو المقابلات الشخصية عند الترشح لعمل ما على سبيل المثال)، واكتساب المعانين من عدم الرضا عن صورة أجسادهم لمهارة القدرة على الاسترخاء ستجعلُ قدرتهم على مواجهة المواقف التي يتجنبونها أكبرُ بكثيرٍ؛
كما أن مواجهتهم لتلك المواقف وهم في حالة الاسترخاء سيقلل جدا من الأفكار السلبية التأثير التي عادةً ما تهاجمهم ولا يستطيعون مقاومتها وهم في حالة التوتر، ونظرًا لما أعرفُ أنهُ يدور في ذهن القارئِ الآن من تساؤلات حول كيفية الاسترخاء هذا، ولأنني أعرفُ أن معظم القراء يتبادر إلى أذهانهم الربط بين الاسترخاء والنوم أو على الأقل أن يكونَ الشخص في وضع الهدوء التام، فإنني سأبينُ الآن أن الأمر ليس كذلك، فمن الممكن للشخص المدرب على الاسترخاء أن يسترخي في جميع المواقف التي يريد الاسترخاء فيها حتى وهو يقود سيارته مثلاً، لأن الاسترخاء لا يشترط فيه أن يكونَ كليا، بمعنى أن بعض العضلات التي لا نستخدمها في موقفٍ أو نشاطٍ معينٍ يمكنُ أن يبقيها الشخص في حالة استرخاء، وهذا ما يساعدهُ كثيرًا في التقليل من مستوى توتره في ذلك الموقف، ومن الأفضل أن يبدأ الشخص بتدريب عضوٍ واحدٍ (أو مجموعةٍ واحدةٍ من العضلات) من أعضاء جسده على الاسترخاء، ولنعرض مثلاً لمن يبدأ بتدريب الذراع الأيمن فيمرُّ بالخطوات التالية:
- يغلقُ الشخص راحةَ يده اليمنى بإحكامٍ وقوة،
- يلاحظُ الشخصُ مدى التوتر والانقباض في عضلات يده ومقدمة ذراعه الأيمن.
- يقوم بعد عدة ثوانٍ ببسط (إرخاء) راحة يده اليمنى ويضعها في وضع مريحٍ مثلاً على مسند الكرسي أو الأريكة.
- يلاحظُ الشخص عضلات ذراعه الأيمن وهيَ تسترخي وتتثاقل.
- يقوم الشخص بتكرار هذا التمرين أي عدد من المرات بحيثُ يكونُ العدد كافيًا لأن يدركَ الفرق بين التوتر والشد العضلي في الخطوتين الأولى والثانية، وبين الاسترخاء الذي ينتجُ بعد ذلك عندما يبسطُ راحة يده بسهولة ويسر في الخطوتين الثالتة والرابعة، وكافيًا لأن يتمكنَ الشخصُ من إدراك الفكرة من الاسترخاء العضلي ولأن يتأكدَ من أن بإمكانه ضبط مستوى التوتر في عضلات ذراعه الأيمن حينَ يريد.
ويقوم الشخص بعد ذلك بتكرار نفس الخطوات مع أعضائه أو مجموعات عضلاته الأخرى (Polonsky, 2001)، ومن المفيد في إنجاح هذه العملية أن يحاول الشخصُ أثناءها اكتساب القدرة على التركيز، والإيحاء أيضًا إن كانَ يستخدمُ شريطًا مسجلاً للاسترخاء التصاعدي أو إن كان يمارس التدريب بمعاونة المعالج، فيتم بذلك تدريب التفكير على التركيز في عملية الشد والإرخاء ، فإذا لاحظ الشخص أن تشتتا ما يعتري انتباهه وأفكاره فإنهُ ينصحُ لا بمقاومة هذه المشتتات وإنما فقط بتجاهلها وإعادة تركيزه إراديا إلى الإحساس بالجسد أو العضلات، أو إلى التركيز في صوت الشريط أو المعالج، ومن المكن أيضًا أن تستخدمَ ملكةُ التخيل للمساعدة على تحقيق أكبر قدرٍ من الاسترخاء في أقصر وقتٍ ممكن، فيستطيع الشخص من خلال خلق صورٍ ذهنيةٍ للحظات حياته التي كان يعيشها بمشاعر هادئة وفياضةٍ أن يحققَ أكبر قدرٍ من القضاء على التوتر.
