نشرت صحيفة الـ (فورين بوليسي) الأمريكية مقالاً تحليلياً ذكرت فيه ستة أسباب لما أسمته تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ولسياساتها الخارجية، وأهم هذه الأسباب، حسب كاتب المقال (آرون ديفيد ميلر)، الكاتب والمحلل الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، هي إنتهاء الحرب الباردة وزوال فزَّاعـة "الإرهاب" وتدني أهميـة النفط الخليجي وخسـارة أمريكا لحلفائها العرب، بالإضافـة إلى قوة (إسـرائيل) المتزايدة.
ويرى (ميلر) أن الأسباب التقليدية لانخراط واشنطن وتدخلها في المنطقة تغيَّرت؛ حيث كان التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط يُبرر بحجج من قبيل إحتواء النفوذ الروسي أو تأمين مصادر النفط في دول الخليج وكذلك حماية أمن (إسرائيل)، إلى جانب أسباب أخرى مثل مكافحة "التطرف" و"الإرهاب"، و"بناء الديموقراطية"، وهي العوامل التي تراجعت في الفترة الأخيرة لعدة أسباب.
إنتهاء الحرب الباردة وزوال "فزَّاعة الإرهاب":
"الإرهاب" كان فزَّاعة وهمية خلقتها واشنطن واستخدمتها لفترة طويلة كقناع اعتمدت عليه للحفاظ وللزيادة من نفوذها في الشرق الأوسط، في حين كانت الغاية الحقيقية الكامنة خلف هذه الفزَّاعة ـــــ أو القناع ـــــ هي حاجة أمريكا إلى نفوذ سياسي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط بالأساس للقضاء على ـــــ والحد من ـــــ خطر النفوذ الروسي، وهو ما يُعتبر امتدادا للحرب الباردة بين القطبين الروسي والأمريكي.
ويرى (ميلر) أن الحرب الباردة، وإن كانت قد انتهت رسمياً قبل عقود، فإنها انتهت عملياً خلال السنوات الأخيرة، ويؤكد على انتهاء هذه الحرب عبر شواهد عديدة من بينها عدم تصعيد الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) مع واشنطن، بالرغم من إزالة أمريكا لأهم حلفاء روسيا في المنطقة وهو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وكذلك الدور الذي لعبته أمريكا في الإطاحة بالحليف الآخر للروس وهو معمر القذافي.
كما أشار المقال إلى إتفاق (بوتين) الأخير مع الولايات المتحدة بخصوص نزع الأسلحة الكيميائية السورية، بالإضافة إلى الدور الروسي في المفاوضات الجارية حول الملف النووي الإيراني، يكشفان عن تعاون أمريكي روسي في بعض قضايا المنطقة، وهو ما يؤكد مجدداً انتهاء الحرب الباردة، التي كانت لعقود من الأسـباب الرئيسـيـة لسـعي الولايات المتحدة الأمريكيـة للتواجد في الشـرق الأوسـط.
عدم رغبة أمريكا في التورط عسكرياً في المنطقة:
السبب الثاني لتضاؤل أهمية الشرق الأوسط أو التدخل في الشرق الأوسط بالنسبة لأمريكا، هو أن صُناع القرار في واشنطن باتوا يرفضون قيام أمريكا بدور "الشرطي المصلح" في العالم؛ فبالرغم من دعم الجيش الأمريكي لخيارات رئيس البلاد فيما يخص التدخل من أجل تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط، لأسباب متعلقة بأمن الولايات المتحدة، فإن الساسة وصُناع القرار في ال (كونغرس) وفي الإدارة الأمريكية يرفضون التدخل العسكري في أي حرب خارجية جديدة، خصوصاً بعد معاناة الشعب الأمريكي من آثار الحروب في أفغانستان والعراق.
