اليوم بعد أسبوع أو يزيد من الغياب عن الفعاليات الأثيرة لدي هذه الأيام وهي التظاهر رفضا للانقلاب العسكري .... كنت مباشرة بعد صلاة العشاء في غرفتي بعيادتي شارع بطرس غالي روكسي... على بعد مئات الأمتار من قصر الاتحادية الذي دائما ما صارت تمنع التظاهرات من الوصول إليه منذ الانقلاب... رقص قلبي فرحا وأنا أتشكك هل هذه أصوات مظاهرة في الشارع عند أو تتجه إلى قصر الاتحادية؟؟ أم هو صوت قناة الجزيرة مباشر مصر يأتي من الصالة؟!... قمت إلى هناك... في الجزيرة الشاشة مقسومة إلى أربع نوافذ هذه من الإسكندرية هذه من عين شمس وتلك من الإسكندرية وأخيرا ذي من حلوان.... ليس بينها قصر الاتحادية... لكن صوت التظاهر الحي أيضًا موجود مع صوت الجزيرة... معقول!؟ الله أكبر
لم يتركني صوت رنين المحمول طويلا لتأملاتي .... "تتشل الأيادي اللي بتقتل ولادي... تتشل الأيادي.." إنه سائقي منعم كيف نسيت أن أطلبه لأسأل عن ما يجري؟ الله يا دكتور فيه مظاهرة هنا وناس كتير قوي رايحين ناحية الاتحادية... اسمع يا دكتور... وجاءني صوت الهتاف الذي يرقص معه قلبي: "الداخلية........ بلطجية".... وغيره وغيره....... ومنعم تركني أنادي وقد رفع محموله غالبا لأسمع أنا أصوات التظاهر.... ولا يسمع صراخي أحد! في أين أنت يا منعم؟؟ أين لآتي لك ...منعم لا يسمع... والهتافات مستمرة.... يا منعم في أيٍّ أنت يا منعم؟؟ انتظرني أنا نازل لك..... لألأ العساكر يا دكتور لا تنزل سأخبرك بكل شيء...."لا لا مين!... خلال دقيقتين كنت على بابب المول... أحاول الاتصال به ولا يرد... ثم أخيرا رأيته في آخر شارع بطرس غالي عند التقائه بشارع إبراهيم اللقاني، كان واقفا...
لم تكن المظاهرة ترى من مكاني ولكن كانت بعض السلوكيات في الجزء الأخير من شارع بطرس غالي -والمزدحم عامة- تشير إلى أن الشارع مستفز بشكل عام... وتكرر أن ترى واحدا أو واحدة يزاحم ليسبق الآخرين دون سبب واضح للآخرين غير المهتمين بالمظاهرة، وصلت إلى السائق وسألته أين هم ... قال إنهم ساروا بالعكس متجهين إلى ميدان روكسي... ما هذا يا منعم قال لي: شعارك المفضل يا دكتور أول ما رأيته قلت الدكتور طول النهار يرفع يديه بعلامة رابعة!.
كدت أطير من الفرح وأنا أمسك الشعار وقلت له ماذا حصل؟ قال العساكر هددوهم قلت له ... فغيروا الاتجاه ... إذن هيا بنا.... كنت تلقائيا رافعا شعار رابعة وسألني كثيرون وسألوه: أين هم؟ وكان يقول في شارع إبراهيم اللقاني... ثم قدام... وأكثر من كانن يسأل كان يواصل السير معنا وبعضهم من الشباب والبنات كان يسبقنا في اتجاه المظاهرة ... وأخيرا ها هم: .... الداخلية.... بلطجية.... عسكر يحكم تاني ليه؟ واحنا قمنا بثورة ليه؟... الانقلاب هو الإرهاب... الانقلاب هو الإرهاب.... لو بتغيظك رابعة... طب رابعة رابعة رابعة..."
يبدو أن هواء ليل القاهرة المنعش في الشارع شريك في رفض الانقلاب.... تذكرت حالي في المسيرات التي كانت تخرج بعد الجمع في رمضان... كان عرقي مرقي كما نقول في مصر .. ورغم ذلك لم أكن أعاني كثيرا من العطش، لكن الإضاءة الليلية الخافتة مع هذا النسيم المنعدم في البيوت لابد تمثل عامل تشجيع على التظاهر، وابتسمت لسؤال جال في خاطري: كيف ستوجه الداخلية اتهاما للنسيم الليلي لأنه يشجع على رفض الانقلاب!.
فجأة انتبهت إلى أن الصفوف التي أمامي كلها نساء صفوف النساء.. شعرت بالخجل وطلبت من منعم أن نتقدم للأمام لنكون مع الرجال... وأتاح لي ذلك فرصة أكبر لرؤية المتظاهرين من قريب.. تأكدت أن الإسلاميين أقل كثيرا مما كانوا سابقا بالنسبةة للتظاهرات... سمعت التي أمامي تضحك وتقول نفسي نكمل وإذا من يشاركها حمل الراية ولد... هي غير محجبة وهو طويل الشعر لا الذقن! وأمامي كثيرات كاشفات الشعرر لابسات البنطلون!! وعندما اقتربت من جزء المظاهرة الأمامي لم أرى لحية واحدة في من ملكت رؤيتهم من الصف الذي خلفي ولا الذي رأيت لحا أمامي ولا رأيت لحا على جانبيََّ النظر.
كنا نملأ الجهة اليمني من شارع إبراهيم اللقاني المزدوج ونظرت إلى الشبابيك في العمارات الكائنة جهة اليسار ورأيت الناس يرفعون علامة رابعة... تذكرت ما كنت أسمعه في الجزيرة ويكذبه الانقلابيون من تغيير كبير في تفاعل الناس في الشرفات في الآونة الأخيرة وشيوع علامات التأييد والتشجيع، وكيف تبدأ المظاهرة مئات لتصبح بالآلاف وأخيراا بعشرات الآلاف... حتى الآن سألني كثيرون والموجودون في السيارات كانوا يرفعون أيضًا شعار رابعة....
وعندما أصبح مكاني في المسيرة تقريبا أول ميدان روكسي -عند انتهاء الجانب الأيمن لإبراهيم اللقاني- أصبح لا وجود للسيارات كلها صفوف متتالية من المتظاهرين ... فكرت أحاول تقدير العدد بدأت بالصف الذي أسير فيه في الصف أكثر من 10 متظاهرين .... عدد الصفوف يفوق المائة صف بكثير ... وهذا غير الواقفين على الرصيف الرفيع وسط الميدانن وبينهم من يقوم بالتصوير... لم يكن هناك ما أستططيع اعتلاءه لأعد الصفوف بدقة معقولة..... لكن نحن نتكلم عن عن عدد لا يقل عن 1500 متظاهر .... وما زلنا سنسير ونتكاثرر والساعة ما تزال قبل التاسعة والنصف ... فجأة تذكرت القناصة ... فقررت التركيز في الهتاف وغالبت دموعي وأنا أردد : الانقلاب هو الإرهاب ... مش هنخاف مش هنطاطي إحنا كرهنا الصوت الواطي.... ثم قطعني من ذلك كلهه وصدمني أن قال أحد المنظمين ... خلاص سنختتم المظاهرة الآن وموعدنا غدا بعد العشاء من ميدان تريومف! أحزنني أننا لن نستمر... لكنني قفلت راجعا
وفي مسيرة العودة استمرت أسئلة الناس وكنت ما أزال رافعا رابعة كلما كلت يمناي رفعتها بشمالي ... وفجأة وأنا أنزل من على الرصيف الرفيع وسط الميدان لأن وقوف أحدهم متحدثا بالمحمول كان يعيق مروري... والذي في لحظته سمعته يقول حوالي 100 إلى 150 .... أغاظني جدا كذبه فوقفت وقلت له بصوت عالٍ قل 1000 إلى 1500 أو أكثر ... فنظر لي شذرا وكاد يقول خليك في حالك!... ورجعت عيادتي وكلي قناعة بأنني لا ولن أستطيع!
واقرأ أيضًا:
التعليق: أكثر حاجة أحبها وأرتاح لها الأيام ذي هي المسيرات المناهضة للانقلاب العسكري ...
أحييك يا دكتور على موقفك من الانقلاب العسكري ...
بارك الله فيك