وعندما يتعلقُ الأمرُ بتدريبات الاسترخاء في حالات المشكلات المتعلقة بصورة الجسد فإن للتخيل وظيفةً أخرى، فبعد أن يتقنَ الشخصُ تدريبات الاسترخاء وتصبحُ عمليةً سهلةً بالنسبة له، يبدأ المعالجُ في إرشاده إلى كيفية التدرب التدريجي من خلال التخيل أولاً على التعرض للمواقف التي يكونُ جسدهُ فيها معرًّى بشكلٍ أو بآخر للآخرين.
فعلى سبيل المثال هناكَ من يحجمون عن ممارسة الرياضة نظرًا لخجلهم من هيئة أجسادهم، وهنا يرشدُ المعالجُ الشخص إلى أن يبدأ في تخيل نفسه في ذلك الموقف بعد أن يحدثَ حالة الاسترخاء التي تعود على إحداثها والدخول فيها بنفسه، ومن الممكن أيضًا تدريجُ المواقف المتخيلة من الأسهل للأصعب بحيثُ لا ينتقلُ الشخص من مرحلةٍ إلى المرحلة التي تليها إلا بعد إتقان المرحلة الأولى تماما، فهنا يستغلُّ المعالجُ أو يعلمُ الشخص أن يستغلَّ، حالة الهدوء التي يحدثها في نفسه في مساعدته على مواجهة ما يخشى مواجهته، وعندما يتقنُ الشخص كل المراحل المطلوبة من خلال التخيل ينتقلُ بعد ذلك إلى أداء نفس المواقف في الحياة الواقعية.
-5- تغيير أعضاء الشبكة الاجتماعية : حيثُ يطلبُ من الشخص أن يختار من بينِ المحيطين به أولئك الذين لا يحكمون على أنفسهم ولا على الآخرين من خلال شكل أجسادهم ، فبعد أن تقتنعَ الحالةُ بكذب المقولة التي تروجها كتبُ ومجلات الحمية الغذائية والتجميل وغيرها من أن الطريق الوحيد للتخلص من المشاعر السيئة ومن المواقف الاجتماعية السيئة هو أن تمتلك جسدًا كالذي في الصورة، بعد الوصول إلى هذا الاقتناع سيكون هناكَ بالطبع الكثيرون من الناس في المجتمع لا يتصرفونَ بهذا الفهم، ليسَ لأن هذا هو الفهم الصحيحُ وإنما لأنهُ هو الفكرةُ التي انتشرت مع المثال الغربي الجميل دون أن يناقشها لا أصحابها ولا متلقوها، فمن المفيد، حتى ولو كان ذلك مرحليا أثناء العلاج أن يحيطَ الشخص نفسه بأشخاص متسعي الأفق، وعلى المعالج ألا ينسى أن الحالة ربما لسنوات طويلة مضت كانت تسمع من الجميع أقارب وجيران وأصدقاء وأطباء، أن إنقاص وزنها أو تغيير مظهرها سيجعلها أفضل وأكثر سعادةً إلى آخره من الأفكار المنتشرة بل التي تمثلُ وسواسًا للكثيرين (Wolf, 1990)، ولذلك فليس من المتوقع أن يكونَ تغيير أفكار من يعيشُ في مثل مجتمعاتنا أمرًا سهلاً أو سريع الحدوث.
-6- الاهتمامُ والعناية بالجسد : حيثُ يتعلمُ الشخصُ أن يداومَ على قدرٍ مناسبٍ من الجهد البدني من خلال التريض الذي يتلاءمُ مع طريقة حياته وطبيعة عمله، وأن يهتمَّ بالوجبات الثلاثة، وأن يفكر في علاقة الجسد بالعقل، وأن يدرك أن كل ما لديه هو جسدٌ واحد، ومن المفيد هنا أن يطلبَ المعالجُ من الحالة ذكرَ عدة خصائص تحبها في جسدها، وعدة ميزات تحبها في نفسها مثل القدرات أو المواهب المختلفة، ويقوم المعالجُ أيضًا بحث الحالة على تذكر كل المواقف التي أحبت جسدها أثناءها، أي أن تفكرَ بشكلٍ مناقض لما اعتادت أن تفكرَ به منذ بداية مشكلتها مع الوزن وصورة الجسد.