ثورة الطاقة في أمريكا:
السبب الثالث، هو بوادر ظهور ثورة في مجال الطاقة في أمريكا الشمالية، والتي ستُقلل بمرور الوقت من اعتماد واشنطن على النفط العربي؛ فللمرة الأولى منذ نحو ربع قرن، بدأ إنتاج الولايات المتحدة من النفط في التزايد بشكل حاد، إلى جانب الزيادة في إنتاج الغاز الطبيعي، وسط توقعات بأن تُصبح أمريكا أكبر منتج للنفط والغاز في العالم خلال عشر سنوات، حيث توقع الخبير في شـؤون النفط في مجلـس العلاقات الخارجيـة الأمريكي، (مايكل ليفي)، أنـه بحلول عام 2020 سـتكون الولايات المتحدة قادرة على إنتاج 10 ملايين برميل يومياً، وهو حجم إنتاج السـعوديـة الحالي من النفط يومياً، وفي حال حدوث هذا، لن تكون أمريكا في حاجـة للمحروقات الواردة من الشـرق الأوسـط!!
خسارة واشنطن لحلفائها العرب:
ياسر عرفات (رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل)، حسني مبارك (الرئيس المصري الأسبق)، زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي السابق)، وعلي عبد الله صالح (الرئيس اليمني السابق)، كلهم كانوا حلفاء لأمريكا طيلة عقود حكمهم، وسقطوا واحداً تلو الآخر في السنوات الأخيرة، وبالرغم من بقاء حلفاء أمريكا من الملوك، فإن علاقات أمريكا مع هؤلاء الملوك بدأت تشهد توترات، من بينها رفض السعودية لدعم أمريكا لرئيس وزراء شيعي في العراق، وموقف أمريكا المائل لمطالب شيعة البحرين، وكذلك فشل أمريكا في إدارة ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
كل هذه التطورات تجعل أمريكا ـــــ حسـب ما كتبـه (ميلر) ـــــ مفتقرة إلى شـريك عربي حقيقي تسـتطيع التعاون معـه في المسـائل المتعلقـة بالسـلم والحرب، وهو ما أرجعـه (ميلر) بشـكل أسـاسـي إلى تضاؤل مصداقيـة أمريكا إلى حدٍ كبير، حتى في الشـارع الأمريكي نفسـه، وإلى ضعف القادة العرب والدول العربيـة نفسـها.
تنامي قوة (إسرائيل) واستقلاليتها:
(إسرائيل) أصبحت قوية وأكثر استقلالاً من أي وقت مضى؛ فقوة (إسرائيل) العسكرية تتزايد يومياً بفضل الدعم الأمريكي المستمر لها، في مقابل عجز عسكري عربي، مما يجعل من (إسرائيل) الكيان الأقوى والأكثر أمناً في المنطقة، أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى، وفي حال تعرضها لأي خطر وجودي فإنها ستتصرف بشكل أحادي دون العودة إلى واشنطن، وهو ما يُقلل من أهمية "أمن (إسرائيل)" كمبرر للوجود الأمريكي في المنطقة.
القوة الناعمة، الدبلوماسية:
تتوجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى خيار جديد للتعامل مع الخلافات والصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، حيث بات واضحاً اعتماد الولايات المتحدة على الحوار في معالجة القضية السورية من خلال إصرارها على مؤتمر جنيف 2، وكذلك بالنسبة للملف النووي الإيراني، وهو ما يُفهم على أن أمريكا بدأت تتوجـه نحو اختيار القوة الناعمـة والدبلوماسـيـة بديلاً عن التواجد المباشـر في المنطقـة.
23/11/2013
نقلاً عن موقع فلسطينيو 48
واقرأ أيضاً:
بلفور... كم أكرهك وكم أعشق القوة! / وعد (بلفور) ومؤتمر (بوش) / وعد بلفور فلسطيني / الدولة الفلسطينية ستحرق ورقة بلفور / وعد عباس ووعد بلفور في نوفمبر / فلسطين بين بلفور وأوباما