"الإسلاميين" هو لفظ يطلق على الكتلة النشطة في التيار الإسلامي والتي تتبنى المشروع الإسلامي في الحياة السياسية، وهم خليط من الجماعات والتجمعات تقودها جماعة الإخوان المسلمين نظرا لتاريخ الجماعة الطويل في العمل السياسي والدعوي والتربوي. والتيار الإسلامي له قاعدة شعبية كبيرة تتجاوب معه بسبب قوة حالة التدين في المجتمع المصري وتأثرهم بمشايخ وزعماء دينيين لهم تأثير كبير على الجماهير.
وقد استطاع التيار الإسلامي تحقيق انتصارات كبيرة في الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت بعد ثورة 25 يناير نظرا لقدرتهم على الاستمالات الدينية والحشد الانتخابي خاصة في القرى والأحياء الشعبية، وتمكنوا من الوصول إلى السلطة وتصاعد الحلم لديهم في التمكين للجماعة بعد طول مطاردة وإقصاء وتجريم والتمكين للمشروع الإسلامي كما تتصوره الجماعة.
ولكن مر عام بعد الوصول للسلطة ولم تتحقق الأحلام والآمال بل كانت هناك مشاكل وصعوبات وإخفاقات كبيرة بعضها ناتج عن قلة الخبرة والارتباك والارتجال وسوء التخطيط والإدارة والبعض الآخر ناتج عن حالة التمرد السياسي الشديدة لدى قطاعات كبيرة في الإعلام والقضاء والشرطة والشعب، وانتهى الأمر بثورة شعبية أيدها الجيش ونتج عنها إبعاد تيار الإسلام السياسي عن السلطة، وخرج الملايين (في أكبر حشد بشري في التاريخ) الذين صوتواا لهذا التيار منذ عام واحد ليسقطوه.
والمشكلة الآن تتمثل في هذه الجموع المحتشدة ومازالت في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بالقاهرة وغيرهم كثيرون بطول مصر وعرضها تحمسوا وعاشوا حلم رفع الراية الإسلامية وتحقيق المشروع الإسلامي (على الرغم من عدم وضوح ملامحه)، وقد تكونت صورة ذهنية لدى هذه الجموع بأن ثمة صراع وجود بينهم وبين التيارات الأخرى، وأن هذه التيارات الشعبية والحزبية الأخرى تنتمي للعلمانية والليبرالية والمسيحية وتعادي المشروع الإسلامي وتكره المرشح الإسلامي ولا تطيق رؤيته أو سماع صوته وتكره الإخوان المسلمين كراهية تحمل الكثير من الازدراء والعنصرية وتطلق على أعضاء الجماعة ألفاظا تحقر من شأنهم (كلفظ الخرفان).
وقد كان لخطباء التيار الإسلامي وقياداته دور كبير في ترسيخ هذه الصورة والتي ساهمت في شحن المنتمين لهذا التيار بشحنات غضب شديدة تجاه التيارات المناهضة وتحول الأمر لديهم من صراع سياسي يقبل الفوز أو الهزيمة (كأي منظومة ديموقراطية) إلى صراع هوية وصراع وجود وصراع ديني لا يقبل التفاوض أو التنازل أو الحلول الوسط، فالأمر لديهم حق وضلال، إيمان وكفر.
