مقدمة:
الحياة الجنسية الناجحة للرجل أو المرأة تلعب دورها في تكييف تفكير الإنسان واكتسابه لعواطف إيجابية حاصلتها النهائية هي:
٠ الشعور بالثقة بالنفس.
٠ الشعور بالقدرة على مواجهة التحديات.
٠ القابلية على الاتصال المعرفي والعاطفي مع الآخرين.
٠ الشعور بالبهجة ولذة الحياة.
قد يقول البعض أن هذه النتائج يمكن الوصول إليها عن طرق أخرى، وهذا لا يخلو من الصحة. لكن كما تم التطرق إليه في مقالات سابقة فإن الحياة الجنسية تؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الكيمائية في الجهاز العصبي التي تساعد الإنسان في السيطرة على وتطوير عواطفه والتحكم في وظائفه الإدارية1.
الحضارة العالمية كانت ولا تزال إلى حد ما تحت سيطرة الرجال3، والرجل يسعى دوماً إلى تهميش دور المرأة. يمكن تتبع أهداف الكثير من الرجال أحياناً إلى تهميش المرأة عن استعمال الوسائل التالية:
1- دفع المرأة عن طريق الأعراف والقواعد الاجتماعية الذكورية إلى اختيار العزلة والعيش ضمن محيط ضيق يسد احتياجاتها اعتماداً على تفكير الرجل4. هذا الأسلوب لا يزال واسع الانتشار في الشرق العربي والكثير من بلاد العالم.
2- التحرش بالمرأة أو الاعتداء عليها.
الأعراف والقواعد الاجتماعية:
يمكن تتبع تهميش المرأة عبر الأعراف والقواعد الاجتماعية عن طريق دراسة تاريخ الفن المسرحي في بريطانيا في القرن السابع عشر2. تأخرت بريطانيا عن بقية دول أوربا في ظهور المرأة على خشبة المسرح وخاصة في فرنسا وأسبانيا وإيطاليا. كان الرجال يقومون بأدوار النساء ولكن الحال تغير في نهايات القرن السادس عشر.
كانت أم ملك بريطانيا (شارل الثاني) هينريتا ماريا فرنسية الأصل، وكانت تشجع دوماً قيام المرأة بدورها كاملاً في الفن. قامت حركة دينية أشبه ما تكون بحركة سلفية تسمى بالمتطهرين Puritans دفعت بالملك إلى المنفى في الخمسينيات من القرن السابع عشر. تأثر الملك بما شاهده في أوربا، وعندما عاد إلى عرشه في عام 1660 كان من أول ما عمله فتح المسارح التي أغلقها السلفيون قبل ثمانية عشر عاماً، وسمح بظهور المرأة على خشبة المسرح. بدأ المسرح منذ ذلك الوقت يعالج تسلط الرجل السياسي والجنسي والاجتماعي الذي لا حدود له، واستغلال المرأة الذي لا نهاية له. تم طرح معاناة المرأة بصورة درامية وكوميدية ومن ثم توصيل الرسالة الفنية إلى الجمهور التي تعبر عن معاناة شريحة من المجتمع. هذه المعاناة طالما تتطرق إلى أقليات متعددة في المجتمع غير أن معاناة المرأة هي مأساة نصف المجتمع على أقل تقدير.
ساهمت الصحافة في نهاية القرن السابع عشر بتخصيص حقول خاصة للنساء لطرح آرائهن الشخصية حول العلاقات الزوجية والعاطفية. وساعد ذلك في توعية المجتمع والرجال خاصة والعمل على نبذ تهميش المرأة.
أبدع الإعلام العربي المصري في توصيل رسالته عن معاناة المرأة منذ بدايات القرن العشرين سواء كان ذلك عبر المسرح أو السينما. استمر طرح هذه المعاناة حتى يومنا هذا، ولكن هناك طرحا معاكسا أيضاً لعب دوره الظاهر والخفي في تهميش دور المرأة أيضاً.
هذا الطرح المعاكس بدأ يأخذ منعطفاً في غاية الخطورة في السنوات الماضية لأسباب سياسية واجتماعية، ونجح في تقييد الحرية الشخصية للنساء وبالتالي تهميش دورهن. استغل التيار الذكوري عالم الفضاء في نقل رسالته وبدأ الرجال يطرحون القواعد والتوجيهات حول لباس المرأة وزينتها واستعمال أشد الألفاظ قبحاً وهي عورة المرأة. تجاوز الطرح أحياناً حدود المعقول وخاصة في مجال الزواج المؤقت الذي أصبح أحد مظاهر المجتمع العربي الإسلامي في الآونة الأخيرة. كل ذلك دفع بلصق وصمة عار Stigma بالنساء.