-7- توكيدُ الذات: من المهم جدا أن يتعلمَ الشخص كيفَ يعبرُ بحريةٍ عن آرائه وعن مشاعره تجاه نفسه وتجاه الآخرين، كيف يستطيعُ فرضَ نفسه على المواقف بدلاً من السماح للمواقف أو للآخرين بفرض أنفسهم أو آرائهم عليه، فيكونُ مستعدًا لمواجهة الآراء والتوجهات السلبية التي قد يقابلها لدى الآخرين، ولعل ممارسةَ الهوايات والفنون تفيدُ في هذه العملية، ويقول عبد الستار إبراهيم (إبراهيم عبد الستار، 1998،ص291) "يشيرُ مفهوم تأكيد الذات إلى خاصيةٍ تبينَ أنها تميزُ الأشخاص الناجحين، من وجهتي نظر الصحة النفسية والفاعلية في العلاقات الاجتماعية"؛
وبعد أن كان توكيد الذات ينظرُ إليه كصفةٍ شخصيةٍ عامةٍ تتكونُ لدى الشخص كما تتكونُ صفاتٌ مثل الانبساط أو الانطواء وتبقى ثابتةً أو مقاومةً للتغيير، أصبحت النظرة النفسية الأحدث لتوكيد الذات هي أنها قدرةٌ يمكنُ تطويرها وتغييرها من خلال التدريب، ويستكمل عبد الستار إبراهيم "باختصارٍ فإن التوكيدية تتضمنُ كثيرًا من التلقائية، والحرية في التعبير عن المشاعر الإيجابية والسلبية معًا، وهيَ بعبارةٍ أخرى تساعدنا على تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من الفاعلية والنجاح عندما ندخل في علاقاتٍ اجتماعيةٍ مع الآخرين، أو على أحسن تقديرٍ تساعدنا على ألا نكونَ ضحايا لمواقفَ خاطئةٍ من صنع الآخرين، ودوافعهم في مثل هذه المواقف"،
ولعلَّ العبارةَ الأخيرة توضحُ المقصود من أهمية تدريب حالة عدم الرضا عن الجسد على توكيد الذات، لأن هذه الحالات دائمًا ما تكونُ ضحيةَ آراء الآخرين (باعتبار الآخرين هنا تشمل وسائل الإعلام)، لأن صورة الجسد التي نرى الحالة تسعى إليها هيَ صورةٌ من صنع وفرض الآخرين وليست صورة جسدها التي خلقها الله عليها، ولعل أصحاب التوجهات النسوية Feminists في العلاج النفسي لعلاج المرأة غير الراضية عن صورة جسدها يوجهونها إلى أن تتساءلَ لا أن تنصاعَ إلى المعايير الاجتماعية التي تدمرُ الجسد ويراجعونَ الذكريات المتعلقة بالضرار الجنسي وما قد يؤدي إليه فيما بعد من مشاعر الخجل المرتبطة بالجسد وصورته الكلية أو صورة أجزاء منه، وبدلاً من ذلك يوجهونها إلى أن تعيد تقييم قوى جسدها وبيان نقاط الجمال والقوة في جسد المرأة الطبيعي، أي الذي يناسبُ الإنسان لا المتاع فقط، وهناكَ بالفعل من يستفدن من مثل هذه البرامج، وإن كانتْ ما تزالُ في مراحل التجريب(Garner& Wolley, 1991).