ومن هنا أصبح الإسلاميون في مأزق بعد إبعاد الرئيس مرسي عن السلطة، وهذا المأزق شديد الوطأة عليهم لأنه كما ذكرنا يأخذ أبعادا دينية مقدسة ويشعرهم بأن الإسلام قد انهزم في معركته مع الكفر والضلال وبأن عليهم واجب أن يحموا إسلامهم الذي عاشوا وتربوا على التضحية من أجله. ومما جعل الأمر أكثر تعقيدا أن القادة والموجهين كان لديهم إدراك انتقائي للصورة العامة في الأحداث حيث لم يكونوا قادرين على قراءة الحراك الشعبي على الناحية الأخرى، ولم يستطيعوا إدراك حجم الحشود المناهضة لهم ولم يستطيعوا استقراء تآكل شعبيتهم في الشهور الأخيرة وظلوا على اعتقادهم بأن أغلبية الشعب معهم وأن الأمر لا يعدو تهييج إعلامي ضدهم وثورة مضادة يقودها الفلول؛
وللأسف كانوا ينقلون نفس الإدراك ونفس القراءة للواقع إلى تابعيهم ومناصريهم المحتشدين في ميداني رابعة والنهضة وحتى الموجودين في بيوتهم، وكانوا يعدونهم بالنصر المؤكد من عند الله، ويحرضونهم على الثبات حتى آخر قطرة دم في عروقهم، ويعدونهم بالنصر أو الشهادة في سبيل الله، ولهذا كان الأمر صعبا على تلك الحشود حين اكتشفت انهيار الحلم وضياع المشروع وتحديد إقامة الرئيس والقبض على قادة الجماعة. إذن من الناحية العلمية، ما هي التغيرات النفسية التي تحدث وما هي المراحل التي يمرون بها، وما هي المساعدة المطلوبة كي يتجاوزوا هذه المحنة.
بالتأكيد يتعرض الإسلاميون الآن لزلزال نفسي هائل قد يخفف من حدته بعض الشيء حالة التدين التي يتميزون بها وإحساسهم بأنهم يجاهدون في سبيل الله، ومع هذا يمرون بالمراحل التالية:
1 – مرحلة الصدمة: حين يفاجئون بالواقع على الأرض يخالف افتراضاتهم وتصوراتهم التي أقنعهم بها القادة والزعماء المحبوبين.
2 – مرحلة الإنكار: حيث لا يصدقون أن ما حدث قد حدث، وكأنه مجرد حلم أو كابوس، وأن ما اعتقدوه وتصوروه سيعود ويتحقق، وهم يتعاملون في هذه المرحلة وكأن شيئا لم يحدث، ولا يستطيعون إدراك خروج الملايين الهائلة من الشعب، ولا يقبلون قرارات الجيش المنحازة إلى السواد الأعظم من الشعب، ويعتقدون أن قوى في الجيش ستنشق وتساعدهم، أو أن العالم الخارجي معهم ومع الشرعية، وأن الرئيس مرسي سيعود ويمارس مهام منصبه.
3 – مرحلة المفاصلة والحجاج والغضب: وذلك للمحاولة لإيجاد طريقة للتوازن المعرفي والوجداني، وذلك من خلال عمليات الإسقاط وإلقاء الاتهامات على الآخرين في الداخل والخارج واتهام القوى الأخرى بالتآمر والتزييف. وقد تتراكم مشاعر الغضب بالقدر الذي لا يستطيع الأشخاص والمجموعات تصريفه فيتوجهون به نحو من يعتقدون أنهم كانوا سببا في إحباطهم وضياع حلمهم، وهنا قد يتحول هؤلاء إلى العنف وحمل السلاح.
4 – مرحلة الاكتئاب: حين يتأكد لهذه الجموع أن الواقعة قد وقعت فعلا وأنه لن يغيرها رفضهم، وأنه ليس بأيديهم في الوقت الحالي تحريك الأمور في صالحهم، هنا يشعرون بالحزن والألم، وربما اليأس والإحباط وقلة الحيلة.
5 – مرحلة التعافي: وفيها يعود الشخص إلى حياته الطبيعية ويتقبل ما حدث ويبدأ في التعامل مع النتائج المترتبة على الحدث، فإما أن يقبله ويتعايش معه ويدخل في منظومة المجتمع، وإما أن يرفضه ولكن يبحث عن وسائل واقعية لتغييره من خلال الانخراط في المنافسة السياسية مرة أخرى واستنهاض مؤيديه لنصرته عبر صناديق الانتخابات .
إذن لدينا احتمالات للتعافي والاندماج في المجتمع والحياة السياسية مرة أخرى، ولدينا احتمالات أخرى للوقوع في هوة اليأس والاكتئاب، ولدينا احتمالات للتورط في العنف، ولدينا هواجس لدى الإسلاميين بأنهم سوف يكونون عرضة للقمع والاعتقالات والتعذيب في السجون مرة أخرى، أو ربما يتعرضون لمحاولات انتقام من التيارات المعارضة أو المعادية فهم يتخوفون من اضطهاد واسع النطاق يتعرضون له في حالة افتقادهم للسلطة.