التحرش والاعتداء على النساء
من يتتبع أخبار السياسة والحروب يلاحظ شيوع ظاهرة الاعتداء على النساء عن طريق الاغتصاب. هذه الظاهرة لها تاريخها عبر جميع الحضارات، ولا تزال قائمة إلى الآن، وربما كان أكثرها انتشاراً في حرب سيراليون الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي. هناك من يفسر هذه الانتهاكات بأنها جزء لا يتجزأ من ميول الرجل إلى التسلط والسادية، وهذا الرأي لا يخلو من الغلو على أقل تقدير. ليس جميع المجندين من الأشرار وخاصة في الجيوش النظامية ومن الصعب أن تتصور أن الرجل الذي لا يملك صفات شخصية عدوانية قادر على ارتكاب هذه الانتهاكات دون إصدار أوامر قهرية عسكرية.
الاغتصاب الجماعي الذي يحدث أيام الحروب يتم بعد إصدار أوامر من رجال في السلطة، ومن الصعب أن تتصور كيف يمكن لرجل يحمل جينات إنسان أن يشعر بالمتعة والارتياح من جراء هذا الفعل الوحشي. تصدر هذه الأوامر من أجل تحقيق هدف معين وهو أن اغتصاب المرأة سيضمن نتيجة حتمية هي إخضاع واستعباد نصف المجتمع على الأقل. نتائج الاغتصاب تفقد المرأة التي هي نصف المجتمع، قابليتها على الاندماج الاجتماعي والاندفاع من أجل التطور. كل ذلك يضمن انتصار الرجل والتمتع بحريته.
هذا الطموح الذكوري العام لا ينفصل عن طموح أعلى لدى الصفوة الحاكمة في أي مجتمع وهو الحفاظ علي وجودها في السلطة عن طريق استبعاد وتهميش أكبر شريحة من المجتمع (رجال ونساء)، وتستخدم في ذلك ثقافة تكرس مفاهيم تؤكد على فكرة تبعية النساء للرجال وأن المرأة في حد ذاتها "عورة" ينبغي على الرجال عدم الكشف عنها وإخفاؤها عن العيون، مما يعني أن الاعتداء على النساء هو وصمة عار في جبين العائلة بأكملها وليس في حق المرأة فقط، على عكس الحال بالنسبة للرجال. هذه السياسة لا تخلق صراعا دائما بين المرأة والرجل وسعي الأخير إلى فرض سيطرته على المرأة وإبعادها من مجال نفوذه فقط، وإنما أيضا تجعل من الاعتداء الجنسي على النساء في أوقات الحروب والصراعات السياسية وسيلة ناجحة لاستبعاد شريحة كبيرة من الرجال أنفسهم وليس النساء فقط، إذ يعتبر الاعتداء على المرأة هو في حقيقة الأمر اعتداء على عورة الرجال (أي نسائهم).
أما خارج نطاق الحروب، فالاعتداء على النساء يتم على بعد يمتد من ظاهرة التحرش بالنساء في الأماكن العامة إلى محاولة الاعتداء عليهن جسدياً وفي النهاية اغتصابهن. العديد من حوادث الاغتصاب فردية ولا تختلف عن أي جريمة عنف، وكذلك الأمر مع حوادث التحرش بالنساء في الأماكن العامة. من المتوقع أن تضمن الدولة حماية النساء عن طريق القانون والأهم من ذلك ضمان تطبيق هذا القانون لحمايتهن. لكن عندما تلاحظ انتشار هذه الظاهرة اجتماعياً وقلة أو غياب تطبيق القانون لحماية النساء يمكن استنتاج ما يلي:
1- عدم فعالية الدولة.
2- الاستهتار بقانون الدولة.
3- التشجيع الخفي غير المباشر لهذه الظاهرة على مستوى الدولة والمجتمع.
من البديهة أن ينظر المجتمع إلى التحرش بالنساء بصورة سلبية ويتم إلصاق وصمة عار بالمعتدي. لكن هذه الوصمة قلما يتم لصقها على ظهر المعتدي، إنما على العكس من ذلك تصبح أشبه بوشم دائم يتم لصقه على جبين الضحية ويبدأ المجتمع باستعمال دفاعات نفسية ذهانية Psychotic Defences بتحوير Distortion وإنكار Denial الحقيقة واستعمال التعقيل النفسي (أو آلية العقلنة Intellectuallization الدفاعية) بما لا يستند إلى حقائق علمية ولا قواعد أخلاقية، ومن هذه الدفاعات:
1- امرأه متحررة.
2- رغبتها الخفية في الاعتداء عليها.
3- دعوتها وتشجيعها المعتدي.
4- خروجها عن الطريق المستقيم.
5- عدم ارتداء الحجاب.
هذه الحلقة المغلقة من سلوك عدواني وتبريره ولصق الوصمة بالمرأة يؤدي بالنهاية إلى نتيجة واحدة وهي استعباد النساء ولا يختلف في إطاره ونتيجته عن الاغتصاب الجماعي أثناء الحروب. يمكن توضيح ذلك بهذا المخطط:
الأوامر الخفية:
هناك عدة نظريات لتفسير الأوامر الخفية لاستعباد النساء وقت السلم5. هناك من يوجه الاتهام نحو الرجال جميعهم على حد سواء ويبرر الظاهرة بأن استعباد النساء هي من صفات الرجل الذي يضمن سيطرته على المرأة وبالتالي يوفر ذلك له الفرص للعمل بدون منافسة من النساء والمتعة بالمجتمع بدون قيود.
البعض يوجه التهمة نحو المؤسسة الدينية واصفاً إياها بالتخلف الفكري والانحدار الأخلاقي والازدواجية في التنفيذ. رغم أن هذا الرأي لا يخلو من الصحة ولكن المؤسسة الدينية لا تحتوي إلا على أفراد من المجتمع الذكوري وتتميز بسيطرة الرجال على إدارتها وفكرها. على ضوء ذلك يمكن القول بأن رجال المؤسسة وليس عقيدتها التي تتحمل المسؤولية في نهاية الأمر لا يصيغ العقيدة ويطورها ويجمدها إلا رجالها.
كذلك الحال مع الدولة ومؤسساتها من تشريعية وتنفيذية. متى ما صممت الدولة على النهضة بشعوبها والإخلاص بعملها فهي ستضمن سلامة كل مواطن فيها، ومتى ما كان أهداف رجالها منافع شخصية فستبذل كل جهودها بإصدار أوامر خفية مهمتها توجيه الأنظار نحو أمور بدائية تتعلق بالمرأة والسلوك الجنسي في المجتمع وبذلك تضمن شيوع التخلف وصرف الأنظار عن فشلها في إدارة شؤون المواطنين وسد احتياجاتهم.
مشاعر النساء:
أما عن مشاعر النساء بعد التعرض للتحرش الجنسي فهي تختلف بحسب حجم الاعتداء (سواء من حيث الكمية ـ عدد مرات التعرض إلى الاعتداء ـ أو من حيث الكيف أي حدة العنف ونوعه) وهذا لا ينفصل عن ثقافة المرأة وإدراكها لهذا الاعتداء، فمثلا هناك فتيات يشعرن بأن بعض معاكسات الشباب اللفظية هي من قبيل المجاملة أو التدليل المحبب إليهن ويعطي الواحدة منهن ثقة بأنوثتها، وهناك البعض الآخر يرى أنها اعتداء أو تجاوز لحدود الأدب وعدم احترام.
بغض النظر عن التفاصيل، عادة تكون المشاعر الناتجة عن الاعتداء الجنسي إما اشمئزازا أو خوفا أو خجلا أو غضبا مصحوبا باحساس من الضعف والهزيمة، أو غضبا مصحوبا بإحساس من القوة والسخط على الآخر والمجتمع، أو امتزاج بعض هذه المشاعر مع بعضها في وقت واحد، وجميعها تؤدي إلى عكس النتائج التي تم عرضها في بداية المقال إذ يؤدي الحرمان من الحياة الجنسية الناجحة من جراء التعرض للتحرش الجنسي إلى فقدان الثقة بالنفس والشعور بفقد القدرة على مواجهة التحديات وعدم القابلية على الاتصال المعرفي والعاطفي مع الآخرين وفقد الشعور بالبهجة ولذة الحياة.
أحيانا تحت ضغط الظروف تخضع المرأة أو الرجل للابتزاز الجنسي (الاعتداء الجنسي) مثل الحصول على عمل أو شهادة عليا أو مستوى معيشة أفضل حتى لو حدث ذلك عن طريق زواج صوري فيه كل مظاهر الزواج الشرعي (ولكن في حقيقته عقد عبودية قام على أساس من قهر الرجل للمرأة). هذا الأمر ربما يخلق شخصية عدائية تحول غضبها الناتج عن تنازلاتها وخضوعها لأشياء هي تكرهها، على الآخرين وتحاول تكسيرهم بوسائل كثيرة كما لو حاولت أن تجعلهم يفعلون مثلما فعلت هي أو تهدم من قواهم وطموحهم أو تحاول استغلالهم وإذلالهم بأقصى ما يمكن.
أيا كانت الوسائل فهي تحاول أن تنتقم من المجتمع الذي لم يحفظ لها إنسانيتها، ولكن حصول هذه الشخصيات على بعض المكاسب يشعر الآخرين الذين يصرون عل مواقفهم بالإحباط وأحيانا يشعرهم بفقدان الثقة بالنفس أو الاحساس بالفشل إذا لم يدركوا حقيقة اللعبة أو الثمن الذي دفعته هذه الضحية من إنسانيتها.
المصادر: