يطل مبعوث الإدارة الأمريكية للمرة الخامسة كمكوك تفاوضي على المنطقة، ولا يخاله يُخطيء في ترداد ذات العبارات قبل أن تطئ قدماه أرض فلسطين التاريخيةــــــ والتي يريد رئيسه (أوباما) منحها دولة يهودية خالصة لبني صهيون ـــــ بأنه مقتنع بأن القادة الفلسطينيين والإسرائيليين "جادون" في التوصل لاتفاق سياسي، وقبل أن يقفز التفاؤل إلى النفس المصابة بكآبة طالت سنيناً منذ مؤامرة أمريكا و(باراك) في (كامب ديفيد) لإغتيال عملية السلام كما اغتيال ياسر عرفات بعد اغتيال (رابين)، يقول (كيري) أنـه لا يسـتطيع تحديد موعد لاسـتئناف المفاوضات.
وتبدأ رحلة التضليل والنصب السياسي الجديدة من هنا، كلام يحمل "المديح" للقادة بأنهم "جادون"، لكن مقابل ذلك يأمرهم أن لا يطلبوا منـه موعداً محدداً، فلا مواعيد مقدسـة، وقبلها لا كلام مقدس سوى "كلام الرب"، ولا شك أن تلك هي اللعبة المستمرة والمتواصلة منذ أن استلم (كيري) مهامه كوزير للخارجية بديلاً (لهيلاري كلينتون) في بداية العام الجديد، والتي وقتها أتحفنا "القادة الجادون" من فلسطين أنهم منحوا فرصة شهرين للجهود الأمريكية؛ قالها الرئيس عباس في لقاء عربي بالدوحة، انتهت المهلة في شهر أيار/مايو، فما لبث أن خرج "قائد فلسطيني جاد" – غير الرئيس عباس -، ليُعلن أن القيادة الجادة جداً في موقفها منحت الوزير (كيري) مهلة لا تجديد بعدها إلى الأسبوع الأول من حزيران/يونيو، وطار الأسبوع وبات شهر تموز/يوليو على الأبواب ولم يحمل (كيري) شيئاً جديداً يُعلنه، كي يُكرم ماء وجه "القيادة الفلسطينية الجادة" أمام شعبها...
(جون كيري) يأتي وهو لا يملك شـيئاً... بل إن حكومـة (نتنياهو) تسـخر منـه ومن إدارتـه كما لم تسـخر قبلاً من وزير أمريكي... كل ممارسـاتها هي صفعات متلاحقـة بالأحذيـة السـياسـيـة للوزير ورئيسـه، نشـاط إسـتيطاني بلا حدود، القدس يتم تهوديها دون أي قلق، أقوال سـياسـيـة صريحـة جداً من قلب التحالف الحكومي أن لا مكان لـ "حل الدولتين" الذي يراه أهم حليف حكومي (لنتياهو) بأنـه قد انتهى ولا مجال لرؤيتـه.. بل أن بعضهم، نائب وزير الحرب، أعاد الروح للتركـة الليكوديـة عن "الوطن البديل"، وبدلاً من عقابه تم انتخابه رئيسا لمركز الليكود، رسالة سياسية ساعات قبل أن يصل مبعوث الرئيس الأمريكي إلى فلسطين التاريخية.. شواهد لا يوجد بها رذاذ كلام بالجدية التي رأها (كيري) ولم يرها غيره... إلا إذا اعتبر أن زيادة النشاط الإستيطاني والتهويدي وشطب حل الدولتين وإعادة الحديث عن "الوطن البديل" هي سمات الجدية الراهنة لقيادة الحكم الإسرائيلي...
ولأن المهزلة لا تأتي من سلوك وممارسة الطرف المعادي أمريكا و(إسرائيل)، فذلك منطقي وتلك أهدافهم التي يسعون لها، بتدمير القضية الوطنية الفلسطينية ومشروعها السياسي الكياني، لصياغته ضمن مشروعها الخاص في التقاسم الجغرافي الوظيفي، وتغذية الحالة الإنفصالية في قطاع غزة بكل السُبُل والأدوات، لكنها تأتي من درجة الاستسلام السياسي للموقف الأمريكي الذي تبدو عليه القيادة الرسمية الفلسطينية، التي تصر على مواصلة نهجها الإنتظاري لما سيأتي به (كيري)، وكأن تهديداتها التي لا تتوقف عن إنتهاء الوقت وأن دولة (إسرائيل) لا تريد ولن تفعل، ليست سوى مخدرات سياسية تحقن بها الشعب الفلسطيني لتُحاصر غضبه المدفون والمختزن، وخوفاً من أن ينفجر يوماً ما بوجهها قبل أن ينفجر بوجه المحتلين...
الموقف الرسمي الفلسطيني بالطريقة الراهنة هو جزء عملي من تساوقها مع التضليل الأمريكي بإطالة الوقت لفسح المجال لقادة الطغمة الفاشية الحاكمة في تل أبيب باستكمال مخططها الإستيطاني التهويدي فوق أرض "دولة فلسطين" وحصار قوة فعل القرار التاريخي في الأمم المتحدة، القيادة الرسمية كل ما تقوم به منح مزيد من المهل لواشنطن، معتقدة أنها قد تأتي لها بـفرج سياسي يُمكنها أن تفتخر به لاحقاً أمام الشعب الفلسطيني، أوهام نادرة لا مكان لها إلا فوق أرض "بقايا الوطن" المحتل والمقسم، وفي لحظات الانتظار يخرج منهم من يُتحفنا بأقوال تستحق المطاردة البوليسية، وآخرها ما أعلنه مسؤول كرة القدم بأن "الفلسطينيين مستعدون للقاء (نتنياهو) في الوسط" ولا يوجد شروط بل تحديد المرجعية.. لا يخجل هؤلاء من الحديث باسم الشعب الفلسطيني، ليُقدموا باسمه تنازلات مضافة لما تم سابقاً...
(كيري) سيحضر في خامس جولاته، وسيُغادر كما حضر إلا إذا وافقت القيادة الرسمية منحه هدية "حُسن نوايا" لتسمح للعاشق التفاوضي بلقاء أحد من طرف (نتنياهو)، ليخرج قائلاً منهم أن اللقاء ليس عملاً تفاوضياً، فريق يبحث دوماً بعدم إغضاب أمريكا ولا يفكر لحظة بعدم إغضاب شعب فلسطين..!!
المصدر: موقع أمد للإعلام
واقرأ أيضاً:
صمت العرب على تصريحات (رومني)...فضيحة! / صفقة الغموض الخلاق تدق باب سوريا!