مصر تطلق لحيتها !.... مصر تنزع لحيتها !1
تلاحقت الأحداث بشكل سريع منذ الثلاثين من يونيو وكنت جالسا مساء الأربعاء 2 يوليو أكتب لأكمل مدونة كان اسمها "مصر تطلق لحيتها" كنت كتبت أغلبها أوائل سنة 2012 ... ولم أكمل لآخرها إلا ذلك المساء الذي تلاحقت فيه الأحداث بشكل مريع! وليس فقط سريع!.... فجأة على ذكر اسم المدونة التي أكتب رأيت مصر تنزع لحيتها! فأصبح اسم المدونة مصر تطلق لحيتها! مصر تزع لحيتها.
خرجت ملايين قيل أنها أضعاف من خرجوا في ثورة يناير، مثلما قيل أن الجيش الذي اضطر إلى عزل الرئيس حقنا لدماء المصريين فوجئ بأعداد الذين خرجوا والحقيقة أن تجميع الأحداث والمواقف والبيانات والصور التي مرت منذ بيان الفريق السيسي يشير إلى أن الرئيس ومؤيديه وجماعة الإخوان وعدد لا أعرفه من الشعب وربما من الشعوب الأخرى هم الذين فاجأهم ما حدث!
كنت في مدونة مصر تطلق لحيتها أقارن متخوفا بين ما ألَمّ بي وزملائي حين أسقطنا الإخوان في انتخابات اتحاد الطلاب وبين حالة من أسقطهم الإخوان في انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى في مصر بعد الثورة سنة 2012...... أي كنت أقارن ما حدث في 1985 / 1986 من القرن الماضي بينما دخول الإخوان إلى معترك الانتخابات في أول سنواته وشعار الإسلام هو الحل في أزهى سنواته، بما حدث في سنة 2012 في مصر بعد الثورة بينما الإخوان أنهوا العقد الثالث من نشاطهم السياسي في مصر بعد عبد الناصر، بكل ما يفترض أن يعنيه ذلك من نضج!
توجست أيضًا من ألا ينتبه الإخوان أو الإسلاميون لذلك الأمر فلو حدث في مصر مثل ما حدث لأعضاء الجماعة الأدبية في كلية الطب... إذن خرج الإسلاميون بأعداء غلاظ في كل محافظة من محافظات مصر!.. وحين يحدث ما جرى لنا على مستوى مصر تكون كارثة! ومن المزعج لي اليوم أني كلما تأملت في المقارنة ازدادت قدرتي على فهم ما يجري... حتى كدت أكون مقتنعا أن نفس الآلية تعمل أي آلية الاكتساح الديني الانتخابي للآخر وتحوليه إلى عدو!..... لكن بلا جدال يبقى الذي حدث في مصر أكبر من أن تفسره آلية نفسية واحدة!
ما الذي دهى مصر تطلق لحيتها مختارة ثم تنزعها نزعا وبهذا الشكل؟ كيف حدث هذا؟ صحيح أن فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة جاء بفارق بسيط أشار إلى انقسام الناخبين المصريين بين رمز الارتداد إلى أحضان الفلول، ورمز استمرار الثورة محمد مرسي... ورغم كون فوزه واختياره ديمقراطيا وشرعيا, إلا أن الفارق البسيط كان لابد يعني الكثير! وهو ما أرجعه الإخوان لنشاط الفلول... ويبدو أنهم ظنوا الفلول ستتلاشى من نفسها ربما خجلا من أدبهم الجم معهم!
لم يكن الفلول يعملون في الفراغ قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وبعد انتخابه، وإنما في مناخ من الخوف وانعدام الأمن فضلا عن حالة من الاهتراء اتسمت بها مصالح وهيئات كثيرة في الدولة خلال الفترة الانتقالية وما تلاها فقد بدأت من بعد الثورة واستمرت بدرجات متفاوتة حتى لحظة الانقلاب على مرسي، وإلى ذلك يضاف كم كبير من الأخطاء المتتالية للإخوان كما يضاف تأثير تحالفاتهم المستهجنة شعبيا وثوريا مع المجلس العسكري على صورتهم عند الناس... ثم استخدام عدم وفائهم بعهدهم ألا يرشحوا رئيسا للجمهورية والذي رأوه هم ضرورة سياسية واضطرارا ورآه الناس كذبا! وحين نتذكر أن اكتساحهم الآخرين انتخابيا كان باستخدام سلاح الدين يصبح مجرد إثبات كذبهم مفتاحا لكل تشويه يريده سواء ضحايا الانتخابات أو الفلول! وبالتالي أصبح سهلا وصفهم تجار الدين!
