يشكّل اللوبي الصهيوني قوة أساسية في الولايات المتحدة ويقوم بصنع القرار السياسي المتعلق بالبلدان العربية والإسلامية وبشكل خاص قضية فلسطين و الصراع العربي - الإسرائيلي.
ونجح بزرع أعضائه في أهم المراكز الرئيسية والحساسة في الإدارات الأميركية إبان عهد الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما.
ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تولى اليهود أهم المناصب التي تتحكم في الاستراتيجية الأميركية الشاملة والسياسة الخارجية في البيت الأبيض وفي وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي والمخابرات المركزية.
وقام اللوبي اليهودي بتأسيس مجموعات التفكير وغرسها في الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ونجح في تعيين اليهود في أهم المناصب الحساسة في الدولة الأميركية على أن تكون مهمتهم الأساسية توجيه القرارات والمواقف والممارسات الأميركية لصالح إسرائيل وضد الوحدة العربية وقضية فلسطين ومحاربة العروبة والإسلام، بحيث يمكن القول إنه لا توجد سياسة أميركية تجاه المنطقة وإنما سياسة إسرائيلية تتبناها الولايات المتحدة الأميركية.
احتلت اليهودية أولبرايت في عهد الرئيس كلنتون كأول امرأة أميركية منصب وزيرة الخارجية، وتولى الجمهوري اليهودي وليم كوهن منصب وزير الدفاع. وشغل صموئيل بيرجر منصب مستشار الأمن القومي، وجون دويتش منصب مدير الاستخبارات المركزية، بالإضافة الى تغلغل اليهود في وزارتي الدفاع والمالية، وتولى اليهودي جرينسبان منصب مدير البنك المركزي، وهو الذي كان يحدد أسعار الفائدة والعملة وأسعار البورصة في نيويورك.
وسيطر اليهود سيطرة تامة على مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية والإعلامية. وبالتالي أحكموا سيطرتهم على صنع المخططات والتقارير الاستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية.
وأصبح الرئيس كلنتون والرئيس بوش الابن دمى يحركها ويوجهها اللوبي اليهودي وقادة إسرائيل.
وتولى اليهود وغالبيتهم من الليكوديين المفاوضات لحل قضية فلسطين مع القيادة الفلسطينية والدول العربية ومنهم مارتن انديك ودنيس روس وعمانوئيل.
ولم يكتف نتنياهو رئيس وزراء «إسرائيل» بهذه السيطرة، بل هدد بحرق البيت الأبيض عندما اختلف مع الرئيس كلنتون، وفجّر له بالفعل فضيحة مونيكا لوينسكي التي حوّلت الرئيس الأميركي إلى أسير في أيدي اللوبي اليهودي «وإسرائيل». ونجحوا بابتزازه ومساومته على الاستمرار في منصبه مقابل تبنيه لموقف الليكود بالكامل.
لقد تعزز التحالف إبان ولاية الرئيس بوش الابن بين المحافظين الجدد واللوبي اليهودي والتحالف المسيحي وبين الرئيس بوش ونائبه تشيني ووزير حربه رامسفيلد والليكود بزعامة الإرهابي شارون.
وتبنى الرئيس بوش مخططات شارون وأعطاه الضوء الأخضر للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير منجزاته وكسر إرادة قيادة منظمة التحرير وفرض مشروعه للتسوية تحت ستار (خريطة الطريق) والانفصال الأحادي عن قطاع غزة وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات الكبيرة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الكيان الصهيوني.
وأدى التغلغل اليهودي في الإدارات الأميركية الذي لا مثيل له على الإطلاق لا في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ولا في تاريخ أي دولة من دول العالم إلى قيام اليهود بصنع القرارات السياسية والعسكرية الأميركية في البلدان العربية والإسلامية لصالح «إسرائيل» والصهيونية العالمية وضد حقوق الشعب الفلسطيني.
ويعتبر تعيين الولايات المتحدة لليهود لصنع قراراتها ومواقفها ولتحديد علاقاتها مع البلدان العربية ولإيجاد تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي من أكبر مظاهر تهويد الإدارات الأميركية وأفظع أشكال الاستهتار الأميركي بالحكومات العربية ويجسِّد الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل.
بدأ اليهود منذ مطلع الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين بتسويق استخدام القوة العسكرية والحروب الاستباقية وفرض العقوبات الاقتصادية على البلدان العربية والإسلامية لفرض الهيمنتين الأميركية والإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط الكبير كمقدمة لفرضها على العالم، ولتسويق مخططات الشرق الأوسط الجديد التي وضعتها «إسرائيل».
ويأتي اليهودي بول ولفوويتس، نائب وزير الحرب الأميركي في مقدمة الذين نادوا بالحروب الاستباقية لتدمير العراق وجيشه ومنجزاته والسيطرة على مقدراته ونهب نفطه وتغيير وجهه العربي وتفتيته وجعله البوابة لاقامة مشروع بوش للشرق الأوسط الكبير، وهو الذي نظّر لحروب مئة عام ضد الإسلام، ونصح الرئيس بوش بصرف أنظاره فترة طويلة عن إيجاد تسوية لقضية فلسطين والصراع العربي- الصهيوني وإطلاق العنان لمجرم الحرب شارون والفاشي نتنياهو بالاستمرار في الهولوكوست على الشعب الفلسطيني.
وجاءت الحرب العدوانية على العراق تجسيداً للمخططات التي وضعها يهود الإدارة الأميركية وعلى رأسهم وولفوويتس وريتشارد بيرل للقضاء على الجبهة الشرقية وللثأر والانتقام من الشعب العراقي وإضعاف الأمن القومي العربي. وكانت اليهودية العالمية وإسرائيل قد قررتا اعتبار الإسلام بعد انهيار الشيوعية العدو الجديد للغرب وأعلنتا الحرب على العروبة والإسلام وعلى العرب والمسلمين.
وجاء اليهودي صموئيل هنتنغتون، ووضع نظرية «صدام الحضارات»، وتبنتها إدارة الرئيس بوش، كما تبنّت المخطط الذي وضعه اليهودي برنارد لويس حول الشرق الأوسط الجديد.
لقد تبنت إدارة الرئيس بوش نظرية «المواجهة مع العالم الإسلامي» بعد أن سخّرت الإسلام والمسلمين وأموالهم في بعض دول الخليج لإلحاق الهزيمة في الجيش السوفييتي في أفغانستان.
واليهود هم الذين وضعوا للإدارة الأميركية نظرية «المواجهة مع الإسلام» وإعلان الحرب عليه، وكان على رأسهم دانيل بايبس، وبرنارد لويس ومارتن كرامر.
وروّجتْ مراكز البحوث والدراسات اليهودية والمراكز الأميركية الأخرى التي يعمل فيها محاربة العروبة والإسلام وحركات المقاومة والأحزاب والدول والشخصيات والقيادات القومية لتنفيذ المخطط اليهودي بإعلان الحرب العالمية على الإسلام.
زعم اليهود وزعمت «إسرائيل» كعادة اليهود في الكذب، وهم أساتذة كبار في فن الكذب، أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويرتبط مع تنظيم القاعدة ويهدد الأمن الأميركي والأمن في المنطقة.
ونجحوا بإقناع الرئيس بوش بوجوب شن الحرب على العراق وتدميره واحتلاله، وتغيير وجهه العربي وتفتيته وجعله البوابة لرسم خريطة جديدة للمنطقة أسوأ من خريطة سايكس- بيكو وإقامة إسرائيل العظمى من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ونجحوا في إقناع الرئيس بوش بأن العرب لا يفهمون إلاّ لغة القوة، وأن تنظيم القاعدة نما وترعرع على كراهية أميركا والغرب والحضارة الغربية بفعل الدين الإسلامي والنظم الاجتماعية والثقافية والتعليمية القائمة في هذه البلدان العربية والإسلامية.
وأخذت «إسرائيل» تسعى سعياً حثيثاً للإسراع بشن الحرب العدوانية على العراق للقضاء على النظام فيه وعلى جيشه وتدمير منجزاته وأسلحته واغتيال علمائه.
فالاستراتيجية الصهيونية تقوم على تفتيت الدول العربية الكبيرة ووأد فكرة الوحدة العربية لضمان تحقيق تهويد فلسطين وإقامة «إسرائيل العظمى» وتولي قيادة نظام الشرق الأوسط الكبير بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الامبريالية الأميركية كمقدمة لفرض هيمنة الصهيونية على العالم.
وقامت الولايات المتحدة بشراء مواقف بعض الأطراف العربية، للتأثير على مواقفهم وتصفية قضية فلسطين وتمرير المشروع الأميركي للمنطقة.
ورّطت الولايات المتحدة الأميركية بعض الحكام العرب بمساعدة النظام العراقي في حربه ضد إيران. وحَمَلتْ بعض الدول العربية في الخليج على تمويل هذه الحرب. وخرج الجيش العراقي منها قوياً، مما قد يشكل تهديداً لهيمنة «إسرائيل» على المنطقة. ونجح اللوبي اليهودي ونجحت «إسرائيل» في إقناع إدارة الرئيس بوش الأب بوجوب تدمير الجيش العراقي للحفاظ على أمن «إسرائيل» والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وعملت الولايات المتحدة مجدداً عن طريق علاقاتها ونفوذها على بعض الشخصيات العربية الحاكمة على توريط النظام العراقي في الحرب على إيران والكويت، ولا يزال المواطن العربي يذكر الدور الذي قامت به السفيرة الأميركية في بغداد بتشجيع النظام العراقي على احتلال الكويت ولا تزال السفيرة مختفية عن الأنظار حتى اليوم كي لا يتضح حقيقة الموقف الأميركي من احتلال الكويت.
أقام الرئيس بوش الأب التحالف الدولي تحت ستار «تحرير الكويت» وأعلن الحرب على العراق في عام 1991 بعد أن سحب قواته من الكويت وقام الجيش الأميركي بتدميرها وهي في طريق انسحابها من الكويت إلى البصرة وذلك خدمة للمصالح الأميركية والإسرائيلية في الخليج والسيطرة على النفط والأموال فيه، والتوسع في إقامة القواعد العسكرية في البلدان العربية.
وجاء الرئيس بوش الابن بتحريض من اللوبي اليهودي وإسرائيل ومن المحافظين الجدد والأصولية المسيحية ليكمل ما لم يتمكن والده من تحقيقه في حرب الخليج الثانية وهو تدمير العراق وتغيير نظامه وإعدام رئيسه واحتلاله والاستيلاء على نفطه وثرواته، وإرجاعه إلى مرحلة العصور الوسطى، وتسخيره ليكون بوابة العبور لمشروع الشرق الأوسط الكبير لتحقيق المصالح والمخططات الإسرائيلية والأميركية.
واقرأ أيضاً:
أعمدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة/ ينابيع الإرهاب الإسرائيلي/ إسرائيل أخطر دولة إرهابية في العالم/ الاستعمار الاستيطاني غدة سرطانية خبيثة/ الصهيونية ومصطلح الشرق الأوسط