العقلية المتأخرة في واقعنا السلوكي السياسي، تتلخص بالمقولة المعروفة المضللة، التي تهدف إلى التعادي فتقول: "إن لم تتفق معي فأنت عدوي" أو "إن لم تكن معي فأنت عدوي".
وهذه العقلية ربما تتسيد على السلوك الحاصل في المجتمع.
فإذا لم تتفق معي على هذا الشيء، فأنت تضمر نوايا سيئة وعدوانية وتستهدفني.
وهذه العقلية قد جرى العمل بها على مدى عقود حالكات، في زمن الثورات والجمهوريات والأحزاب القائدة والواحدة وغيرها من المسميات.
وفي واقع الحياة، لا يمكن لمخلوقين بشريين أن يتفقا تماما على شيء واحد إطلاقا، إلا إذا كانا مصابين باضطراب الوهم المشترك، فذلك لا يتفق وإرادة الحياة، وإنما هو تعبير صارخ عن إرادة الموت، لأن الاتفاق التام لا يتحقق إلا عند الأموات.
فالذين يتحدثون عن التطابق والتشابه، وغيرها من الأوهام والهذيانات، كأنهم ليسوا على ظهر كوكب دوّار، لا يعرف التشابه والتطابق، ويدين بعقيدة الاختلاف.
والمجتمعات المألوسة، هي التي تتحدث بهذه العقلية المناهضة لأبسط عناصر الحياة.
فلا يوجد بشر يتفق مع بشر تماما!
فالزوجة لا تتفق مع زوجها!
والعاشق لا يتفق مع المعشوقة!
والصديق لا يتفق مع الصديق!
لكنهم جميعا يتفاعلون مع بعضهم لصناعة الحياة.
فالحياة تفاعل وليست اتفاقا!
وحقيقة أننا "اتفقنا على أن لا نتفق"، تعني أن الحياة لكي تكون وتتطور، لابد لنا أن نحقق التفاعل ما بين عناصرها اللامتفقة، لا أن نجعلها تتفق، أي نحرمها من التفاعل ونحولها إلى عناصر خاملة أو خامدة، لأن أي اتفاق يعني غياب الحياة المتجددة ويتضمن دعوة للسكون.
هكذا هي إرادة الموجودات، ونداء الصيرورات المتألقة في الأرض.
فأنت معي إذا اختلفت معي، وإن كنت معي فأنت معمعي!!
فهل سندرك ضرورات الاختلاف لصناعة الحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
السراب الديمقراطي!! / الحرب العالمية العارمة!! / "يا أمة نهلت من علمها الأمم"!!