سرّ مَن نظر!
بعينيك الواسعتين, وشفتيك الممتلئتين, ووجنتيك المتوردتين, وشعرك الطويل, الذي يسابق الدجى, ويحلم أن يطير, إلى حيث الأجيال, المحملة بالظلام الثقيل, وبكل ما فيك وما عليك من أحلام وأوهام, وصدق وكذب, ودموع وحزن وفرح, وتنهدات شوق وألم, وما تريد أن تبثه نظراتك الحائرة, في فضاء بلا نجوم, ونهار بلا ضياء, وليل لا يريد أن يغادر محطات السكون والنحيب!!
سرّ مَن نظر!
هل من عقل يقول, ومن صوت جديد؟
وهل ستوقظين أهل الكهف من سباتهم الأبدي, وتذكرينهم بأننا في القرن الحادي والعشرين وبأن الدنيا تغيرت, والأرض تبدلت, والأحوال تجددت, وما كان لن يكون, وأهل الكهف لابد لهم من الخروج إلى المدينة, والتجوال في شوارعها, واستنشاق الهواء المعاصر, البعيد عن المفاسد السوداء, والتفاعلات النكراء, فهل لا يزالون في صومعة الرؤى البعيدة, ذات الوجوه المعبأة بالخطايا والمآسي والذنوب, وهم في أشد حالات الغيوب!!
سرّ مَن نظر!
في الأفق البعيد, عقارب سوداء, وثعابين رقطاء, ووحوش متحفزة للانقضاض على الحياة, وتحويلها إلى فرائس متمرغة بدمائها وجلودها, وعيونها المتجمدة أمام وحش بلا رحمة, تدفعه قوة هائجة ترفع رايات الفناء, وتحلم أن تحقق لها المجد القصير العمر على كراسي المتاهات المرعبة, في زمن يجعل الليل نهاره والنهار معصرة كبيرة لأحيائه التي تتلعثم بالدقائق وتئن من الساعات, ولا يمكنها أن تخترق يوما واحدا من غير رقصات رعب, وأنفاس خوف وارتعاشات ذعر, وخفقات قلب لا يمكنه أن يستريح من ضاريات الانتقام, وعفاريت السوء المحدقة بالبشر الذي يتنفس الهواء, ويملك يدين وقدمين تساعدانه على الحركة في الظلماء!
سرّ مَن نظر!
وهل من بصر, ومن رشد قليل, وعقل يرى ما يدور لا ما يرى من سكرات الضنى والنفور.
فالعالم يتحرك نحو البعيد, ويحشد طاقات وفيرة من أجل صياغات أرضية متوالدة, ذات فعل مؤثر في الوجود البشري القادم, الذي ستحمله على أكتافها الأجيال, وهي متلاحمة متدافعة نحو الأمام, الذي تحلم به ولا تعرف ماذا يكمن لها فيه, وما سيدور عليها وحولها من الأفاعيل والخطط المعقدة, ذات النظريات المتفوقة على العقل البشري, الذي تحول إلى ورقة بيضاء يمكن للاقتدار الفاعل في الوجود أن يكتب عليها ما يشاء ويسخرها إلى ما يشاء, وبهذا فقط تحولنا إلى مخلوقات بلا إرادة أو خيار, بل أصبحنا مخلوقات مدجنة وفقا لنظريات التبعية والخنوع, والانجرار إلى دروب الويلات المرسومة وفقا لخارطة المصادرة وتدمير المصير, وتحقيق الغايات السيئة في زمن أشد سوءا وقسوة!
سرّ مَن نظر!
القلة لا تدري ماذا تريد, بل أنها تتساقط في شباك الرغبات, ومصائد الإندفاعات وستنتهي إلى كهوف العذابات, ويتحقق لها المصير المشؤوم, لأنها لا تفهم المعلوم ولا تتورع في سلوكها, بل أنها في نزق مجنون وتفاعل شديد مهزوم, تراه نصرا وهو لا يعرف إلا الخصوم, وهكذا ترى الأيام تتحرك باتجاهات لا تفيد أحدا ولا ترضي راغبا.
فهل سيعرف الذي يريد أن يعرف, أم أن الجهل طبيب, والخوف بعيد, والجيوب معبأة بالذهب الجديد.
والناس على بعضها تأسدت, وعلى غيرها تثعلبت, وتمرغت بذلها وعبوديتها, وأخذت تمشي على رؤوسها, بعد أن تاهت الأقدام وحسبت كل خطوة خنجر انتقام في صدر الزمن المضام!
سرّ مَن نظر!
وتتساءل الأيام عن جيلنا المقدام, وترفع الرايات وتعلن السلام, وكلنا سهام تبارك الآثام, وتشتهي الآلام وتحضن الظلام, لأننا في بحرنا الدوام أسماك جزر لا تنام.
نطارد عقولنا ونفتدي بدوننا ونركض كأننا أوهام.
ما عندنا من وجع بل نملك الآثام, ونرتقي بجهدنا لساحة الأغنام.
يا عزمنا المسافر وجرحنا المثابر, ودمعنا الوفير وكلنا الضرير, وبعضنا المسافح الشرير.
هل تنتهي المآسي وتسقط الكراسي, ويظهر الصحيح وينتهي الفحيح, ونجلس كأننا بأرضنا نعيش وكلنا لبعضنا عضيد.
يا أمة لا تعرف ما يحصل بل تركض وعقلها السعير وكلها بكلها كسير, لا تملك في أرضها النصير, وتسأل بفعلها عن المصير!
واقرأ أيضًا:
الحل في العقل!! / النجمة الحائرة!! / الانفجار الديمقراطي!! / القوة والسلوك!! / إرادة الحرب وإرادة السلام!!