ومن هنا تبدو التدخلات العلاجية والمجتمعية ضرورية لترجيح كفة الخيارات الصحية ولطمأنتهم على مصيرهم ومستقبلهم، خاصة وأن هذا التيار ما زال يملك الكثير من أسباب قوته في الشارع المصري، وإن كان يحتاج إلى مجموعة من المراجعات وتصحيح الأخطاء يساعده فيها المفكرون المعتدلون غير المعادين له، وأن يعرف أن الصراع كان في الأصل صراعا سياسيا وأن السياسة هكذا صعود وهبوط ومعاودة صعود وهكذا، وأن وجوده في المعارضة لا يقل أهمية عن وجوده في الحكم، بل لقد ثبت أن صورة التيار الإسلامي وهو في المعارضة كانت أفضل بكثير من صورته وهو في الحكم، وأن تأثيره في الشارع كان أفضل في فترة الاستضعاف والحظر، وأن صورته تشوهت في فترة التمكين والسيطرة، وأن الدور الدعوي والتربوي والخيري والإصلاحي والتنموي لهذا التيار لا يتوقف عند سلطة مهما علت خاصة لو خلصت النية لله ولم تكن لدنيا أو جاه.
وإذا تعافى التيار الإسلامي وأجرى المراجعات اللازمة وصحح أخطاءه التي أكسبته رفضا شعبيا في عام واحد من توليه السلطة، لو حدث ذلك فسيكون قادرا على دخول الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة بشكل أكثر نضجا وثباتا. ويساعد هذا المسار الصحي ما أعلنته القوات المسلحة من أنها لن تسمح باستفزاز أو إهانة التيار الإسلامي، وهذا أمر توافق عليه كثير من المفكرين والإعلاميين وقادة التيارات السياسية، ولا يخرج عنه إلا المههوسون والمتطرفون الذين يطالبون بالانتقام واجتثاث التيار الإسلامي، وهؤلاء المتطرفون لا يلتفت إليهم ولا يشكلون الوجهة العامة للمجتمع والتي ما زالت تقدر هذا التيار وتعتبره جزءا هاما وأصيلا في المجتمع المصري لا يمكن تجاوزه أو تجاهله.
وإذا نجح المجتمع في احتواء التيار الإسلامي ومداواة جراحه واحترام مشاعره في وقت محنته ومساعدته على النهوض والإندماج مرة أخرى فإننا بذلك نتجنب كل التداعيات والاحتمالات السلبية والتي من بينها تغيب الكثيرين منهم في تنظيمات سرية معادية للمجتمع وقد تمارس عنفا دمويا بدوافع دينية تعتقدها، أو يسقط بعضهم في هوة الكآبة واليأس والإحباط مع ما ينتج عن ذلك من تشوهات نفسية.
وقد يستطيع الأزهر ودار الإفتاء وبقية المؤسسات والشخصيات الدينية المحبوبة أن يقوموا جميعا بدور هام في اللقاء بشباب الإخوان وقادتهم لطمأنتهم على أن الإسلام لا يزول بزوال سلطة أو كرسي حكم، وأن المجتمع يمد لهم يده ويقدرهم، وأن تضحياتهم لم تذهب هباءً، وأن الأمر مازال يحمل الكثير من فرص التصالح والعمل من أجل صالح الوطن وصالح الإسلام. وهناك علامات مبشرة منها التصريح الذي صدر عن أحد قادة الإخوان يؤكد فيه أن الإخوان على الرغم من رفضهم لما حدث إلا أنهم لن يحملوا السلاح، وهذا تصريح مهم ومسئول قد يحافظ على الكثير من المكاسب والفرص الحقيقية للتيار الإسلامي ولكل التيارات طبقا لقواعد الديموقراطية.
واقرأ أيضاً: