من العيب علينا أن نتحدث عن الديمقراطية في مجتمعاتنا كافة، فالذي حصل عبارة عن أكذوبة، وقناع للتظاهر بما ليس فينا وعندنا. فنحن مجتمعات مدمنة على الاستبداد والطغيان والفردية وأخواتها، وما يدور حولها من تفاعلات متصلة بها وتؤدي أغراضها. ووفقا لما فينا ركبنا حمار الديمقراطية، ووضعنا على ظهره أحمال قرون، فسرنا به في الصحارى، ذات العواصف العاتية، والأعاصير العدوانية المدمرة، فبرك في رمال جهلنا وطيشنا، وتعالى نهيقه المرير.
فلنعترف، ونواجه أنفسنا، بأننا مجتمعات غير مؤهلة للمعاصرة، ولنغيب عن الواقع الإنساني، ونندحر في أنفاق الرؤى والتصورات العتيقة، المتعفنة في دياجير الخاليات، ما دمنا نعيش تحت الأرض وليس فوقها، فالحياة لا تعنينا، ولا ندري لماذا جئنا، ولماذا علينا أن لا نفكر بقيمتها ودورنا الإيجابي الحضاري المساهم بجمالها وبهجتها!
وكأننا مجتمعات سوداوية كئيبة، ترفض البهجة والسرور، وتتغنى بالآلام وتستلطف الويلات والمظالم، ولا يمكنها أن تساهم في مشروع صناعة الفرح وبناء عمارة الحياة.
وقد تعاظمت مآسينا عندما أقحمنا الدين في السياسة، وحولنا الكرسي إلى منبر ومحراب. فأصبحت الديمقرطية قنبلة موقوتة شديدة الانفجار، حوّلتنا إلى شظايا ساخنة متوهجة كالجمرات المتلهفة للالتهاب، والإحراق والتدمير والاستحالة إلى رماد. فتصاعد دخان وجودنا، وتناثرت أجزاء كياننا، وتدفقت من فوهة بركان القرون، حمما تسعى للإضرار بالوجود الوطني والاجتماعي والعقائدي، ومحق ما فينا، وما يشير إلينا، فصارت الموجودات ذات ملامح وعلامات فارقة، ومميزات تُسقطها في آبار الهلاكات، الناجمة عن هذا التشظي والانفجار الرهيب.
ومن عجائب الانفجار الديمقراطي العربي، أنه متواصل ومتوالد، ويزداد قوة وقدرة على التدمير الأشمل، والتأثير الأفظع، والسعي إلى محق جميع الألوان وسيادة اللون الأسود، في رحاب البلاد وقلوب العباد. وجميع مكونات المجتمع تساهم بتغذيته بالعوامل اللازمة لأشد الإحراق، وذلك بالانضغاط في زوايا التطرف الحادة بأنواعها ووسائلها، كالتحزبية والطائفية، والفئوية، والفكرية والعقائدية والدموية والقهرية. وكلها لا هم عندها إلا صب النفط والبنزين الانتقامي في سوح النيران، وضخ العقول بالأفكار الحارقة، والانفعالات الملتهبة الغاضبة، حتى تحول الوجود إلى ميادين سقر، وكل موجود ينادي، إلى أين المفر.
فهل من يقظة ضمير، وإدراكٍ لويلات الخطر، أم أن الجميع في رقصة الفناء والشرر؟!!
واقرأ أيضاً:
تحرير أمْ تدمير!! / الأجيج الديمقراطي!! / النجمة الحائرة!! / القوة والسلوك!!