مقدمة:
هناك صورة جبهيه وأخرى جانبية لكل إنسان. الصورة الجبهية Frontal Picture يراها الناس بكل وضوح ولا تكشف إلا ما يود الإنسان أن يكشفه. هذه الصورة الجبهية يراها الجميع ويرضى بها الأغلبية. لكن هناك صورة جانبية Profile Picture يعنى بها بعض من يحترف أو يهوى علم النفس والطب النفسي. هذه الصورة الجانبية لا يحبها صاحب الصورة، وحتى من يرسمها لا يقوى على عرضها.
من هذه القواعد يتطرق البعض إلى الصور الجانبية لأفراد في مجالات السياسة والدين والفن لأنهم في مواقع قوة في المجتمع. يمكن الحديث عن أي رجل دين وزعيم عربي وعالمي، وفنان وغيرهم من هذا المنطلق. لتوضيح هذه القاعدة تتطرق السطور أدناه لصورة جبهية وجانبية لامرأة من بورما. كتبت ونشرت بعض هذه السطور أولاً في 29 حزيران 2012 1 .
الصورة الجبهية:
لا أحد اليوم يجهل سيرة امرأة نجح حزبها في الفوز بجميع مقاعد برلمان بورما عام 2012. غير أن وضع هذه السيرة أمام القارئ والناس قد لا يخلو من التناقض إن تم سرد قصة حياة السيدة أونغ سان سو كي بطرق مختلفة.
صورتها الجبهية أو سيرتها الإعلامية اليوم هي امرأه ناضلت من أجل الحرية والديمقراطية في بورما. قررت أرقى جامعات بريطانيا والعالم وهي أوكسفورد، منحها شهادة الدكتوراه الفخرية قبل عدة سنوات ولكنها لم تستطع تسلم هذه الشهادة حتى يوم الحادي والعشرين من حزيران 2012.
غادرت بريطانيا إلى بورما في عام 1988، وخلال أسابيع من وصولها تسلمت قيادة حركة معارضة للنظام العسكري في وطنها الأم. استجاب العسكر بعد عامين من بداية هذه الحركة للمطالب الديمقراطية وفاز الحزب الوطني الديمقراطي بها. انتهى الأمر برفض العسكر، توازياً مع طبائعهم، إلى رفض النتائج ووضع من فاز بها تحت الإقامة الجبرية ومنهم السيدة الفاضلة.
لم تتأخر الشعوب الإسكندنافية بمنحها جائزة نوبل في عام 1991 وقضت السيدة خمسة عشر عاماً تحت رقابة العسكر وحصارهم. انتهى الأمر واستجاب العسكر لمطالب الجماهير ونجحت السيدة وحزبها بالفوز بانتخابات 2012 بدون منافسة تذكر. زارت السيدة هيلاري كلنتون وغيرها بورما وتحركت السيدة كي غرباً لتتسلم جائزة نوبل والدكتوراه الفخرية.
إن وضعت هذه السيرة أمام الناس فالجواب هو أن السيدة هي رمز الأمل الإنساني والعالمي وهذا ما صرح به كبار رجال السياسة في الغرب وبريطانيا. ولكن هناك سيرة ثانية يمكن إضافتها ووضعها أمام الناس التي لا تعني كثيرا بالسياسة ومصائبها.
الصورة الجانبية النفسية:
هذه الصورة لا تعنى بالسياسة2. السيدة كي من جذور أرستقراطية ووالدها كان من كبار ضباط الجيش أيام استقلال بورما. تلقت تعليمها في بورما والهند وفي مدارس خاصة وتوجهت بعدها نحو أكسفورد لدراسة العلوم السياسية والفلسفية والاقتصادية (Politics Philosophy & Economics (PPE . أحبت شابا باكستانيا يدعى طارق حيدر وانتهت العلاقة لسبب أو لآخر. فشلت في الحصول على درجة جيدة في النجاح وتخرجت بالمستوى الثالث والأخير في الستينيات من القرن الماضي. توجهت نحو نيويورك وتم تعيينها في أروقة مكاتب الأمم المتحدة رغم فشلها في الحصول على درجة تعليمية تؤهلها للعمل فيها.