-8- تفعيل الرضا عن الجسد: وعندما يتمُّ الوصول بالحالة إلى التيقن من خطأ النظرة السابقة إلى الجسد، ويثبتُ الشخص قدرته على تعديل المفاهيم الخاطئة التي عذبته طويلاً، يجبُ على المعالج الانتقال إلى المرحلة التي يتمُّ فيها تفعيل هذه النتيجة، لأن السلوكيات التجنبية والقهرية التي تكونُ مصاحبةً لعدم الرضا عن صورة الجسد (كالحمية، أو الصوم المقطوع بالانفلات في نوبات الدقر، أو الانعزال، أو التريض القهري أو الدوران على مراكز التخسيس أو أطباء جراحات التجميل) مثل هذه السلوكيات لا يشترطُ أن تختفي من تلقاء نفسها بمجرد إصلاح الخلل في صورة الجسد، فبعضُ هذه السلوكيات كثيرًا ما يظلُّ عالقًا بحياة الشخص (Grant & Cash, 1995)؛
وربما احتاجَ إلى تعلمِ أساليبَ جديدةٍ لكي يحافظ على جسده لا أن يتصارع معه، وهنا لابد سيبرزُ سؤالٌ مهمٌّ ستسألهُ الحالةُ إن لم تكن كما في المعظم الأحيان تسألهُ منذ أول لقاءٍ مع المعالج، وهذا السؤال هو : هل يجبُ أن أفقدَ وزنًا أم لا؟
ألا ترى معي أن شكلي سيكونُ أفضل؟ وعند هذه النقطةِ يجبُ على المعالجِ أن يوضحَ الحقائق العلمية الخاصةَ بمآلات الحمية المنحفة وطرق التعامل مع البدانة بمنتهى الأمانة، فمن الغفلة أن نتخيلَ أن الحالة تعيش في الفراغ، بينما الواقعُ أنها تعيشُ وسط مجتمعٍ أصبحَ الربط عندهُ بينَ الرشاقة والجمال والنجاح في الحياة هو ربطٌ يكادُ يكونُ بديهيا (رغم عدم صحة ذلك دائمًا)، فليسَ المقصود من العلاج بالطبع هو الاستسلام بالرضا عن صورةِ جسدٍ مرفوضة، وإغفالُ ربما آمالاً بل أمنياتٍ عريضةً عاشتها الحالةُ وهيَ تعيشُ ترجافَ الجسد أو تأرجحَ الوزن Weight Cycling على سبيل المثال، (رغم أن ذلك ممكنٌ عند المتدينين)، وإنما المقصود هنا، ودائمًا في الحقيقة، هو أن يكونَ المعالجُ أمينًا في تقديم الحقائق العلمية المبنية على التجربة المتكررة والقابلة للتكرار، وهو أن الذين ينجحونَ في تغيير وزن الجسد وصورته ويحافظونَ على هذا التغيير، هم دائمًا وأبدًا وفي كل مكانٍ في العالم أشخاصٌ قد لا يكملُ عددهم أصابع اليد الواحدة! وأن أفضل الخيارات المتاحة هو الانضمام إلى أحد برامج اللا حمية، ولابد بالطبع أن يتوقعَ المعالجُ ألا يقبلَ اقتراحهُ هذا بعد كل ذلك الذي نجحَ في إقناع الحالة به(Garner& Wolley, 1991)، الأفضل دائمًا إذن هو أن يبدأ المعالجُ من حيثُ تقفُ الحالة (وهي تقفُ بالطبع عند نقطة أن فقد بعض الوزن ضروريّ)، ثم يعرضُ لها ما يمكنها من تقييم الخيارات المتاحة أمامها كلها لكي تتجهَ الاتجاه الذي تختاره بنفسها.
المصادر
1. Keys A, Brozek J, et al.(1950) : The Biology of Human Starvation.Minneapolis: Univ. of Minnesota Press.
2. Jensen, V.S , and Mejlhede , A. (2000) : Anorexia Nervosa : Treatment with Olanzapine. Brit. J. Psychi. 177: 87
3. Ciliska , D. (1999) : Beyond Dieting, Psychoeducational Interventions for Chronically Obese Women. New York: Brunner/Mazel.
4. Jacobson , E. (1964) : Progressive Relaxation. Chicago : University of Chicago Press.
5. Polonsky , W.H. (2001) : Relaxation Training. In : J. L. Jacobson and A. M. Jacobson (eds) , Psychiatric Secrets , 2nd Edition. Hanley and Belfus, Inc.
6. Wolf, N. (1990) : The beauty myth. London: Chatto and Windus.
7. Garner, D.M. and Wolley, S.C. (1991) : Confronting the Failure of Behavioral and Dietary Treatments For Obesity. Clinical Psychology Review, 11, 729-780
8. Grant, J.R., & Cash, T.F., (1995) : Cognitive-Behavioral Body Image Therapy: Comparative Efficacy of Group and Modest-Contact Treatments. Behavior Therapy, 26, 69-84.
9. إبراهيم عبد الستار(1998) : الاكتئاب ، اضطراب العصر الحديث ، فهمهُ وأساليبُ علاجه ، سلسلة عالم المعرفة العدد239، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت.
واقرأ أيضًا:
ماذا لدى أطبائنا لعلاج القهم العصبي؟ م مشاركة / من القهم إلى القهم النهامي والاكتئاب / قهم عصابي وميول جنسية مضطربة / نهامٌ أم قهم نهامي؟ / اضطراب القهم النهامي