كذلك أحسب أغلب المصريين وقع في خطأ جسيم عندما نظر إلى تقاعس الشرطة والخلل المستمر في أدائها منذ سقوط مبارك كرد فعل للصدمة أو كأزمة نفسية أو محاولات عابرة للتواطؤ أو الانتماء للفلول أو مرحلة انتقالية بعدها يعود أداء وزارة الداخلية إلى ما يجب أن يكون عليه... ففي هذا الطرح افتراض ثبت أنه خطأ وهو أن ذلك الخلل في أداء الداخلية سيتناقص بالتدريج.... ولن يصح إلا الصحيح .... ما حدث أثبت أن الغالبية من رجال الشرطة كانوا مع الثورة المضادة وما زالوا حتى كادت تنتصر!.... وإذا افترضنا أن بعض رجال الداخلية فقط كانوا ضد الثورة... فمن الواضح أن العدد تنامى وبسرعة... ولم يزل الخلل في أداء الشرطة يزيد ويتسع حتى كان انحيازهم منذ 30 يونيو للثورة المضادة واضحا لا لبس فيه!
أما رجال القضاء "الشامخ" فإن اتخاذهم موقفا ضد الثورة كان واضحا منذ التواطؤ لإجراء ثم إلغاء انتخابات مجلس الشعب بكل ما نتج عن ذلك من إهدار للوقت والجهد والحشد والمال والمعنى...! كما بينا في حينه في مدونة ثورة بالقانون وها.. ذي آخرتها! حتى أصبحت أغلبية المصريين تشعر أن الناس وحياتهم في خدمة القانون وليس العكس! (لاحظوا أن الشرطة "والشعب" يخدمان القانون في شعار داخلية العادلي)... بالتالي لم يكن مفاجئا أن تستعر ألسنة كثيرين من القضاة فيتجاوزون كل الخطوط الحمراء تجاه مؤسسة الرئاسة "الشرعية القانونية" بما في ذلك التواطؤ الواضح مع النائب العام! السابق.... ومن المضحك أن القضاة الذين خربوا "بالقانون" الثورة التي التزمت بالقانون! هم الذين ينتهكون القانون اليوم لينصروا الثورة المضادة! مرة أخرى أغلبهم ينتمي إما لمعسكر الفلول أو معسكر كارهي الإخوان المسلمين، وبالتالي فإن التزام القانون والتشدق بنصوصه لا يكون إلا عندما يتفق الأمر مع مصالحهم ضد الإسلاميين أو ضد الثورة ولكن القانون لا يكون أبدا مع الإسلاميين وانتهاكه إذا كان معهم جائز!.
أعود مرة أخرى لأتساءل عن سبب الكره الشديد للإسلاميين أو الإخوان الذي أصبح التعبير عنه بشكل مفرط من المتوترات اليومية منذ فترة في مصر بشكل تزايد مع الاستفتاءات والانتخابات في كل أرجاء مصر ومستوياتها.... التعبير بشكل أو بآخر عن كره الإسلاميين يجيء حارا وصادقا من القلب حتى أنك حين تسمع أحدهم يسب أو يتحسب أو يدعو على الإخوان تجد نفسك تسأله ماذا فعلوا بك؟ لأنك تشعر بأن ثأرا شخصيا يوجد بينه وبينهم!...
لماذا كل هذه الأعداد غير المسبوقة التي وصفها البعض بأنها (لم تحدث من قبل في تاريخ البشر، وهي معلومة أشك فيها كثيرا... تعرفون هناك أعداد صينية أعلى بالتأكيد) هناك الفلول القدامى وآخرون تأثروا بهم، والفلول القدامى الذين أقصدهم هم رجال الحزب الوطني وموظفو الشرطة بما فيهم المدنيون، وهناك الفلول المستحدثون وهم ضحايا الانتخابات (المرشحون أنفسهم وكل أعضاء حملاتهم الانتخابية)، وهناك قليلو الحظ من المعرفة الذين يكونون آراءهم بناء على معلومات من قنوات الإعلام أو من الشائعات ومؤسف أن هذا الشكل كما عرفته أثناء عملي يضم أطفالا وشبابا وكبارا!، وهناك الذين لم يكسبوا ما يرضيهم ضمن احتجاجاتهم الفئوية من العمال والموظفين، وهناك المواطن المسيحي الذي أفلحت القنوات الإسلامية وشيوخها في إخافته وترويع أمنه، وهؤلاء كلهم فلول مستحدثون أنتجتهم وزادت أعدادهم أفعال الإسلاميين غير المحسوبة منذ الاستفتاء الأول بعد الثورة! وأخيرا هناك في المظاهرات المعارضة من تواجد بالصدفة لأنه لأول مرة يشارك في مظاهرة "آمنة"... أو ليتفرج أولاده وزوجته على المظاهرة أو باعتبار مكان التظاهرة مزارا في كل مدينة بمثابة ميدان التحرير، ويبدو أن التظاهرات السلمية إذا استمرت ستحل تدريجيا ما كان يعرف في ثقافتنا بالموالد!
ما حدث في مصر حتى الآن -وأخشى أن يستمر- هو مجموعة من التظاهرات والتظاهرات المضادة، الأولى والتي بدت حتى الآن أكبر وأكثر اتساعا، هي التظاهرات المعارضة لبقاء محمد مرسي.... خرج من خرجوا فيها من كل أطياف مصر آمنين مطمئنين إلى أنهم خارجون للتعبير عن الرأي سلميا... والجيش يباركهم والشرطة تحرسهم (والواقع أنها شاركتهم)... هؤلاء خرجوا وحين رأى الثوار الفلول قبلوهم (ما دامت حربا ضد الإسلاميين... لابد من الوحدة!...) وحين رأى الفلول الثوار سايروهم ورأوا في اتخاذهم ستارا مكسبا وها هم حصلوا عليه!....
عزل بالفعل محمد مرسي وجاء الخبر أثناء بيان القوات المسلحة صادما لأغلبية كبيرة من المصريين! ثم توالت بعد ذلك أخبار وأحداث وسلوكيات مصرية بامتيز وضعت الغالبية العظمى من الإسلاميين ومحبيهم وأغلب البسطاء من زبائن المرشح الإسلامي ومن الذين أعجبهم مرسي ولم تفلح حملات التشويه في هز صورته (التي لم يحاول تحسينها) في أعينهم، وهناك أصحاب الرأي والمبدأ الذين يرون فيما حدث غشا وخداعا واعتداء مباشر على آرائهم!
وحقيقة يبدو الإغلاق المتزامن لكل القنوات الإسلامية ثم اعتقال طاقم الجزيرة مباشر مصر أثناء البث على الهواء، ثم الإعلان عن القبض على قادة الجماعة وضبط وإحضار لآخرين من رموز الإخوان والرموز الإسلامية... ثم الكلام عن محاكمات وإقصاء وكل هذه لا يمكن إلا أن تشعل النار في الإسلاميين في طول البلد وعرضه فهل هذا مقصود؟ أم المقصود أن يموتوا بغيظهم؟ هذا تصرف غير مسئول بكل تأكيد ويعطي الجميع انطباعا بعودة جهاز أمن الدولة والدولة الشرطبة، وليس فقط تبييت النية لكل الإسلاميين وليس الإخوان فقط! هذا وغيره من الإشارات والتلميحات يجعل المرء يستشعر لا تغليب المصلحة العامة وإنما تغليب فئة من الشعب على فئة!
ما حدث في مصر حتى الآن -وأخشى أن يستمر- هو مجموعة من التظاهرات والتظاهرات المضادة، وليس ثورة شعبية فتلك لا يمكن أبدا أن تكون خروجا آمنا مؤمنا محفزا لا يتعرض لمن يشارك فيه أحد! فإذا حيدنا الشرطة والجيش كيف رمزيا يثور (بعض الناس وبعض الشرطة وبعض الجيش) ولا يكون ذلك ضد البعض الآخر؟ الثورة في أهون أشكالها يهددها الجيش وتهددها الشرطة.... ليس تشارك فيها! لا يمكن أن يكون القيام بثورة مسألة لها كل هذا القدر من الأمان!...
وفي المقابل نجد تظاهرات الإسلاميين ومؤيديهم والتي أخذت في الاتساع وغالبا تنتهي بصدامات وأحداث عنف هي تظاهرات يخاف المصري العادي المشاركة فيها.... توالت الأحداث التي تشير إلى أن مظاهرات التأييد تتعرض للاعتداء أو تصطدم بمظاهرات المؤيدين، وما دام القادة اعتقلوا والرئيس على وشك إذن فالتأييد المعلن تهمة قد توجب الاعتقال رغم أن هكذا قد يكون التفكير وهناك جرحى كثير وقتلى في اشباكات عمت محافظات مصر منذ أواخر شهر يونيو رغم كل هذا فإن الخروج تأييدا لمرسي أو للشرعية حدث والأعداد تزايدت بشكل ملحوظ وبلغت حدا ينذر ربما بضرورة تغيير الموقف،... لكن دعونا لا نتعجل التخمين ولنتابع الأعداد الهائلة التي تهدر الآن في شوارع مصر رافضة ما حدث!
يا ترى ما تخبئُ الساعات والأيام القادمة لمصر... اللهم احفظ مصر اللهم احفظ مصر!