ووسط هذا الصراع المجنون نحاول الرجوع إلى العقل والعلم فهما نعمتان من الله سبحانه وتعالى لبني البشر خاصة في أوقات الملمات. وفيما يلي رؤية علمية عقلانية عملية للإسترتيجيات المتاحة لحل الصراع مع بيان مزايا وعيوب كل استراتيجية:
1 – استراتيجية الانسحاب /التجنب: وهي أن تبتعد عن دائرة الصراع وتتجاهل وجوده، أو تتركه لكي يتحلل وينتهي من تلقاء نفسه مع مرور الوقت. والذين يستخدمون هذه الإستراتيجية يعلنون أنهم محايدون وأنهم وخارجون عن حالة الاستقطاب الدائرة، ولا يعلنون رأيا محددا، ويعيشون في حالة من الهدوء وكأنهم لا يرون الصراع أصلا.
وقد تفيد هذه الاستراتيجية حين يكون الشخص ميالا للاستسهال والراحة (مش عايز وجع دماغ) أو مفتقرا لمهارات حل الصراع، أو ان احتمالية الخسارة أكبر من احتمالية الفوز، أو أن القضية محل الصراع ثانوية أو تافهة. أما عيب هذه الاستراتيجية فيتمثل في تأجيل الصراع أو إنكار وجوده والهروب من المواجهة، وبالتالي بقاء الصراع قائما وربما تفاقمه.
2 – استراتيجية التهدئة /المواءمة: والمتحمسون لهذه الاستراتيجية يهتمون بالناس أكثر مما يهتمون بحل المشكلات، فهم يريدون إرضاء الناس ولو على حساب أنفسهم، لذلك يسعون إلى الوصول إلى حالة من السلام والتراضي والهدوء حتى ولو كان الثمن هو تقديم بعض التنازلات، فالهدف الأهم هو الأمان والسلام والهدوء.
وقد تنفع هذه الاستراتيجية حين يكون الصراع حول مسائل بسيطة وليست حيوية أو مصيرية، وإذا كان الأشخاص الذين نتصارع معهم يمثلون أهمية بالنسبة لنا وتمثل خسارتهم فقدا مؤلما لنا، أو عندما تكون هناك رغبة لتأجيل الصراع مؤقتا لكسب مزيد من الوقت والوصول إلى ظروف تفاوضية أفضل، أو عندما تكون هناك حالة من التوتر الشديد وتحتاج لتهدئة حتى يصبح التفاهم ممكنا. ويعيب هذه الطريقة أنها تقدم حلولا مؤقتة، وكأننا نضع مرهما فوق الجرح ولا نهتم بتنظيفه وعلاجه علاجا نهائيا، كما أنها استراتيجية غير عادلة حيث يأخذ فيها طرف أكثر مما يستحق على حساب الطرف الآخر الذي يسعى للتهدئة والمواءمة.
3 – استراتيجية التسوية : وفي هذه الطريقة يفكر الطرفان بشكل عملي ويسعون إلى الوصول لحل ربما لا يكون هو الحل المثالي في نظرهم ولكنه الحل الواقعي الممكن، وربما يلجأون للتصويت أو للتحكيم لفض النزاع، والهدف هو الوصول لحل يرضي الطرفين بشكل نسبي مقبول حتى ينتهي الصراع.
وهذه الطريقة تنجح حين لا يكون هناك إصرار على حل مثالي، أو حين يفكر الطرفان بشكل عملي براجماتي، أو حين تكون هناك رغبة في حل مؤقت لمشكلة معقدة، أو حين يكون الطرفان متساويين في القوة ولا يوجد أمل في أن ينتصر طرف على الآخر، فهنا يجلسون للتسوية. ويعيب هذه الطريقة أنها تمثل خسارة لدى الطرفين، فهي تقوم على المثل الشعبي القائل "نصف العمى ولا العمى كله" .. أو "الأعور أحسن من الأعمى" .. أو " نصف رغيف أفضل من لا شيء" .. فهي تمثل مبدأ "أنت تخسر وأنا أخسر.. ولكن لا بأس لكي ننهي هذا الصراع الذي يجعلنا نخسر أكثر".
4 – الإكراه /القهر : وهنا يرى طرفا الصراع أنهم في حالة حرب ومعركة لابد وأن تنتهي بفوز طرف وهزيمة الطرف الآخر، ولا يوجد أي احتمالات أخرى. وكل طرف لا يفكر في الطرف الآخر وفي مصيره، بل هو يسعى إلى إقصائه أو الإجهاز عليه أو محوه من الوجود إن استطاع. وفي هذه الإستراتيجية تستخدم كل وسائل الحرب النفسية، وكل وسائل الضغط، وكل وسائل إضعاف الطرف الآخر سعيا لإنهائه أو دفعه للهزيمة والاستسلام. وهنا نتوقع أن يشوه كل طرف الآخر، وأن تنسد كل مسارات الحوار، وأن تنشط الوسائل والآليات العنيفة، وأن يلجأ أحد الطرفين أو كليهما إلى استخدام وسائل غير أخلاقية في الصراع.
وهذه الاستراتيجية تنشط حين يؤمن الطرفان بمبدأ القوة والعنف في حل المشكلات، وحين تكون العلاقة بينهما شديدة السوء ولا تسمح بوجود آليات متحضرة للتفاهم، وحين تكون هناك حاجة لتحقيق انتصار سريع بصرف النظر عن نتائجه على المدى الطويل، وحين يكون طرفي الصراع أقرب للهمجية والوحشية والبدائية وأحادية الرؤية وضعف القدرة على التعايش. ويعيب هذه الطريقة أنها لا تحل جوهر الصراع، وإنما هي تقهر طرفا لحساب طرف، وتدفع الطرف المقهور لاستجماع قوته للدخول في الصراع مرة أخرى بأسلحة جديدة وهو يحمل في داخله الرغبة في الثأر والانتقام طول الوقت، وبهذا ندخل في دوائر عنف متتالية.
5 – حل المشكلات / التعاون: والمتحمسون لهذه الاستراتيجية ينظرون بتوازن واعتدال إلى عنصرين أساسين وهما: حل المشكلات حلا حقيقيا ورضا طرفي الصراع. وهذه الاستراتيجية تستلزم اعتراف كل طرف بالآخر، مع قدر من التواصل المباشر والشفافية ووضع كل عناصر الصراع على طاولة المفاوضات والرغبة في الوصول لحل حقيقي ومستمر ومرض للطرفين. وقد تأخذ هذه الطريقة وقتا أطول للوصول إلى حل ولكن نتائجها تستحق هذا الوقت. ويؤمنن أصحاب هذه الإستراتيجية بمبدا المكسب للطرفين (مكسب .. مكسب).
وهذه الاستراتيجية تنجح حين يكون طرفي الصراع على درجة من النضج النفسي والاجتماعي والسياسي، ولديهم أهداف مشتركة، ولديهم مهارات لحل الصراع، ولديهم معايير أخلاقية يولونها اهتماما، وأن يكون من المتوقع علاقة طويلة المدى بينهما. وهي تفشل حين يكون أحد الطرفين أو كليهما متعجلا، أو غير ناضج بما فيه الكفاية، كما أنها تبدو مثالية.
والآن نترك للقارئ أن يحدد أيا من هذه الاستراتيجيات تستخدم الآن بين طرفي الصراع وأن يختار ويقترح أفضلها لحل الصراع على أرض الواقع في الصراع الحالي بعد ثورات الربيع العربي ؟
واقرأ أيضاً: