القوة أيا كانت، هي طاقة ذات انفعالية عالية، لا يمكن السيطرة عليها بالعقل إلا فيما ندر، وقد تتحول إلى إرادة منفلتة، تعبّر عن نفسها، وتطلق قدراتها من مكامنها، وربما تؤكد وجودها وتأثيرها في المحيط الذي تكون فيه، فلا يمكن لقوة أن تنام، مثلما لا يمكن للأسد أن لا يفترس.
والعلاقة ما بين القوة والعقل علاقة تنافر وتضاد. والقوة ترفض في كل الأحوال الخضوع للعقل، بل أنها تستعبده وتسخره لتبرير الوصول إلى أهدافها ودواعي وجودها، فهي تبطش وتدمر وتحرق، وتغدو أداة شر في بعض الأحيان، ومن طبيعة القوة أن تنبعج وتغادر مواضعها.
وما امتلك بشر قوة دون استخدامها، لأنها تضغط لكي يتم إطلاقها، فالقوة ما أن تولد، حتى تتنامى وتتواصل في فورانها لتحطم حدودَ ضبطها، فتنطلق إلى فضاءات الدمار والخراب والهلاك، لتحقق غاياتها وتعلن نهايتها.
وما عرفنا قوة أرضية استطاعت أن تكمن وتتستر إلى الأبد. فعلى سبيل المثال، ما أن امتلك البشر القوة النووية حتى استخدمها، لكنه مضى يكدسها ويطورها، بعد أن رأى بشاعة انفلاتها وعظيم أضراره، لكن البشرية إلى متى ستبقى قادرة على لجم جماحها؟
إن الواقع البشري، وما يجري على سطح الأرض، يؤكد بأن هذه القوة أخذت تزعزع أركان سجنها، وقدرات ضبطها، وأنها في طريقها إلى الانطلاق، وتحقيق أفضح الخراب، وربما ستمحق الوجود البشري بأسره.
القوة الكامنة ربما ستنطلق، لأنها تتجسد بالأقوال، ويُخشى أن تتحول الأقوال بالتكرار إلى أفعال، فهل أن الأرض تقف على أعتاب مأساة مروعة، تفوق ما جرى في القرن العشرين، وما سبقه من قرون شرسة آلاف المرات، وأنها على شفا دمارات عالمية لا تخطر على بال مخلوق، وكأن الأجرام تترقب بحذر ووجل وأسى، ما سيحل بسبب الشرور، وما أبدعته من وسائل الإفناء والإلغاء.
ترى لماذا اكتشف العقل البشري الطاقة النووية واخترع وسائلها؟
هل لأجل الخير أم الشر؟
وهل نحن بحاجة لطاقة نووية، فما استخدمناها في شيء ندّعيه، بل نخزنها من أجل أن تحين لحظة الصفر، فنبيد بعضنا البعض بشراسة مطلقة.
إنّ استخدامات الطاقة النووية في ميادين الخير محدودة، ولا قيمة لها بالقياس إلى استخدامها في ميادين الشر، التي نحسبها بطولات وأمجاد، فما قيمة الخير المزعوم من هذه الطاقة، بالقياس إلى الشر الناجم عن استخدامها؟
لا يمكن المقارنة بين الحالتين على الإطلاق.
ومصيبة الأرض، أن البشر قد امتلك هذه القدرات الفتاكة، وطوّر أساليب التعبير عنها، وحولها إلى مخزونات هائلة تنطلق بضغطة زر واحدة، لفرد بشري لا غير، وعليه فإن البشرية بسبب الابتكارات والاكتشافات المتسارعة، ولعدم ارتقائها نفسيا وروحيا وخُلقيا، إلى ما حققه العقل من إنجازات فائقة، أصبحت في حالة تخلف نفسي وأخلاقي، وانقلبت على العقل الذي أبدع ما أبدع، وسخرته لأغراضها المختلفة المرهونة، بنوازع النفس الأمارة بالسوء، التي لا تعرف غير الأنانية، والإمعان في حب الذات، والنيل من الآخر.
ومن المرعب، أن قدرات النفس الأمارة بالسوء في تعاظم، والمسيرة الدموية الأرضية تتنامى، وتحقق ما نراه ونسمعه ونقرأه كل يوم من الويلات والهوان الفظيع.
فهل يا ترى سيمضي العقل في ضبط القوة، أم أن القوة ستنفلت من قبضة العقل؟
تساؤل يدور في الأذهان ولا يدرك جوابا، لأن الجواب عسير؟!!
واقرأ أيضاً:
عجائب الصين وعجائبنا!! / المعرفة والقوة!! / على مائدة الغداء!! / المُلاوَمَة!!