بدأت تراسل أحد المفكرين من أكسفورد مولع بالفلسفة البوذية، وشدت الرحال إلى أكسفورد ثانية لتتزوج من السيد آريس. حاولت السيدة كي الالتحاق ثانية للدراسة في أكسفورد في أمل الحصول على درجة أفضل من السابقة وتم رفضها.
ابنها الأكبر ألكسندر (39 عاماً) يعيش في معبد بوذي في أوريغون أما ابنها الأصغر كيم (35عاماً) فيقضي حياته في مركب خشبي في مقاطعة أكسفورد بعد أن هجرته زوجته وشدت الرحال إلى البرتغال مع طفليهما. لم تزر السيدة وطنها خلال تلك الأعوام حتى وصل خبر تدهور حالة والدتها صحياً في عام 1988. خلال أسبوعين من وصولها بدأت بالعمل السياسي تاركة زوجها وأطفالها في بريطانيا. تدهورت حالة زوجها الصحية وسمحت لها السلطات بمغادرة بورما ولكنها رفضت وودع زوجها الدنيا في 1999. لم يحرص أحفادها وعائلة زوجها الراحل على لقائها وهي تزور المدينة بعد الأخرى في 2012 وتلقي التصريح بعد الآخر لجهات الإعلام.
التحليل:
إن تم وضع الصورة أو السيرة الأولى أو الثانية على انفراد أو تم جمعهما، فالنتيجة هي الحصول على أكثر من رأي وتحليل نفسي لشخصيتها.
٠ في عالم حضاري إعلامي يتميز بثقافة نرجسية هائلة سيصدر الحكم الذي يقول بأن هذه المرأة شأنها غير بقية الرجال والنساء. من جراء رد الفعل التلقائي لكل إنسان يواجه مصيبة بعد أخرى، تراه يسرع في ندب حظه ويبدأ بصياغة أغنية مأساوية يذيعها على من يقابله من بشر. أما هذه السيدة فقد رفضت الاستسلام لمصائب القدر واستمرت تناضل من أجل رفع شعار الديمقراطية والحرية في موطنها الأم. رفضت العودة إلى زوجها وأطفالها ومغادرة بورما لتودع زوجها قبل رحيله من الدنيا في التسعينيات بعد أن رفضت السلطات في بورما السماح له بالدخول لتدهور صحته واقترحت أن تغادر السيدة البلاد بدلاً من ذلك.
٠ البعض ينظر إلى السيدة كي نظرة تحليلية نفسية غير النظرة المثالية للإعلام. هذه السيدة هي مثال الفرد الناجح في اغتنام الفرص لأغراض شخصية بحتة. امرأة عانت من انتشار هويتها وبحثت عنها في المدارس اليسوعية في الهند وبعدها في جامعة بريطانية. فشلت في علاقاتها العاطفية في الجامعة وحتى بعد تخرجها وانتهى الأمر بتعلقها ببديل الأب. تحوم الشكوك حول تعلقها ببديل الأب ويمكن القول بأنها خططت للتعلق به. لم تتخلص من عقدتها في عدم السماح لها بعمل شهادة أخرى في أكسفورد لتجاوز محنة التخرج بدرجة واطئة، وارتباطها بزوجها ربما كان لمنفعة شخصية أيام دراستها العليا في الثمانينيات.
لم يكن رجوعها إلى الوطن الأم إلا لوداع أمها وما هي إلا أسابيع وسنحت لها الفرصة من جراء شهرة والدها للخوض في عمل سياسي كشفت الأيام إلى يومنا هذا افتقارها إلى الكفاءة فيه. يمكن ملاحظة النقطة الأخيرة من خلال تصريحات غير مسؤولة لا تبعث الأمل والطمأنينة في قلب أي مستثمر غربي قد يفكر في بورما مستقبلاً.
في نهاية الأمر ما هي إلا زوجة هربت من زواج غير سعيد وضحت بزوجها وأطفالها من أجل المجد والشهرة ورفعت راية الديمقراطية والتضحية من أجل بورما لتتجاوز عقدا نفسية شخصية. النتيجة هي أنها سيدة لم تمتلك المقدرة العقلية والعاطفية التي تسمح لها بتجاوز نرجسيتها المرضية ولا رعاية من حولها. فشلت في رعاية مصالح أطفالها فكيف يمكن أن ترعى مصالح بلد عدد سكانه يقارب الأربعة والخمسين مليون نسمة. تركت أطفالها وهم في عمر المراهقة وغاب الأب عن دنياهم والحياة بأسرها. انتهى حال أحدهم أن يعيش في معبد ديني والآخر فشل في رعاية بيته وأصبح أشبه بالمتشرد يعيش على هامش الدنيا.
٠ إن سيرة هذه السيدة الفاضلة تطرح العديد من التساؤلات حول سلوك الإنسان في عالم السياسة والشهرة والمجد . هناك من يقول أنها مثال التضحية والإيثار ولكن الكثير من البشر من الذين يكافحون يومياً لرعاية عائلته وأطفاله، سيقولون هذه المرأة مثال التضحية والإيثار الكاذب Pseudo-Altruism وقد يتجاوز ذلك ويطلق تعبير الانتهازية Opportunistic عليها.
٠ هناك من يقول أنها ضحت بعائلتها وأطفالها من أجل حب الوطن وتربته وحقوقه المشروعة في الديمقراطية والحرية. على ضوء ذلك ما هي إلا أعلى رموز نكران الذات. لكن الحقيقة غير ذلك فإن تلك التضحية هي من أجل سد الاحتياجات النفسية التي لم توفق السيدة في تلبيتها، من قبل وبعد زواجها، وما هي إلا أعلى مثال من أمثلة السلوك الأناني Selfishness للإنسان. رفع شعار الوطن وتربته ما هو إلا أحد مظاهر النرجسية بكل ما تعنيه الكلمة.
٠ يحاول كثيرون تشبيه قضيتها مع قضية نيلسون مانديلا وكفاحه ضد العنصرية. غادرت بلادها لحضور الاحتفال بعد الآخر ومعالم صراعات عرقية واضطهاد لأقلية بنغالية بدأ يتصاعد في بورما ولم تتطرق السيدة الفاضلة3 إلى هذا الأمر في أحاديثها عام 2012. كانت لا تزال في نشوة الشهرة والحصول على شهادة فخرية قد تسد ذلك النقص الذي تحمله منذ أيام شبابها.
٠ مر ما يقارب العام على التكريم المسرحي الهستيري العالمي لهذه المرأة، وتصفية وحرق الأقلية البنغالية المسلمة في أنحاء بورما في تصاعد. ولا تزال هذه المرأة ترفض استنكار أعمال العنف لسبب واحد وهو أن صفاتها النرجسية تسمح فقط بعملية تماثل Identification Process مع من يرتكب هذه الجرائم. الآن فقط بدأ البعض يتحدثون4 عن شكوكهم في هذه المرأة!!!.
٠ خلد التاريخ مانديلا بحق، وقد يخلدها أيضاً، فحضارتنا اليوم حضارة نرجسية هستيرية.
ملاحظات:
1- تم نشر مقال صورة جانبية نفسية لامرأة من بورما يوم 29 حزيران 2012 في عدة مواقع وتعرض للنقد لتهميشه لسيدة بورما الأولى.
2- سيرتها الشخصية: انظر إلى المقال الافتتاحي لجريدة التايمس اللندنية في 20 حزيران 2012.
3- تصريحات السيدة: انظر إلى مقال حول بورما في الإيكونيميست يوم 17 حزيران 2012. يعنى هذا المقال بالجوانب الاقتصادية لبورما وفيه إشارة إلى افتقار السيدة إلى التصريحات المسؤولة التي تشجع المستثمرين.
4- انظر جريدة التايمس والإنديبندت يوم 27 آذار 2013 عن حرق وتشريد الأقلية البنغالية في بورما والسكوت الذي لا نهاية له للسيدة والغرب.
واقرأ أيضاً:
ألم وبرد وغفران / معاملات بشرية... قصة رجل وحصان / حلم ورؤيا من التراث إلى العلم / الحضارة العربية الراهنة بين الماضي والمستقبل
التعليق: صرح اليوم وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني وفرنسا بأن بورما الآن دولة ديمقراطية وتم رفع الحصار عنها ...
ما هي إلا دقائق ويبث التلفزيون البريطاني التطهير العرقي والتعذيب الوحشي للأقلية المسلمة وهي تحدث أمام أعين الجيش والسلطات الحكومية ..
أما هذه المرأة فلا تزال على حالها مثال النرجسية ونفاق الغرب